العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

التضليل الإعلامي والحرب النفسية

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

يُعرف‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‭ ‬بأنه‭ ‬المعلومات‭ ‬الكاذبة‭ ‬المقصودة،‭ ‬والتي‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬إعلامية‭ ‬بهدف‭ ‬إدخال‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬متاهات،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬التلاعب‭ ‬في‭ ‬الأفراد‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬سلوكياتهم‭ ‬وعقولهم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تكوين‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬الماكينة‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بذلك‭.‬

يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬فريد‭ ‬حاتم‭ ‬الشحف‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬الدعاية‭ ‬والتضليل‭ ‬الإعلامي‭): ‬‮«‬بدأ‭ ‬الاستخدام‭ ‬المنتظم‭ ‬للدعاية،‭ ‬في‭ ‬الأهداف‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬والسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬‭ ‬أي‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬مضت‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الطبقات‭ ‬والدول‮»‬،‭ ‬ويؤكد‭ ‬المؤرخ‭ ‬النمساوي‭ ‬شتورمينغير‭ ‬أن‭ ‬الدعاية‭ ‬السياسية‭ ‬المنظمة‭ ‬بمعناها‭ ‬المعاصر‭ ‬موجودة‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬3000‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬الدعاية‭ ‬السياسية‭).‬

ويواصل‭ ‬المؤلف‭ ‬ويقول‭: ‬‮«‬استخدمت‭ ‬الدعاية‭ ‬السياسية،‭ ‬كوسيلة‭ ‬للصراع‭ ‬الإيديولوجي،‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬بشكل‭ ‬واسع،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الحروب‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالصدامات‭ ‬الفكرية،‭ ‬حيث‭ ‬حاولت‭ ‬الطبقات‭ ‬المسيطرة‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬للتأثير‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وعلى‭ ‬سكان‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬لجذبهم‭ ‬وحشدهم‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‮»‬‭.‬

واليوم‭ ‬يُعد‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬وسائل‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والجماهير‭ ‬والأفراد،‭ ‬حيث‭ ‬تستخدم‭ ‬لتسويق‭ ‬الأفكار‭ ‬والتوجهات‭ ‬وربما‭ ‬الترويج‭ ‬للأنظمة‭ ‬والأفراد،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الفكرة‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬القاعدة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬وإقناعها‭ ‬بأفكار‭ ‬معينة‭ ‬وربما‭ ‬برؤية‭ ‬محددة‭ ‬وجديدة‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬بصورة‭ ‬عشوائية‭ ‬وإنما‭ ‬عبر‭ ‬ماكينة‭ ‬إعلامية‭ ‬منظمة‭ ‬ومنتظمة،‭ ‬ذات‭ ‬خطة‭ ‬طويلة‭ ‬المدى،‭ ‬وآليات‭ ‬عمل‭ ‬لا‭ ‬تمل‭ ‬ولا‭ ‬تكل،‭ ‬وتسير‭ ‬وفق‭ ‬منهجية‭ ‬محددة‭ ‬لدى‭ ‬العاملين،‭ ‬وربما‭ ‬تسير‭ ‬ببطء‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬رؤية‭ ‬وأهداف‭ ‬واضحة‭ ‬تتمحور‭ ‬حوله‭ ‬برنامج‭ ‬العمل‭ ‬كله،‭ ‬لذلك‭ ‬فإنها‭ ‬تصل‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الجماهير‭ ‬فطنة‭ ‬لتدرك‭ ‬أنه‭ ‬يتم‭ ‬التلاعب‭ ‬فيها‭.‬

وأثناء‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ (‬2023‭ ‬‭ ‬2024‭) ‬حاولت‭ ‬ماكينة‭ ‬إعلام‭ ‬الكيان‭ ‬المحتل‭ ‬والإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬أن‭ ‬تروج‭ ‬لمفهوم‭ (‬الجيش‭ ‬الأكثر‭ ‬أخلاقية‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تحاول‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬أن‭ ‬تنزع‭ ‬الصفة‭ ‬الإنسانية‭ ‬عن‭ ‬الضحايا،‭ ‬وتبرر‭ ‬العنف‭ ‬والقتل‭ ‬الجماعي،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تبث‭ ‬الشكوك‭ ‬بهدف‭ ‬تكميم‭ ‬الدعوات‭ ‬المنادية‭ ‬بالتدخل‭ ‬ووقف‭ ‬القتال‭.‬

تقول‭ ‬دراسة‭ ‬بعنوان‭ (‬ماكينة‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‭) ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2024‭: ‬إنه‭ ‬حتى‭ ‬تاريخه‭ ‬قتلت‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬وقد‭ ‬استُهدفت‭ ‬المستشفيات‭ ‬والمدارس‭ ‬والمدنيون‭ ‬الفارون‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭. ‬لا‭ ‬يتميز‭ ‬العدوان‭ ‬بحجم‭ ‬عنفه‭ ‬الممارس‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬بالتدفق‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬للمعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬المنشورة‭ ‬لتبرير‭ ‬العدوان‭.‬

تواصل‭ ‬الدراسة‭ ‬وتقول‭: ‬إن‭ ‬الدعاية‭ ‬والتضليل‭ ‬الإعلامي‭ ‬الذي‭ ‬تنتهجه‭ ‬الحكومة‭ ‬والمصادر‭ ‬العسكرية‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬تكتسب‭ ‬الشرعية‭ ‬والدعم‭ ‬بفضل‭ ‬شبكة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬ومحللي‭ ‬استخبارات‭ ‬المصادر‭ ‬المفتوحة‭ ‬الذين‭ ‬يتجاهلون‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬موضوعية‭ ‬ودقة‭ ‬تحليلية‭ ‬في‭ ‬تغطيتهم‭.‬

وتشير‭ ‬دراسة‭ ‬أخرى‭ ‬للكاتب‭ ‬خضر‭ ‬حيدر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المصادر‭ ‬العسكرية‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي،‭ ‬ففي‭ ‬بريطانيا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬سيطروا‭ ‬على‭ ‬عشرات‭ ‬الصحف‭ ‬مثل‭ (‬التايمز‭)‬،‭ ‬و‭(‬الصنداي‭ ‬تايمز‭)‬،‭ ‬و‭(‬صن‭)‬،‭ ‬ومجلة‭ (‬سيتي‭ ‬ماغازين‭) ‬وغيرها،‭ ‬وتشير‭ ‬بعض‭ ‬الإحصائيات‭ ‬أن‭ ‬مجموع‭ ‬ما‭ ‬توزعه‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬صحيفة‭ ‬بريطانية‭ ‬واقعة‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬وخارجها‭ ‬يبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬33‭ ‬مليون‭ ‬نسخة‭. ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬تقذف‭ ‬المطابع‭ ‬يوميًا‭ ‬نحو‭ ‬1759‭ ‬صحيفة‭ ‬يتلقفها‭ ‬حوالي‭ ‬61‭ ‬مليون‭ ‬أمريكي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬668‭ ‬صحيفة‭ ‬أسبوعية‭ ‬تصدر‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭. ‬

وتقول‭ ‬الدراسة‭ ‬إن‭ ‬الاستحواذ‭ ‬الصهيوني‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة،‭ ‬بل‭ ‬تعداها‭ ‬إلى‭ ‬ميادين‭ ‬الفن‭ ‬والإعلان‭ ‬بصنوفه‭ ‬المختلفة،‭ ‬لذلك‭ ‬يشهد‭ ‬العالم‭ ‬وبالتحديد‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي‭ ‬سيطرة‭ ‬صهيونية‭ ‬تامة‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬السينما‭ ‬والتلفزيون‭ ‬والمسرح‭ ‬والثقافة،‭ ‬إذ‭ ‬تشير‭ ‬الإحصائيات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90%‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬السينمائي‭ ‬الأمريكي‭: ‬إنتاجًا‭ ‬وإخراجًا‭ ‬وتمثيلاً‭ ‬وتصويرًا‭ ‬ومونتاجًا،‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬اليهود،‭ ‬هذا‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬امتلاكهم‭ ‬شبكات‭ ‬التلفزيون‭ ‬الأمريكية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭.‬

في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الصهيوني‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬بزعامة‭ ‬تيودور‭ ‬هرتزل‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بازل‭ ‬بسويسرا‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬أغسطس‭ ‬1897،‭ ‬تمخضت‭ ‬آراء‭ ‬المجتمعين‭ ‬عن‭ ‬عدة‭ ‬قرارات‭ ‬خاصة‭ ‬بالإعلام‭ ‬أدرجت‭ ‬تحت‭ ‬البند‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬مقررات‭ ‬المؤتمر،‭ ‬وهي‭ ‬كالتالي‭:‬

1‭. ‬إن‭ ‬القنوات‭ (‬أي‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭) ‬التي‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬ترجمانًا‭ ‬له‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬خالصة‭ ‬في‭ ‬أيدينا‭.‬

2‭. ‬إن‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬النشر‭ ‬أو‭ ‬الطباعة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تحت‭ ‬سيطرتنا‭.‬

3‭. ‬الأدب‭ ‬والصحافة‭ ‬هما‭ ‬أعظم‭ ‬قوتين‭ ‬إعلاميتين‭ ‬وتعليميتين‭ ‬خطيرتين،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تكونا‭ ‬تحت‭ ‬سيطرتنا‭.‬

4‭. ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬لأعدائنا‭ ‬وسائل‭ ‬صحفية‭ ‬يعبرون‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬آرائهم،‭ ‬وإذا‭ ‬وجدت‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التضييق‭ ‬عليها‭ ‬بجميع‭ ‬الوسائل‭ ‬لكي‭ ‬نمنعها‭ ‬من‭ ‬مهاجمتنا‭.‬

5‭. ‬لن‭ ‬يصلَ‭ ‬طرَفٌ‭ ‬من‭ ‬خبر‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يمرَّ‭ ‬علينا؛‭ ‬فالأخبار‭ ‬تتسلمها‭ ‬وكالات‭ ‬قليلة‭ ‬تتركز‭ ‬فيها‭ ‬الأخبار‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬وحينما‭ ‬نسيطر‭ ‬عليها،‭ ‬لن‭ ‬تنشر‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬نختاره‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأخبار‭.‬

6‭. ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الصحافة‭ ‬الدورية‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬طوع‭ ‬بناننا،‭ ‬تُهيجُ‭ ‬عواطف‭ ‬الناس‭ ‬حين‭ ‬نريد،‭ ‬وتثير‭ ‬المجادلات‭ ‬الحزبية‭ ‬الأنانية‭ ‬التي‭ ‬تخدُمُ‭ ‬مصالحنا‭ ‬حين‭ ‬نريد،‭ ‬ونسيطر‭ ‬بواسطتها‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬الإنساني‭.‬

7‭. ‬ستكون‭ ‬لنا‭ ‬جرائد‭ (‬صحف‭) ‬شتى‭ ‬تؤيد‭ ‬الطوائف‭ ‬المختلفة،‭ ‬من‭ ‬أرستقراطية‭ ‬وجمهورية‭ ‬وثورية،‭ ‬بل‭ ‬وفوضوية‭ ‬أيضًا،‭ ‬وستكون‭ ‬هذه‭ ‬الجرائد‭ ‬مثل‭ ‬الإله‭ ‬الهندي‭ ‬فشنو،‭ ‬لها‭ ‬مئات‭ ‬الأيدي،‭ ‬وكل‭ ‬يد‭ ‬ستجُسُّ‭ ‬لنا‭ ‬نبض‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬المتقلِّب‭.‬

8‭. ‬سنصدر‭ ‬نشراتٍ‭ ‬تهاجمنا،‭ ‬وتعارضنا،‭ ‬ولكن‭ ‬بتوجيه‭ ‬اتهامات‭ ‬زائفة‭ ‬ضدنا،‭ ‬مما‭ ‬سيتيح‭ ‬لنا‭ ‬الفرصة‭ ‬لكي‭ ‬نقنع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعارضنا‭ ‬لا‭ ‬يملِكُ‭ ‬أساسًا‭ ‬حقيقيًّا‭ ‬لمناهضتنا،‭ ‬وإنما‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬الاتهامات‭ ‬الزائفة‭.‬

9‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬إثارة‭ ‬عقل‭ ‬الشعب‭ ‬عندما‭ ‬نريد،‭ ‬وتهدئته‭ ‬عندما‭ ‬نريد،‭ ‬وسنفعل‭ ‬ذلك‭ ‬بطبع‭ ‬أخبار‭ ‬صحيحة‭ ‬أو‭ ‬زائفة‭ ‬حسبما‭ ‬يوافق‭ ‬غرضنا،‭ ‬وسننشر‭ ‬الأخبار‭ ‬بطُرقنا‭ ‬الخاصة،‭ ‬بحيث‭ ‬يتقبلها‭ ‬الشعب‭ ‬ويصدقها،‭ ‬ولكننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نحتاط‭ ‬جيدًا‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬لجسِّ‭ ‬الأرض‭ ‬قبل‭ ‬السير‭ ‬عليها‭.‬

10‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نشجع‭ ‬ذوي‭ ‬السوابق‭ ‬الخُلقية‭ ‬على‭ ‬تولي‭ ‬المهام‭ ‬الصحفية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬المعارضة‭ ‬لنا،‭ ‬فإذا‭ ‬تبيَّن‭ ‬لنا‭ ‬ظهور‭ ‬أية‭ ‬علامات‭ ‬للعصيان‭ ‬من‭ ‬أيِّ‭ ‬واحد‭ ‬منهم،‭ ‬سارعنا‭ ‬فورًا‭ ‬إلى‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مخازيه‭ ‬الخُلقية‭ ‬التي‭ ‬نتستر‭ ‬عليها،‭ ‬وبذلك‭ ‬نقضي‭ ‬عليه،‭ ‬ونجعله‭ ‬عبرةً‭ ‬لغيره‭.‬

وهل‭ ‬يحق‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نسأل،‭ ‬هل‭ ‬نجحوا‭ ‬في‭ ‬ذلك؟

نعود‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ (‬ماكينة‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‭) ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2024‭ ‬والتي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭: ‬تنظر‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬إلى‭ ‬الساحة‭ ‬الإعلامية‭ ‬كجبهةٍ‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬لتبرير‭ ‬نظم‭ ‬القمع‭ ‬الدائمة‭ ‬للاحتلال‭ ‬والفصل‭ ‬العنصري‭. ‬وتتجسد‭ ‬نظرتها‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ (‬الهسبرة‭) ‬العبرية‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ (‬الشرح‭ ‬أو‭ ‬التوضيح‭) ‬باللغة‭ ‬العربية‭. ‬تقوم‭ ‬الهسبرة‭ ‬على مفاهيم‭ ‬سابقة‭ ‬متجذرة‮ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬الدعاية،‭ ‬والتحريض،‭ ‬والحرب‭ ‬الإعلامية‭ ‬الرسمية،‭ ‬وتهدف‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬معايير‭ ‬الخطاب‭ ‬المقبول‭. ‬وينطوي‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬جهد‭ ‬منسَّق‭ ‬بين‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬والمنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الوحدة‭ ‬الداخلية‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وتأمين‭ ‬الدعم‭ ‬من‭ ‬الحلفاء،‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تناول‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬المثقفين‭ ‬والمؤثرين‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭.‬

تواصل‭ ‬الدراسة‭ ‬وتقول‭: ‬دأبت‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬تنسيق‭ ‬جهود‭ ‬الهسبرة‭. ‬وبعد‭ ‬إغلاق‭ ‬الوزارة‭ ‬المعنية‭ ‬في‭ ‬2021،‮ ‬وافق‭ ‬مجلس‭ ‬وزراء‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬بقيمة‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬شيكل‮ ‬‭(‬30‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭) ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تكييف‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬مع‭ ‬الجمهور‭ ‬العالمي‭ ‬المتطور‭. ‬قامت‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة،‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬آنذاك‭ (‬يائير‭ ‬لابيد‭)‬،‭ ‬بتحويلات‭ ‬مالية‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬كيانات‭ ‬أجنبية،‭ ‬شملت‭ ‬مؤثرين‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ومنظمات‭ ‬معنية‭ ‬بمراقبة‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬كي‭ ‬تنشرَ‭ ‬الدعاية‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بينما‭ ‬تخفي‭ ‬علاقتها‭ ‬المباشرة‭ ‬بالحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬وهذه‭ ‬الجهود‭ ‬المتضافرة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إرساء‭ ‬مُرشِّحات‭ ‬معرفية‭ ‬تثبت‭ ‬صحة‭ ‬المصالح‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بموازاة‭ ‬تشويه‭ ‬الروايات‭ ‬المخالفة‭ ‬حول‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وعنفه‭ ‬الممنهج‭.‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬وفرة‭ ‬المعلومات‭ ‬المتاحة،‭ ‬لا‭ ‬يسعى‭ ‬مروجو‭ ‬الدعاية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعلومات‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬جمهور‭ ‬المتلقين‭ ‬نحو‭ ‬تفسيرات‭ ‬انتقائية‭. ‬وقد‭ ‬ظل‭ ‬هؤلاء‭ ‬المروِّجون،‮ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬75‭ ‬عامًا،‭ ‬يصورون‭ ‬إسرائيل‭ ‬كضحية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هيمنتها‭ ‬العسكرية‭ ‬ودورها‭ ‬كمحتل،‭ ‬وهم‭ ‬الآن‭ ‬يستخدمون‭ ‬الأساليب‭ ‬ذاتها‭ ‬لتبرير‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬وتهدف‭ ‬الدعاية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬إلى‭ ‬تبرير‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تبريره‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتهام‭ ‬المقاومة‭ ‬باستخدام‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬كدروع‭ ‬بشرية‭ ‬أو‭ ‬تصوير‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كتهديدات‭ ‬وجودية‭ ‬مرادفة‭ ‬للنازية‭ ‬وتنظيم‭ ‬داعش،‭ ‬أو‭ ‬بوصف‭ ‬ضحايا‭ ‬الغارات‭ ‬الجوية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬كممثلي‭ ‬أزمات‭.‬

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬ببساطة‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬تدرك‭ ‬تمام‭ ‬الإدراك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭ ‬المرتكبة‭ ‬والإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬إلا‭ ‬باستخدام‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الماكينة‭ ‬الإعلامية‭ ‬الضخمة‭ ‬المنتشرة‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬فالدعاية‭ ‬والتضليل‭ ‬الإعلامي‭ ‬سبيلها‭ ‬في‭ ‬تبرير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬بغريب،‭ ‬وإنما‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العربية‭ ‬وقعت‭ ‬ضحية‭ ‬أو‭ ‬أصبحت‭ ‬تروسا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الماكينة،‭ ‬تتحدث‭ ‬بلسانها‭ ‬وتنطق‭ ‬بمنطوقها‭.‬

ولكننا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬نسأل‭: ‬أين‭ ‬الإعلام‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الهيمنة؟‭!‬

 

zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا