العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تناقضات أمريكية

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الخميس ٣١ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

أستغربُ‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وأكثرها‭ ‬تقدماً‭ ‬وتطوراً‭ ‬وأرقاها‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬النواحي،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬بإمكاناتها‭ ‬المالية‭ ‬والعلمية‭ ‬والتقنية‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬أنابيب‭ ‬الرصاص‭ ‬البالية‭ ‬والسامة‭ ‬التي‭ ‬أكل‭ ‬عليها‭ ‬الدهر‭ ‬وشرب‭ ‬منذ‭ ‬قرن‭ ‬واحد،‭ ‬والتي‭ ‬مازالت‭ ‬قابعة‭ ‬وموجودة‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الولايات،‭ ‬مسببة‭ ‬بذلك‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬عامة‭ ‬للملايين‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬ومهددة‭ ‬لصحة‭ ‬الأطفال‭ ‬بالتسمم‭ ‬والخطر‭ ‬والمرض‭ ‬بصفةٍ‭ ‬خاصة‭!‬

فقد‭ ‬أجمع‭ ‬علماء‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬عقود‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬عنصر‭ ‬الرصاص‭ ‬سام‭ ‬ويسبب‭ ‬مشكلات‭ ‬وأمراض‭ ‬صحية‭ ‬كثيرة‭ ‬تنزل‭ ‬على‭ ‬الجهاز‭ ‬العصبي‭ ‬وتؤثر‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الذهنية‭ ‬والعقلية‭ ‬والجسدية،‭ ‬وبخاصة‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الرصاص‭ ‬لا‭ ‬يتحلل‭ ‬وله‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التراكم‭ ‬والتضخم‭ ‬في‭ ‬التركيز‭ ‬في‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسم‭ ‬المختلفة،‭ ‬ويؤدي‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬أزمات‭ ‬صحية‭ ‬مستعصية‭ ‬على‭ ‬العلاج،‭ ‬ولذلك‭ ‬قامت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬الاستهلاكية‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تمت‭ ‬إزالة‭ ‬الرصاص‭ ‬من‭ ‬وقود‭ ‬السيارات،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬الجازولين،‭ ‬كم‭ ‬تم‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬الدهان‭ ‬المستخدم‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬لصباغة‭ ‬الجدران،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬سعت‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬حظر‭ ‬استخدام‭ ‬أنابيب‭ ‬الرصاص‭ ‬التي‭ ‬تستعمل‭ ‬لنقل‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬إلى‭ ‬المنازل،‭ ‬وخاصة‭ ‬عندما‭ ‬اكتشف‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬الأنابيب‭ ‬تتآكل‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬ويتسرب‭ ‬منها‭ ‬الرصاص‭ ‬فينتقل‭ ‬إلى‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬والمدارس‭ ‬وغيرهما‭.‬

واستناداً‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬وإجماع‭ ‬العلماء،‭ ‬وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬عجاف‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬وتسمم‭ ‬دمه‭ ‬بالرصاص،‭ ‬ونزول‭ ‬عدة‭ ‬كوارث‭ ‬صحية‭ ‬كالتي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬فلينت‭ (‬Flint‭) ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬ديترويت‭ ‬عاصمة‭ ‬صناعة‭ ‬السيارات‭ ‬بولاية‭ ‬ميشيجن،‭ ‬سنَّ‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1986‭ ‬قانوناً‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬قانون‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬الآمنة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬مُنع‭ ‬وحظر‭ ‬استخدام‭ ‬أنابيب‭ ‬الرصاص‭ ‬لنقل‭ ‬وتوزيع‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬للناس،‭ ‬كما‭ ‬منع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬استعمال‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬اللحام‭ ‬للأنابيب‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التشريع‭ ‬الاتحادي‭ ‬من‭ ‬الكونجرس،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التنفيذ‭ ‬مازال‭ ‬بطيئاً‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬عاماً،‭ ‬فلم‭ ‬يحظ‭ ‬هذا‭ ‬التشريع‭ ‬بالأولوية،‭ ‬وكأنها‭ ‬قضية‭ ‬غير‭ ‬مستعجلة،‭ ‬وكأن‭ ‬صحة‭ ‬المواطن‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الأطفال،‭ ‬فلذات‭ ‬أكبادهم‭ ‬وأساس‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬غير‭ ‬مهمة‭ ‬وليست‭ ‬أولوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الحكومات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬من‭ ‬ديمقراطيين‭ ‬وجمهوريين،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تلق‭ ‬الاهتمام‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬السياسة‭ ‬والقانون‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬وفي‭ ‬الولايات‭ ‬المتضررة‭ ‬للإنفاق‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬إزالة‭ ‬الأنابيب‭ ‬القديمة‭ ‬البالية‭ ‬والمستهلكة‭ ‬من‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الولايات‭. ‬‮ ‬

فهناك‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬9‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬أنابيب‭ ‬الرصاص‭ ‬السامة‭ ‬لنقل‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬إلى‭ ‬منازل‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وهذه‭ ‬الأنابيب‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصنوعة‭ ‬كلياً‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬السام‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬حد‭ ‬آمن‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الشرب،‭ ‬أي‭ ‬إنه‭ ‬يؤذي‭ ‬الإنسان‭ ‬ويضر‭ ‬بالأطفال‭ ‬بأي‭ ‬تركيز‭ ‬كان‭ ‬عليه،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬تكوينها‭ ‬جزئياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬لحام‭ ‬الأنابيب‭ ‬مع‭ ‬بعض‭.‬

وقد‭ ‬لقيت‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬اهتماماً‭ ‬متأخراً‭ ‬جداً‭ ‬لا‭ ‬يغني‭ ‬ولا‭ ‬يسمن‭ ‬من‭ ‬جوع‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن،‭ ‬فجاء‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الضائع‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته‭ ‬بعدما‭ ‬أعلن‭ ‬عدم‭ ‬ترشحه‭ ‬لفترة‭ ‬رئاسية‭ ‬ثانية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الحدث‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬صفة‭ ‬الاستعجال،‭ ‬وهو‭ ‬تسمم‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭. ‬فقد‭ ‬تحرك‭ ‬بايدن‭ ‬واستيقظ‭ ‬بعد‭ ‬نوم‭ ‬عميق‭ ‬لأربع‭ ‬سنوات،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬أكتوبر‭ ‬2024‭ ‬وممثلاً‭ ‬في‭ ‬وكالة‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬لتُعلن‭ ‬إزالة‭ ‬أنابيب‭ ‬الرصاص‭ ‬خلال‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬كحد‭ ‬أعلى،‭ ‬أي‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2034،‭ ‬وإلزام‭ ‬شركات‭ ‬مصادر‭ ‬وتوزيع‭ ‬المياه‭ ‬على‭ ‬استبدال‭ ‬الأنابيب‭. ‬وهذه‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬تعد‭ ‬طويلة‭ ‬جداً‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬وخانقة‭ ‬ويتعرض‭ ‬لها‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬مازالت‭ ‬أعضاؤهم‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬النمو،‭ ‬فأي‭ ‬تعرض‭ ‬للملوثات‭ ‬والسموم‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬وفي‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسم‭ ‬وينعكس‭ ‬عليهم‭ ‬عقلياً‭ ‬ونفسياً،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬تراكم‭ ‬عنصر‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬الأطفال‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬السلوكيات‭ ‬نحو‭ ‬الأسوأ،‭ ‬ويميل‭ ‬الطفل‭ ‬نحو‭ ‬ارتكاب‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬والشغب‭ ‬فتصبح‭ ‬تصرفاته‭ ‬أكثر‭ ‬عدوانية‭.‬‮ ‬

وكل‭ ‬هذا‭ ‬التأخير‭ ‬في‭ ‬استبدال‭ ‬الأنابيب‭ ‬التالفة‭ ‬والبالية‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬رغبة‭ ‬الحكومات‭ ‬الأمريكية‭ ‬للإنفاق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الصحي‭ ‬الملح،‭ ‬وعدم‭ ‬إعطاء‭ ‬أولوية‭ ‬لصحة‭ ‬غالبية‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭. ‬وفي‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬أنابيب‭ ‬الرصاص‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬جاثمة‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬تربة‭ ‬الأرض‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬السكنية‭ ‬الصناعية‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬يسكنها‭ ‬الفقراء‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود،‭ ‬ومن‭ ‬طبقة‭ ‬العمال‭ ‬البسيطين‭ ‬غير‭ ‬المتعلمين‭ ‬والذين‭ ‬ليس‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم‭ ‬المدنية،‭ ‬وليس‭ ‬لهم‭ ‬المال‭ ‬لاستشارة‭ ‬رجال‭ ‬القانون‭ ‬للتعجيل‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأنابيب‭ ‬السامة‭.‬

وفي‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬أموال‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬تُنفق‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬مباشرة‭ ‬بالشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬76‭ ‬عاماً‭ ‬وهو‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬وبمبالغ‭ ‬كبيرة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬حسيب‭ ‬أو‭ ‬رقيب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الوجودية‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬الكيان‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭. ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬التقرير‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2024‭ ‬من‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬واتسن‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية‭ ‬والعامة‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬إنفاق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وتلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بعمليات‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬إلى‭ ‬30‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024‮»‬‭. ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬حقيقتين‭ ‬رئيستين،‭ ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ينال‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬وحصة‭ ‬الأسد‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬حيث‭ ‬يُقدر‭ ‬المبلغ‭ ‬الإجمالي‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬251‭.‬2‭ ‬بليون‭ ‬دولار‭. ‬وأما‭ ‬الحقيقة‭ ‬الثانية‭ ‬فهي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المساعدات‭ ‬ضربت‭ ‬رقماً‭ ‬قياسياً‭ ‬جديداً،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬مبلغ‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬22.76‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬منذ‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2024،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬كل‭ ‬يوم‭. ‬

فمثل‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬المطلق‭ ‬واللامحدود‭ ‬والمستمر‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬لينعم‭ ‬من‭ ‬خيرات‭ ‬وثروات‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬المهضوم‭ ‬والساذج،‭ ‬يبين‭ ‬أولوية‭ ‬الحكومات‭ ‬الأمريكية‭ ‬واهتمامات‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬رصد‭ ‬الميزانيات‭ ‬وتقديم‭ ‬المساعدات‭.‬

ومما‭ ‬سبق‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬الاستنتاجات‭ ‬التالية‭: ‬أولاً‭: ‬أولوية‭ ‬الحكومات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬والكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ليست‭ ‬رفاهية‭ ‬عامة‭ ‬الشعب‭ ‬وتحسين‭ ‬مستواه‭ ‬المعيشي‭ ‬وتحقيق‭ ‬سعادته،‭ ‬وإنما‭ ‬الأولوية‭ ‬هي‭ ‬الجانبين‭ ‬الأمني‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬ولذلك‭ ‬تنفق‭ ‬الأموال‭ ‬الباهظة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬هذين‭ ‬الجانبين،‭ ‬ولو‭ ‬استدعى‭ ‬ذلك‭ ‬خوض‭ ‬حروب‭ ‬بعيدة‭ ‬كلياً‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬أمريكا‭ ‬الجغرافية،‭ ‬وإنفاق‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحروب،‭ ‬والأمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬مثل‭ ‬فيتنام،‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬والعراق‭. ‬ثانياً‭: ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬أولوية‭ ‬عند‭ ‬الحكومات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فماذا‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى؟

ثالثاً‭ ‬وأخيراً‭ ‬فإن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬له‭ ‬الأولوية‭ ‬عند‭ ‬الحكومات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أمنه‭ ‬واستقراره‭ ‬واستمرارية‭ ‬وجوده،‭ ‬فالإحصاءات‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬أنفقت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬252‭ ‬بليون‭ ‬دولار،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تنفق‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬بليون‭ ‬دولار‭ ‬كلفة‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الأنابيب‭ ‬البالية‭ ‬وحماية‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬للشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية‭ ‬المتغلغلة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا