في يوليو 2024، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، «بنيامين نتنياهو»، كلمة أمام «الكونجرس الأمريكي»، بعد أقل من شهرين من طلب «المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية»، إصدار مذكرات اعتقال دولية بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، هو ووزير دفاعه – آنذاك – يوآف جالانت، حيث استقبله أعضاء الكونجرس الجمهوريون بحرارة، وقوبل بتصفيق حار ووقوف متكرر. وخلال كلمته، تعهد بمواصلة الحرب في غزة، دون النظر إلى التكلفة البشرية والمادية الباهظة، التي يعاني منها الفلسطينيون.
وعليه، فمن غير المستغرب أن يرحب «نتنياهو»، وحكومته بالدور الذي سيقوده «دونالد ترامب»، وأعضاء الحزب الجمهوري في الحكومة الأمريكية القادمة، ابتداءً من يناير2025، حيث مثّل فوزه في الانتخابات الرئاسية، إلى جانب استحواذ الحزب الجمهوري على أغلبية مجلس الشيوخ، وتفوقه العددي في مجلس النواب، «ديناميكية تشريعية»، مهمة يمكن أن توفر لإسرائيل دعمًا سياسيًا، واقتصاديًا، وعسكريًا أكبر لحروبها واعتداءاتها بجميع أنحاء الشرق الأوسط، في مقابل ضغوط أقل من «واشنطن»، للحد من الخسائر المدنية، وتقويض الاستقرار الإقليمي.
ووفقًا لتقييم «ستيفن والت»، من «جامعة هارفارد»، فإن إخفاقات «جو بايدن»، و«كامالا هاريس»، في إنهاء الحرب في غزة، ومحاسبة إسرائيل على ما تسببت فيه من مآسٍ إنسانية؛ كانت لها تأثيرات واضحة في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأدى ذلك إلى ابتعاد الناخبين عن الحزب الديمقراطي. ومع ذلك، حذر من التفاؤل بتحسن الوضع مع قدوم «ترامب»، مشيرًا إلى أنه قدم لنتنياهو «كل ما يريده» خلال ولايته الأولى. ومن المتوقع أن يواصل تقديم الدعم الكامل له، ويمنحه «الضوء الأخضر»، لاستمرار عمليات التوسع، والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الطرد أو الاستئصال المحتمل للفلسطينيين من المناطق التي تسعى إسرائيل إلى ضمها.
ومع توقع العديد من المحللين، أن تؤدي عودة «ترامب»، للبيت الأبيض إلى تجدد التوترات العالمية، بما في ذلك تصعيد الحرب التجارية مع الصين، وزيادة الضغوط على أعضاء حلف شمال الأطلسي، لتعزيز إنفاقهم الدفاعي، واستئناف حملة «الضغط الأقصى» على إيران؛ فإنه من المرجح أن يعزز الدعم الأمريكي العلني لإسرائيل، دون النظر إلى تداعياته على القانون الدولي الإنساني. وخلال فترته السابقة بين 2017 و2021، تفاخر بأنه «دافع عن إسرائيل كما لم يفعل أي رئيس من قبله»، كما اتخذ قرارات غير مسبوقة، مثل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واعترافه بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل من سوريا عام 1967، مما أثار انتقادات واسعة، نظرا لكونه خرقًا لمواقف دولية ثابتة تجاه هذه القضايا.
ومع اتخاذه سلسلة من الخطوات، التي ساهمت في دعم إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، مثل «إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية» في واشنطن، و«خفض مستوى البعثة الدبلوماسية» في فلسطين، بدمجها مع السفارة الأمريكية في إسرائيل، وإعلانه أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، لا تخالف القانون الدولي في موقف غير مسبوق؛ بدا واضحًا أن هذه القرارات تهدف إلى تقويض الجهود الدبلوماسية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ونظرًا لهذا السجل المؤيد بشدة لإسرائيل، فليس من المستغرب إعراب 67% من الإسرائيليين ممن استُطلعت آراؤهم عن سعادتهم بإعادة انتخابه مرة أخرى.
وفي هذا السياق، أشار «بول داير»، من «مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية»، إلى أن «الصفقات» التي ستُعقد مع «إدارة ترامب»، خلال فترة ولايته الجديدة، ستتيح لإسرائيل «تأثيرًا كبيرًا في أجندة الرئيس المنتخب، خاصة فيما يتعلق بطموحاته السياسية في المنطقة». وينطبق هذا بشكل خاص على أي مسعى دبلوماسي تقوده الولايات المتحدة لإنهاء الحروب في غزة، ولبنان. وعلى الرغم من تصريحاته المتكررة، بشأن نيته إنهاء هذه الحروب، بما في ذلك أمام القيادات الإسرائيلية والفلسطينية، فقد أوضحت «كيلي آبلز»، و«فرانسيس فينال»، في صحيفة «واشنطن بوست»، بأنه «لم يقدم خطة واضحة لكيفية تحقيق ذلك».
ووصف «روبرت بيشيل»، من «مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية»، نهجه في التعامل مع القضايا الإقليمية، بأنه «شخصي للغاية ومُرتجل»، مشيرًا إلى أنه يولي ثقة عمياء -وغير مبررة إلى حد كبير – في قدرته على تحليل المواقف، واتخاذ القرارات، والتفاوض على الحلول، ولاحظ «والت»، أنه وحلفاءه في الحزب الجمهوري «لن يتأثروا بالخسائر المأساوية التي يواجهها الأبرياء في غزة، ولبنان، والضفة الغربية المحتلة»، مؤكدًا أن أولويتهم تكمن في إنهاء الحرب في غزة «بشروط إسرائيل». وأضاف «ستيفن كوك»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، أن هدفهم هو «الوصول إلى تسوية تحقق مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى».
من جانبها، أوضحت «لوسي ويليامسون»، من شبكة «بي بي سي»، أنه لا توجد «ضمانات»، بأن الرئيس الأمريكي القادم «سيمنح نتنياهو كل ما يريد»، فيما يتعلق باستمرار الحرب في غزة، والمستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية. ومع ذلك، يرى «كوك»، أنه من غير المرجح أن تمارس «واشنطن»، ضغطًا على إسرائيل لإنهاء الحرب، بل من المرجح أن تمنحها مزيدًا من «المرونة»، لإنهاء الصراع بما يصب في صالحها، ما يعني استمرار معاناة الفلسطينيين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن «إدارة بايدن»، قد قدمت أكثر من 22 مليار دولار من التمويل والشحنات العسكرية لإسرائيل منذ أكتوبر 2023. وأشار «كوك»، إلى أن «الكونجرس»، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، وإدارة ترامب المقبلة في البيت الأبيض، سيلغي أي حظر حالي على التحويلات العسكرية الأمريكية إلى إسرائيل، بما في ذلك القنابل شديدة الانفجار التي تم استخدامها في تدمير غزة. وبينما أظهرت استطلاعات شبكة «سي بي إس» في يونيو 2024، أن أكثر من 60% من الأمريكيين (منهم 40% من الجمهوريين)، يرون أنه لا ينبغي للولايات المتحدة إرسال مزيد من الأسلحة إلى إسرائيل، فإن أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب، جددوا «دعمهم الثابت لإسرائيل»، وأكدوا أنهم سيواصلون الموافقة على نقل الأسلحة، طالما استمرت الحرب.
وعلى الرغم من أن «إدارة بايدن»، تعرضت لانتقادات بسبب تورطها في تدمير إسرائيل المنهجي لقطاع غزة والتسبب في معاناة ملايين المدنيين الفلسطينيين، وعرقلة سبل عيشهم؛ فإن غياب أي اهتمام إنساني حتى من قبل «إدارة ترامب»، المستقبلية؛ يظهر بوضوح من خلال تصريحات مرشحيها وقادتها المحتملين. وعلى سبيل المثال، في مكالمة هاتفية في أكتوبر 2024 بين مرشح الرئاسة –آنذاك– ونتنياهو، أكد «ترامب»، دعمه لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بأن «يفعل ما يجب عليه فعله»، فيما يتعلق بالحروب في غزة، ولبنان، دون قلق من ردود الفعل من «واشنطن». كما نقل السناتور الجمهوري «ليندسي جراهام»، الذي كان حاضرًا في المكالمة، أن ترامب «أُعجب» بالهجوم الإسرائيلي على «حزب الله» في سبتمبر، و«أعرب عن إعجابه بعملياتهم العسكرية، وما قاموا به».
وهناك عنصر آخر يجب الإشارة إليه، وهو أن عودة «ترامب»، إلى البيت الأبيض؛ ستعزز مسعى «نتنياهو»، للبقاء في السلطة. وأشار «جيسون بيرك»، في صحيفة «الجارديان»، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بعد أن مر بعاصفة من الانتقادات الشعبية؛ بسبب الإخفاقات الاستخباراتية، التي أدت إلى هجوم حماس المفاجئ في 7 أكتوبر2023، وتجاهل الإدانة الدولية لتدمير غزة، وأخيرًا إقالة «جالانت»، من مجلس الحرب، وإبعاد صوت معارض رئيسي لخططه طويلة الأمد للفلسطينيين؛ فإن «هذه المواقف المعززة حديثًا»، قد لا تُقارن مع ما قد يقدمه «ترامب»، وهو مؤيد أقوى لإسرائيل من بايدن؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تكثيف إسرائيل قصفها للبنان، وإطالة أمد تدمير غزة، وزيادة تفاقم الكارثة الإنسانية هناك.
ويعد وصول «ترامب»، إلى الرئاسة، مع سيطرة الحزب الجمهوري على الكونجرس؛ بمثابة النتيجة المثالية للتحالف اليميني المتطرف في إسرائيل بعد انتخابات 5 نوفمبر 2024. ومع مرور «بايدن»، بفترة من الضعف السياسي، يبدو أن ما تبقى من تأثيره على السياسة الإسرائيلية قد تلاشى. فإسرائيل، كما يعتقد مؤيدو الحرب فيها من السياسيين والعسكريين، يعرفون أن إدارة أمريكية جديدة ستتولى السلطة في غضون ثلاثة أشهر، وهو ما يعني أنه سيتم إزالة أي تظاهر بالمعارضة تجاه انتهاكات حقوق الإنسان، وخرق القوانين الدولية التي تحدث حاليًا.
وفي تقييم «والت»، فإن سمعة «ترامب»، كرجل أعمال، قد تجعل البعض يظن أنه «صانع سلام عظيم»، يسعى إلى إبرام «صفقة كبيرة»؛ إلا أن الحقيقة هي أنه، «نظرًا لافتقاره للصبر، أو القدرة على إجراء مفاوضات حقيقية»، فإن أي محاولة دبلوماسية تقودها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في مسار لا يدعم إسرائيل، ستكون في النهاية «غير مجدية».
وأشار «كوك»، إلى أنه إذا سُمح لإسرائيل بإنهاء حروبها بالطريقة التي تراها مناسبة، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من الضحايا الفلسطينيين، مضيفا أن حلفاء «نتنياهو»، الذين يسعون لدعم من واشنطن لتحقيق أهدافهم قد لا يكتفون بذلك، بل قد تشمل خططهم عمليات تهجير قسرية لملايين الفلسطينيين، في حال توفرت لهم التغطية الدولية.
وفي مثل هذه الحالة، فإن الاستقبال الذي لقيه «نتنياهو»، في وقت سابق من هذا العام في «واشنطن»، والتصريحات التي أدلى بها السياسيون الجمهوريون، دعما لإسرائيل في حربها وفق شروطها، يشير إلى قبول كبير لهذه السياسة، وإمكانية دعمها بشكل غير مشروط.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك