خلال حملته الانتخابية، اكتسب خطاب «ترامب»، جاذبية بفضل تعهده بإنهاء الحرب في غزة، والتخفيف من معاناة المدنيين الفلسطينيين، وهو ما شكل «تناقضًا واضحًا»، مع ما وُصف بـ«اللامبالاة، وعدم التحرك»، من جانب الحكومة الحالية، التي يُنظر إلى «هاريس»، باعتبارها امتدادًا لها. وعلى الرغم من الآمال التي عقدها الناخبون الأمريكيون في جلب إعادة انتخابه السلام إلى المنطقة، من خلال آلية المفاوضات الكبرى، التي بنى عليها سمعته السياسية والتجارية، فقد حذر «ستيفن كوك»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، في أعقاب الانتخابات مباشرة، من أن أي نهاية للحرب الحالية، سوف تجري في نهاية المطاف، «وفقا لشروط إسرائيل».
وتأكيدًا لهذا التوجه، استهل «ترامب»، اختياراته للمناصب العليا في الأمن، والدبلوماسية ضمن إدارته المقبلة بأشخاص معروفين بتأييدهم القوي لإسرائيل، وسجلهم الحافل بالخطاب العنيف المناهض للفلسطينيين، وتبنى خطاب تحريضي، مماثل لما يردده سياسيون إسرائيليون متطرفون، ينكرون الهوية الفلسطينية، ويدعون إلى السيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة، وتوسيع الاستيطان غير القانوني في الأراضي المحتلة. فيما أثارت هذه التعيينات سلسلة من النقاشات، حول أهلية هذه الشخصيات لتولي مهام حساسة على الصعيدين السياسي والعسكري في الإدارة المقبلة، رغم عدم امتلاكهم الخبرة الكافية.
وفي حين ركز الإعلام الغربي على التعيينات المحلية المثيرة للجدل، التي أجراها «ترامب»، مثل تعيين الملياردير «إيلون ماسك»، بوزارة جديدة للكفاءة الحكومية، أو تعيين عضو الكونجرس المتشدد «مات غيتز»، في منصب المدعي العام؛ فقد أشار «نيري زيلبر»، في صحيفة «فاينانشال تايمز»، إلى «ابتهاج اليمين المتطرف الإسرائيلي باختياراته، لوزيري الخارجية والدفاع، ومبعوث الشرق الأوسط، وسفير واشنطن لدى إسرائيل، وهم جميعًا «مؤيدون أقوياء» لحكومة «بنيامين نتنياهو»، الائتلافية المتطرفة، ولحروبها على غزة ولبنان.
وفي طليعة هذه الشخصيات، يأتي «ماركو روبيو»، عضو لجنتي العلاقات الخارجية والاستخبارات بمجلس الشيوخ، الذي اختاره «ترامب»، ليكون وزيرا لخارجيته في يناير2025. ووثق «ليو ساندز»، و«كارين دي يونج»، في «واشنطن بوست»، كيف أن «روبيو» – الذي وصف ترامب سابقا بـ«المحتال» – قد بنى هويته السياسية حول دعم الإطاحة بالحكومات الاستبدادية في أمريكا اللاتينية، وأظهر دعمه القوي لحرب إسرائيل على قطاع غزة -التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 43.000 فلسطيني، 70% منهم من النساء والأطفال – ووصفها بأنها تُدار «بالاستبصار والعدالة»، وتعهد بدعم تدمير حماس، بغض النظر عن الكلفة البشرية والمادية، «حتى لا تهدد شعب إسرائيل مرة أخرى». وعليه، فليس من المستغرب، اعتراضه على وقف إطلاق النار الإنساني في القطاع، ورفض مسؤولية الحكومة الأمريكية عن إنهاء نقل الأسلحة والعتاد إلى إسرائيل لانتهاكها القانون الدولي.
ولعل من المؤشرات على تصرفاته المستقبلية المحتملة كوزير للخارجية، هو موقفه من «إدارة بايدن»، بعد فرضها «عقوبات محدودة ضد منظمة إسرائيلية متطرفة، وفرد واحد بالضفة الغربية في أغسطس 2024، حيث كتب إلى وزير الخارجية الحالي، «أنتوني بلينكن»، منتقدًا الديمقراطيين؛ لاتخاذهم ما أسماه «خطوات لتقويض حليفنا»، مدعيًا أن هذه العقوبات «تفاقم الوضع الحساس بالفعل في المنطقة». وبشكل أكثر وضوحًا، يظهر دعمه لضم إسرائيل غير القانوني للأراضي الفلسطينية، من خلال الطريقة التي أشار بها في رسالته إلى الضفة الغربية، باسم «يهودا والسامرة»، وهي التسمية التي يستخدمها المستوطنون المتطرفون، بالإضافة إلى مزاعمه بأن الإسرائيليين «يعيشون بحق في وطنهم التاريخي»، بينما تسعى حكومتهم «بشكل ثابت إلى تحقيق السلام مع الفلسطينيين».
يُضاف إلى خطابه المعادي للفلسطينيين، والذي يقوض الاستقرار الإقليمي، العديد من التصريحات التي تدعم الهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد «إيران»، ووكلائها في أنحاء الشرق الأوسط، حيث أوضح أن ائتلاف نتنياهو له «حق الرد بشكل غير متناسب»، ضد منافسيه، وأن «محو» قيادة جماعة حزب الله اللبنانية، عبر الضربات الجوية، وعمليات التخريب كان «خدمة للبشرية». وبصفته مؤيدًا قويًا لحملة ترامب، أكد أن الإدارة الجمهورية القادمة، ستكون «واضحة وحازمة للغاية» في سياساتها ضد «طهران».
وفي إطار تعزيز طموحات «إسرائيل»، في الشرق الأوسط، على حساب الاستقرار والسلام طويل الأمد؛ يأتي تعيين «بيت هيغسيث»، وزيرا لدفاع الولايات المتحدة، وهو من قدامى المحاربين العسكريين، ويشتهر كونه مقدم برامج في قناة فوكس نيوز. وأشار «جيمس فيتزجيرالد»، و«أليكس بوي»، في شبكة «بي بي سي»، إلى أنه قد «ضغط بنجاح على ترامب خلال رئاسته الأولى، ليصدر عفوًا عن الجنود، الذين اتهموا بارتكاب جرائم حرب»، كما أنه دخل البنتاغون دون أن يشغل أي منصب عسكري رفيع، أو منصب سياسي من قبل. فضلا عن كونه متعصبا جدًا ضد المسلمين. وقبل انتخابات 2016، حذر من زيادة معدلات مواليدهم في ولايات، مثل «ميشيجان»، واعتبرها قد تغير نتائج الانتخابات، كما أشاد بدعوة «ترامب» في السابق للمنع التام والكامل لدخولهم إلى الولايات المتحدة.
ومثل «روبيو»، لا يمكن إنكار مواقف «هيغسيث»، المؤيدة لإسرائيل. وفي مقابلة مع موقع «جويش برس» الإسرائيلي عام 2016، وصف الإسرائيليين بـ«شعب الله المختار»، وبعد مقابلة «نتنياهو»، في مارس عبر شبكة «فوكس نيوز»؛ صرح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأن «إسرائيل بحاجة إلى دعمنا».
وبالنظر إلى أن وزيري الداخلية والدفاع يُعتبران من أبرز مستشاري «ترامب»، المؤثرين فيما يتعلق بنقل الأسلحة الأمريكية المستقبلية إلى إسرائيل لاستخدامها ضد الفلسطينيين، ولبنان، وإيران، ودول أخرى في الشرق الأوسط، فإن اختيارهما يعكس تزايد الدعم العسكري الأمريكي المباشر لإسرائيل في حروبها في الفترة القادمة في ظل بقاء البيت الأبيض في قبضة الإدارة الجمهورية؛ على الرغم من أن «إدارة بايدن»، قد أنفقت بالفعل أكثر من 22 مليار دولار في هذا السياق منذ أكتوبر 2023، وفقًا لـ«معهد واتسون للدراسات الدولية والشؤون العامة».
أما فيما يتعلق بالعلاقات الدبلوماسية المباشرة لـ«ترامب»، مع الشرق الأوسط، فقد أشارت «لارا جيكس»، و«آدم راسغون»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن اثنين من تعييناته البارزة، تعكسان «قلة أو عدم وجود خبرة رسمية في السياسة في المنطقة»، رغم كونهما من المؤيدين المتشددين لإسرائيل، ومناهضين لحقوق الفلسطينيين. ويُعرف «مايك هاكابي» – الحاكم السابق ولاية أركنساس – الذي تم تعيينه سفيرًا للولايات المتحدة في إسرائيل، بتأييده لبناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. ورغم تأكيده أنه «لن يصنع سياسات جديدة مغايرة عما يتبناه ترامب»، فإن خطاباته المؤيدة لإسرائيل تشير إلى دعم «إدارة ترامب»، لضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية بشكل غير قانوني.
ومن بين العديد من التصريحات المعادية للفلسطينيين، التي أدلى بها في عام 2008، ادعى أنه «لا يوجد شيء اسمه فلسطين»، وأن هذه الهوية الفلسطينية المزعومة، هي مجرد «أداة سياسية لانتزاع الأراضي من إسرائيل». وعندما كان مرشحًا في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عام 2015، وصف «حل الدولتين»، بأنه «غير عقلاني وغير قابل للتطبيق»، وأكد بوجود «الكثير من الأراضي»، في «بقية العالم»، لإقامة دولة فلسطينية، واقترح في المقابل أخذ الأراضي من مصر، أو الأردن، أو سوريا لتحقيق ذلك.
وفي عام 2017، أثناء زيارته لمستوطنة غير شرعية في الضفة الغربية، صرح بأنه «لا يوجد شيء اسمه مستوطنات»، و«لا يوجد شيء اسمه احتلال» للأراضي الفلسطينية. وسجلت «هيئة الإذاعة البريطانية»، (بي بي سي)، أنه في العام التالي، قال: إن «إسرائيل تمتلك صك ملكية ليهودا والسامرة»، وهو تعبير تستخدمه إسرائيل للإشارة إلى الضفة الغربية.
وعليه، فبينما لاقت تصريحات وزير المالية الإسرائيلي «بتسلئيل سموتريش»، في نوفمبر، بشأن أن عام 2025، سيكون «عام السيادة» لإسرائيل في «يهودا والسامرة»؛ «إدانات واسعة»، من القادة والدبلوماسيين الأوروبيين والعرب، كخطاب يقوض السلام في الشرق الأوسط؛ فإنه ليس غريبا أن «سموتريش»، رحب بتعيين «هاكابي»، سفيرا لأمريكا في إسرائيل، ووصفه بأنه «صديق مخلص ومتفاهم»، ومن ثمّ، فإن تعيينه يعزز من طموحات المستوطنين المتطرفين في إسرائيل باحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية بالقوة وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وهو انتهاك صريح للقانون الدولي.
علاوة على ذلك، فإن اختيار «ترامب»، لمبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط «ستيف ويتكوف»، لا يعزز الثقة في أي عملية سلام متوازنة في المستقبل. ووصفه «جو إينود»، من شبكة «بي بي سي»، بأنه «مطور عقاري»، و«صديق قديم لترامب». وكشخص لم يشغل أي منصب سياسي، أو دبلوماسي من قبل رأت «جيكس» و«راسغون» أن مؤهلاته لهذا الدور الجديد تقتصر على كونه قد «جمع مبلغًا ضخمًا من المال»، لحملة ترامب الانتخابية، بما في ذلك من ناخبين يهود، كانوا يرغبون في أن تكون الإدارة الأمريكية القادمة، أكثر دعمًا لإسرائيل. ووثقت «نيويورك تايمز»، دعمه القوي لنتنياهو، حيث كان من بين الجمهوريين، الذين حضروا خطابه أمام الكونغرس الأمريكي في يوليو، بينما وصفه ترامب بأنه «صوت يدعو إلى السلام».
وعند تقييمه، إلى جانب شخصيات أخرى متشددة في دعم إسرائيل، تم تعيينهم في مناصب رفيعة في إدارة ترامب الثانية، مثل مستشار الأمن القومي القادم «مايك والتز»، و«إليز ستيفانيك»، سفيرة واشنطن لدى «الأمم المتحدة»؛ ليس من المستغرب، أن يصف «ديفيد هيرست»، من موقع «ميدل إيست أي»، تشكيلة ترامب الوزارية، بأنها «وصفة لحرب شاملة في الشرق الأوسط».
وفي تناقض مع نوايا الناخبين الأمريكيين الذين تخلوا عن «هاريس» والحزب الديمقراطي؛ بسبب فشلهم في وقف التدمير المستمر لغزة من قبل إسرائيل، فإن الإدارة التي يشكلها «الجمهوريون»، تدعم إسرائيل بشكل قاطع، وتهدم آفاق السلام التي وعد بها «ترامب» أثناء حملته الانتخابية، مع وجود مسؤولين فيها، يدافعون عن استمرار الحروب في غزة ولبنان، ويرفضون الهوية الوطنية الفلسطينية، ويدعمون ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعلى الرغم من إصراره، أن اختياراته «تعكس رؤية تقوم على تعزيز السلام من خلال القوة»؛ فإن العديد من المحللين يحذرون من أن تعيين شخصيات تفتقر إلى الخبرات السياسية والأمنية، وتظهر انحيازات واضحة، قد يؤدي إلى عواقب غير متوقعة، ومن ثمّ، قد تشهد الفترة القادمة تغييرات غير محسوبة، وتحديات كبيرة، نتيجة لاختياراته المبنية على الولاء الشخصي، بدلاً من الكفاءة والخبرة الحقيقية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك