العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا يستمر الجدل حول دور وسائل التواصـل الاجـتمـاعي؟!

بقلم: د. ياسر عبد العزيز {

الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

لا‭ ‬يكاد‭ ‬يمر‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬صدام‭ ‬بين‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬جانب‭  ‬أحد‭ ‬الإعلاميين‭ ‬على‭ ‬الوسائط‭ ‬‮«‬التقليدية‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬المؤثرين‮»‬‭ ‬من‭ ‬صناع‭ ‬المحتوى‭ ‬على‭ ‬وسائط‭ ‬‮«‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‮»‬،‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭. ‬تُنتج‭ ‬هذه‭ ‬الصدامات‭ ‬جدلًا‭ ‬شديدًا،‭ ‬خصوصًا‭ ‬عندما‭ ‬تطال‭ ‬سياسيًّا‭ ‬مرموقًا‭ ‬مثل‭ ‬رئيس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬السابق‭ ‬والمنتخب‭ ‬مجددا،‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬الذي‭ ‬حظره‭ ‬‮«‬تويتر‮»‬‭ (‬إكس‭ ‬حاليًا‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬وكذلك‭ ‬مدونة‭ ‬معروفة‭ ‬على‭ ‬‮«‬السوشيال‭ ‬ميديا‮»‬،‭ ‬تقدم‭ ‬محتوى‭ ‬مُختلفًا‭ ‬عليه،‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

يحدث‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬باطراد‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المتقدمة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأقل‭ ‬تقدمًا‭ ‬والأكثر‭ ‬سلطوية،‭ ‬وفى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الصدام‭ ‬غبار‭ ‬كثيف‭ ‬تعجز‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بسببه‭ ‬عن‭ ‬التماس‭ ‬الطرق‭ ‬‮«‬الأكثر‭ ‬مهنية‭ ‬واتساقًا‭ ‬مع‭ ‬القيم‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الانقسام‭ ‬حول‭ ‬نشر‭ ‬‮«‬الرسوم‭ ‬المسيئة‮»‬‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬صحفية‭ ‬أوروبية‭ ‬عدة‭.‬

لطالما‭ ‬استندت‭ ‬رؤى‭ ‬منع‭ ‬نشر‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تتحدى‭ ‬‮«‬مفاهيم‭ ‬مجتمعية‭ ‬مستقرة‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬تُراد‭ ‬لها‭ ‬الحماية،‭ ‬إلى‭ ‬تعبير‭ ‬‮«‬صيانة‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الثوابت‭ ‬والقيم‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يحظى‭ ‬بموافقة‭ ‬واحترام‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قطاعات‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المختلفة‭.‬

لكن‭ ‬الهوة‭ ‬تتسع‭ ‬عادة‭ ‬بين‭ ‬دعاة‭ ‬‮«‬الحرية‭ ‬والانفتاح‮»‬‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬إخضاع‭ ‬ما‭ ‬يُقدم‭ ‬من‭ ‬محتوى‭ ‬عبر‭ ‬وسائط‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬لمفهوم‭ ‬محدد‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الثوابت‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والقيمية‮»‬‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

والشاهد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬تعريفات‭ ‬عديدة‭ ‬لمفهوم‭ ‬الأمن‭ ‬القومي،‭ ‬كما‭ ‬يعرف‭ ‬الباحثون‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬السياسة؛‭ ‬لكن‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬هذه‭ ‬التعريفات‭ ‬إثارة‭ ‬للاهتمام‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬هو‭ ‬‮«‬التدابير‭ ‬التي‭ ‬تتخذها‭ ‬الدولة‭ ‬لحماية‭ ‬القيم‭ ‬الحيوية‭ ‬للأمة‮»‬‭.‬

تُعرّف‭ ‬السلطة،‭ ‬بمعناها‭ ‬العام،‭ ‬‮«‬القيم‭ ‬الحيوية‭ ‬للأمة‮»‬،‭ ‬وتسن‭ ‬القوانين،‭ ‬وتُفعّل‭ ‬الإجراءات،‭ ‬التي‭ ‬تكفل‭ ‬حمايتها؛‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬حكم‭ ‬بالسجن‭ ‬ضد‭ ‬المفكر‭ ‬الكبير‭ ‬روجيه‭ ‬جارودي،‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬لأنه‭ ‬شكك‭ ‬في‭ ‬الأرقام‭ ‬المتداولة‭ ‬بشأن‭ ‬‮«‬ضحايا‭ ‬الهولوكوست‮»‬‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬خطوطًا‭ ‬حمراء‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خرق‭ ‬أو‭ ‬تجاوز،‭ ‬وتلك‭ ‬الخطوط‭ ‬تتفاوت‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬كما‭ ‬تتفاوت‭ ‬الإجراءات‭ ‬الرادعة‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بحسب‭ ‬عوامل‭ ‬تاريخية‭ ‬وحضارية‭ ‬وقانونية‭ ‬وسياسية‭ ‬متعددة‭.‬

وبينما‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الصدام‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تاريخ‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬‮«‬التقليدية‮»‬،‭ ‬جاءت‭ ‬التغيرات‭ ‬الحادة‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬الاتصالي‭ ‬العالمي،‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬‮«‬الإنترنت‮»‬،‭ ‬ورواج‭ ‬وسائل‭ ‬‮«‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‮»‬،‭ ‬لتفاقم‭ ‬تلك‭ ‬المشكلة‭ ‬وتعمق‭ ‬آثارها‭.‬

وبموازاة‭ ‬تلك‭ ‬التغيرات،‭ ‬زادت‭ ‬قدرة‭ ‬‮«‬السوشيال‭ ‬ميديا‮»‬‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬السياسات‭ ‬العامة،‭ ‬وبرز‭ ‬ناقدون‭ ‬لـ‮«‬المؤثرين‭ ‬الجدد‮»‬‭ ‬سعوا‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬انتشارهم‭ ‬عبر‭ ‬مهاجمتهم‭ ‬ومحاولة‭ ‬إقصائهم،‭ ‬كما‭ ‬ظهرت‭ ‬قطاعات‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تُفعّل‭ ‬رؤيتها‭ ‬لما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُسمح‭ ‬بتداوله‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العام،‭ ‬بجانب‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يحرصون‭ ‬فعلًا‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬المخالفات‭ ‬المرتكبة‭ ‬عبر‭ ‬تلك‭ ‬الوسائط‭.‬

وقد‭ ‬انقسم‭ ‬مستخدمو‭ ‬‮«‬السوشيال‭ ‬ميديا‮»‬،‭ ‬الذين‭ ‬اهتموا‭ ‬بتلك‭ ‬الصدامات،‭ ‬إلى‭ ‬تيارين‭ ‬رئيسين؛‭ ‬أولهما‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬المستخدمين‭ ‬الذين‭ ‬واجهوا‭ ‬الاتهامات‭ ‬وخضعوا‭ ‬للحبس‭ ‬والملاحقة‭ ‬القانونية‭ ‬أصحاب‭ ‬رأي‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬قمعهم،‭ ‬وثانيهما‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬ملاحقة‭ ‬‮«‬المخالفين‮»‬‭ ‬ضرورية،‭ ‬وأن‭ ‬حبس‭ ‬هؤلاء‭ ‬وعقابهم‭ ‬واجب،‭ ‬‮«‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬الآداب‭ ‬العامة‭ ‬وتماسك‭ ‬المجتمع‭ ‬وحرصًا‭ ‬على‭ ‬الفضيلة‮»‬‭.‬

فما‭ ‬الحد‭ ‬الفاصل‭ ‬بين‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬وحق‭ ‬السلطة‭ ‬العامة‭ ‬والمجتمع‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬ما‭ ‬يُعتقد‭ ‬أنه‭ ‬أمنه‭ ‬ومصالحه‭ ‬وسماته‭ ‬الأخلاقية‭ ‬وعاداته؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يتوجب‭ ‬فعله‭ ‬إزاء‭ ‬انتهاكات‭ ‬وممارسات‭ ‬حادة‭ ‬ومثيرة‭ ‬للجدل‭ ‬ترد‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار؟

إن‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬مقياس‭ ‬شفاف‭ ‬لضبط‭ ‬هذا‭ ‬الخلاف‭ ‬ومعالجته‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الإقرار‭ ‬بأن‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬مصونة‭ ‬ولا‭ ‬تُمس،‭ ‬لكنها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُقيد‭ ‬عندما‭ ‬تثير‭ ‬الكراهية،‭ ‬أو‭ ‬تحرض‭ ‬على‭ ‬العنف،‭ ‬أو‭ ‬تطعن‭ ‬في‭ ‬‮«‬المعتقدات‭ ‬المقدسة‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬تختلق‭ ‬الأخبار‭ ‬وتزيفها،‭ ‬أو‭ ‬تشجع‭ ‬التمييز،‭ ‬أو‭ ‬تنال‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬الثابتة‭ ‬للآخرين،‭ ‬أو‭ ‬تتجاوز‭ ‬نسق‭ ‬الآداب‭ ‬العام‭ ‬كما‭ ‬تفهمه‭ ‬المؤسسات‭ ‬المعنية‭ ‬وترسيه‭.‬

إن‭ ‬التوافق‭ ‬المؤسسي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬ومعايير‭ ‬بعينها‭ ‬لضبط‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العام‭ ‬مسألة‭ ‬تخص‭ ‬كل‭ ‬مجتمع‭ ‬ودولة،‭ ‬لأنها‭ ‬تجسد‭ ‬فهمها‭ ‬الخاص‭ ‬لـ«القيم‭ ‬الحيوية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ترتكز‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬إقرار‭ ‬الضبط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتفعيله‭.‬

وكلما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬موضوعيًا‭ ‬وشفافًا‭ ‬ومُعلنًا‭ ‬ونافذًا‭ ‬بلا‭ ‬انتقائية‭ ‬أو‭ ‬تطرف‭ ‬ومغالاة،‭ ‬بات‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الإقناع‭.‬

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬مختص‭ ‬في‭ ‬

مجالات‭ ‬الإعلام‭ ‬والاتصال‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا