العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

رؤية نحو تحديث وثيقة الزواج وقانون الأسرة

بقلم: نبيلة رجب

الخميس ١٤ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

تعد‭ ‬الأسرة‭ ‬البحرينية‭ ‬الدعامة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تنبض‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬حياة‭ ‬المجتمع‭ ‬واستقراره؛‭ ‬فهي‭ ‬تمثل‭ ‬الصلة‭ ‬الوثيقة‭ ‬التي‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬التماسك‭ ‬والتلاحم‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ومع‭ ‬ما‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬متسارعة،‭ ‬يصبح‭ ‬تحديث‭ ‬التشريعات‭ ‬الأسرية‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة،‭ ‬لضمان‭ ‬حفظ‭ ‬حقوق‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬وتعزيز‭ ‬الحماية‭ ‬القانونية‭ ‬لهم‭. ‬إن‭ ‬إنشاء‭ ‬وثيقة‭ ‬عقد‭ ‬زواج‭ ‬شاملة‭ ‬وتحديث‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكونا‭ ‬بمثابة‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬يدعم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري‭ ‬ويؤمن‭ ‬مستقبلا‭ ‬أكثر‭ ‬ازدهارًا‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

رغم‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭ ‬البحريني‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬قد‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬إطار‭ ‬قانوني‭ ‬مهم‭ ‬لتنظيم‭ ‬شؤون‭ ‬الأسرة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التغيرات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المستمرة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تحديث‭ ‬بعض‭ ‬مواده‭. ‬فالتحديات‭ ‬الحديثة‭ ‬تتطلب‭ ‬تشريعات‭ ‬مرنة،‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬العائلية‭ ‬وتنسجم‭ ‬مع‭ ‬التحولات‭ ‬العصرية‭. ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬يستعرض‭ ‬قصصا‭ ‬واقعية‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬تحسين‭ ‬الأنظمة‭ ‬القانونية‭ ‬وتتيح‭ ‬لنا‭ ‬فهم‭ ‬احتياجاتنا‭ ‬الأسرية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المتغيرات،‭ ‬ما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬بلورة‭ ‬معالجات‭ ‬قانونية‭ ‬منصفة‭.‬

لنبدأ‭ ‬بقصة‭ ‬أمل،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬شريكة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أسرتها‭. ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬زواجها،‭ ‬كانت‭ ‬تتقاسم‭ ‬المسؤوليات‭ ‬المادية‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭. ‬ساهمت‭ ‬بمالها‭ ‬وجهدها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المنزل‭ ‬الزوجي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يحتضن‭ ‬حياتهما‭ ‬المشتركة‭. ‬ومع‭ ‬تصاعد‭ ‬الخلافات‭ ‬الزوجية،‭ ‬انتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بالطلاق‭.‬

‭ ‬أمل،‭ ‬التي‭ ‬كرست‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬حياتها‭ ‬ومقدراتها‭ ‬لبناء‭ ‬هذا‭ ‬المنزل،‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬خارجة‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬دون‭ ‬استرجاع‭ ‬حصتها‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬تعويض‭. ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬تسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬تشريعات‭ ‬تحمي‭ ‬حقوق‭ ‬كلا‭ ‬الزوجين‭ ‬عند‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الأصول‭ ‬المشتركة‭ ‬أي‭ ‬الممتلكات‭ ‬والأموال‭ ‬التي‭ ‬يشترك‭ ‬فيها‭ ‬الزوجان‭.‬

كذلك،‭ ‬قصة‭ ‬زهراء،‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬حياة‭ ‬زوجية‭ ‬مستقرة‭ ‬حتى‭ ‬قرر‭ ‬زوجها‭ ‬الاقتران‭ ‬بامرأة‭ ‬ثانية‭. ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬الكافي‭ ‬عليها،‭ ‬بل‭ ‬وأسكن‭ ‬الزوجة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المنزل‭. ‬ما‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬حياتها‭.‬

‭ ‬قصتها‭ ‬تعكس‭ ‬أهمية‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الزواج‭ ‬المتعدد،‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬تعرضها‭ ‬للأذى‭ ‬النفسي‭ ‬أو‭ ‬المادي‭.‬

أما‭ ‬سكينة،‭ ‬فقد‭ ‬عانت‭ ‬طويلا‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬زوجية‭ ‬صعبة‭ ‬مع‭ ‬زوج‭ ‬مدمن‭ ‬للكحول،‭ ‬تعرضت‭ ‬خلالها‭ ‬للعنف‭ ‬الجسدي‭. ‬وعندما‭ ‬تقدمت‭ ‬بطلب‭ ‬الخلع،‭ ‬واجهت‭ ‬مطالب‭ ‬مالية‭ ‬تعجيزية‭ ‬من‭ ‬زوجها‭ ‬للموافقة‭ ‬على‭ ‬الخلع،‭ ‬قصتها‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تشريعات‭ ‬تضمن‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬طلب‭ ‬الخلع‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتعرض‭ ‬للابتزاز‭ ‬أو‭ ‬لضغوط‭ ‬مالية‭.‬

وتأتي‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬كأحد‭ ‬سبل‭ ‬توطيد‭ ‬أطر‭ ‬العدالة‭ ‬والإنصاف‭ ‬في‭ ‬الأسرة،‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬مبادئنا‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬تحث‭ ‬على‭ ‬حفظ‭ ‬الحقوق‭ ‬وتوفير‭ ‬السكينة‭ ‬لجميع‭ ‬أفرادها‭ ‬مستندة‭ ‬إلى‭ ‬مفاهيم‭ ‬الشراكة‭ ‬والرحمة،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬جوهر‭ ‬تعاليم‭ ‬ومبادئ‭ ‬ديننا‭ ‬الحنيف‭.‬

توضح‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬الواقعية‭ ‬أهمية‭ ‬وجود‭ ‬وثيقة‭ ‬زواج‭ ‬شاملة‭ ‬وتطوير‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭ ‬ليواكب‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الحديثة‭. ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تعكس‭ ‬الوثيقة‭ ‬مفهوم‭ ‬الشراكة‭ ‬وتحدد‭ ‬بوضوح‭ ‬إدارة‭ ‬الأصول‭ ‬المشتركة،‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬المتعدد،‭ ‬ومسائل‭ ‬الحضانة‭ ‬والنفقة،‭ ‬كي‭ ‬تصان‭ ‬حقوق‭ ‬الجميع‭.‬

يتطلب‭ ‬تطوير‭ ‬التشريعات‭ ‬الأسرية‭ ‬تعاونا‭ ‬مشتركا‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية،‭ ‬يلعب‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة‭ ‬دورًا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬مكانة‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬وحماية‭ ‬حقوقها‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬يقوم‭ ‬الاتحاد‭ ‬النسائي‭ ‬البحريني‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬بجهود‭ ‬حثيثة‭ ‬لدعم‭ ‬الحوار‭ ‬المجتمعي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنظيم‭ ‬الندوات‭ ‬وورش‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬حقوق‭ ‬وواجبات‭ ‬الأسرة،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬تحديث‭ ‬التشريعات‭ ‬بما‭ ‬يلبي‭ ‬تطلعات‭ ‬المجتمع‭ ‬واحتياجاته‭ ‬المتجددة‭. ‬

كذلك‭ ‬فإنه‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الجيدة‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬إشراك‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬القانون‭ ‬والشريعة‭ ‬وعلم‭ ‬الاجتماع‭ ‬للعمل‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الجهات،‭ ‬لضمان‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬التشريعات‭ ‬متوازنة‭ ‬وتعكس‭ ‬نبض‭ ‬الأسرة،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬استقرارها‭ ‬واستدامتها‭. ‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬متطلبات‭ ‬قانونية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تدابير‭ ‬جوهرية‭ ‬لتعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬التجارب‭ ‬الدولية‭ ‬الناجحة‭ ‬مثل‭ ‬تجربة‭ ‬تونس‭ ‬والمغرب‭ ‬وتركيا،‭ ‬نستطيع‭ ‬استخلاص‭ ‬دروس‭ ‬مهمة‭ ‬لتحديث‭ ‬نظم‭ ‬قوانين‭ ‬الأسرة‭. ‬ففي‭ ‬تونس،‭ ‬تم‭ ‬اعتماد‭ ‬قانون‭ ‬أسرة‭ ‬حديث‭ ‬يضمن‭ ‬للمرأة‭ ‬حقوقها‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬الزواج،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬التملك‭ ‬وحماية‭ ‬حقوقها‭ ‬المالية‭ ‬بعد‭ ‬الطلاق،‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬وضع‭ ‬المرأة‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬فقد‭ ‬شهد‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭ ‬إصلاحات‭ ‬مهمة‭ ‬تضمنت‭ ‬تحديد‭ ‬حقوق‭ ‬الزوجين‭ ‬ومسؤولياتهم‭ ‬بوضوح،‭ ‬ما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬تقليل‭ ‬النزاعات‭ ‬الزوجية‭ ‬وتسهيل‭ ‬إجراءات‭ ‬الطلاق‭ ‬والحضانة‭ ‬بشكل‭ ‬يراعي‭ ‬مصلحة‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬خصوصا‭ ‬الأطفال‭.‬

وفي‭ ‬تركيا،‭ ‬تم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭ ‬بشكل‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬الشراكة‭ ‬المتساوية‭ ‬بين‭ ‬الزوجين،‭ ‬ووضع‭ ‬شروط‭ ‬بشأن‭ ‬الزواج‭ ‬المتعدد،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬تقدم‭ ‬نماذج‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬وثيقة‭ ‬الزواج‭ ‬وقانون‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬ازدهار‭ ‬الأسرة‭.‬

نحن‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬فرصة‭ ‬تاريخية‭ ‬لتبني‭ ‬إصلاحات‭ ‬جريئة‭ ‬تضمن‭ ‬غدًا‭ ‬مشرقا‭ ‬لأبنائنا‭. ‬هذه‭ ‬المساعي‭ ‬لن‭ ‬تحمي‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬حاضرها‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬ستمهد‭ ‬الطريق‭ ‬لمستقبل‭ ‬يسوده‭ ‬الأمان،‭ ‬النمو،‭ ‬والإنصاف‭ ‬للجيل‭ ‬القادم،‭ ‬وبما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬تطلعات‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬ازدهارا‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا