خلال هذه الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في بداية شهر نوفمبر 2024، نشهد ازديادا هائلا في إنفاق «المال المظلم» في حملة تضليل تهدف إلى إضعاف أصوات الناخبين الأمريكيين العرب في ولاية ميشيغان وأصوات اليهود الأمريكيين في ولاية بنسلفانيا، وهما من الولايات المتأرجحة التي ينتظر أن تحسم السباق إلى البيت الأبيض.
خلال الدورات الانتخابية الثلاث الماضية، رأينا «المال المظلم» يلعب دورًا متزايد الأهمية في الانتخابات الأمريكية، يُقصد بالأموال المظلمة تلك المبالغ الضخمة التي تنفقها المجموعات التي تعمل ظاهريا بشكل مستقل عن الحملات الرسمية التي هي غير ملزمة بالإبلاغ عن أموالها.
لقد شهدنا أيضًا حملات تضليل من قبل في سباق الانتخابات التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية، أي تلك الجهود المنظمة لاستخدام ادعاءات خادعة أو مضللة أو مبالغ فيها لتحقيق مكاسب سياسية.
بذلت مجموعة المال المظلم مثل هذا الجهد في عام 2020، عندما سعت إلى عرقلة الحملة الرئاسية للسناتور بيرني ساندرز، وذلك من خلال شراء إعلان تلفزيوني كبير يدعي أنه كبير في السن، على الرغم من حقيقة أن المرشح الذي كان يتنافس معه، كان في نفس عمره تقريبا، أو أنه كان متطرفًا للغاية بحيث لم يتمكن من الفوز (على الرغم من حقيقة أن ساندرز قد فاز بالفعل بمعظم الانتخابات التمهيدية في ذلك العام وأظهرت استطلاعات الرأي أنه يتفوق على المرشح الجمهوري المتوقع بهامش أكبر من أي من الديمقراطيين الآخرين).
ولعل ما جعل هذا الجهد غير صادق أكثر من أي شيء آخر هو أن المجموعة الراعية للإعلانات كانت من الأغلبية الديمقراطية المؤيدة لإسرائيل. لقد أرادوا إلحاق الهزيمة بساندرز لأنهم لم يثقوا في نهجه الأكثر توازنا في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط.
وبما أنهم كانوا يعلمون أن مثل هذه الذريعة لن تكون كافية للفوز بتأييد الناخبين الديمقراطيين، فإنهم لم يذكروا إسرائيل مطلقًا في إعلاناتهم، وهي حالة واضحة لاستخدام كل من المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة لتحقيق غاية سياسية.
وقد شجع نجاح هذا الجهد المزيد من مجموعات المال المظلم المؤيدة لإسرائيل على الانضمام إلى المعركة في عامي 2022 و2024، وإنفاق ما يزيد على 100 مليون دولار في أكثر من عشرة سباقات للكونغرس.
لقد روجت تلك المجموعات ادعاءات مضللة أو مبالغ فيها، ما أدى إلى التشكيك في السمات والجوانب الشخصية أو الصفات القيادية للمرشحين الذين عارضوهم، من دون أن يذكروا على الإطلاق أن هدفهم كان يتمثل في إلحاق الهزيمة بأولئك الذين اعتبروهم غير مؤيدين لإسرائيل بشكل كافٍ.
إن ما نشهده في هذه الانتخابات هو المزيد من المعلومات المضللة المتعلقة بالمال، ولكن مع تطور بارع وخادع. تنفق مجموعة مؤيدة لدونالد ترامب عشرات الملايين من الدولارات من أجل استهداف الناخبين الأمريكيين العرب واليهود الأمريكيين في ولايتين متأرجحتين، وهما ميشيغان وبنسلفانيا، برسائل متناقضة تهدف إلى ثنيهم عن التصويت للمرشحة الديمقراطية، نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس.
تشمل الجهود التي تبذلها هذه المجموعات رسائل البريد المباشر والإعلانات الرقمية على منصات التواصل الاجتماعي مثل: X (تويتر سابقًا)، ويوتيوب، وسناب شات، وإنستغرام، وفيسبوك.
يتلقى الناخبون الأمريكيون العرب في ميشيغان في الدوائر ذات الكثافة السكانية العالية يوميًا تقريبا، رسائل بريدية لامعة تحتوي على رسائل مثل: «كامالا هاريس ودوغ إيمهوف: دعم لا يتزعزع لإسرائيل» أو «كامالا هاريس ودوغ إيمهوف، الزوجان القويان المؤيدان لإسرائيل» أو «كامالا هاريس وإليسا سلوتكين (المرشحة الديمقراطية لمجلس الشيوخ في ميشيغان): الفريق الثابت الذي يمكننا الوثوق به للدفاع عن المجتمع اليهودي». أما رسائل الفيديو التي تم بثها على مواقع التواصل الاجتماعي فقد تضمنت أشياء مثل «كامالا هاريس تقف مع إسرائيل».
وفي الوقت نفسه، وفي عدة مناطق ولاية بنسلفانيا حيث توجد تجمعات كبيرة من الناخبين اليهود، تتلقى المنازل رسائل مثل: «كامالا هاريس ستشجع معاداة السامية» أو«دونالد ترامب يقف دائمًا إلى جانب الشعب اليهودي».
واستهدفت رسائل فيديو على منصات التواصل الاجتماعي الناخبين من القول بأن «كامالا هاريس لن تسكت عن المعاناة الإنسانية في غزة» أو «كامالا هاريس ذات الوجهين: الوقوف مع فلسطين وليس حليفتنا إسرائيل».
يتم دفع ثمن هذه الرسائل البريدية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي من قبل مجموعة المال المظلم، Future Coalition PAC. وقد حدد الباحثون أن أحد المانحين الرئيسيين لهذه المجموعة هو إيلون ماسك، المالك الرئيسي لشركة X والداعم القوي لحملة دونالد ترامب الرئاسية.
من المهم ملاحظة أن مقاطع الفيديو المستخدمة في هذه الإعلانات تحتوي على خطابات هاريس التي تدلي فيها، في الواقع، بتصريحات داعمة جدًا لإسرائيل وغيرها تعرب فيها عن تعاطفها مع الفلسطينيين الذين يعانون في غزة أو حق الطلاب في الجامعات في الاحتجاج ضد أي مظاهر ظلم.
إن ما يجعل هذا التضليل كلاسيكيا هو الاستخدام الانتقائي لهذه الاقتباسات والطريقة التي يتم استخدامها لتقديم ادعاءات مبالغ فيها في محاولة لتضليل المجموعات المستهدفة من الناخبين، وتثبيط عزائم أي داعمين للمرشح الديمقراطي.
وإذا نظرنا إلى الأمر بطريقة أخرى، فإنه يمكننا أن نسأل ونتساءل: «ما تأثير هذه الإعلانات إذا تم عكسها، مع استهداف الناخبين العرب الأمريكيين بالإعلانات المؤيدة للفلسطينيين واستهداف الناخبين اليهود الأمريكيين بالإعلانات المؤيدة لإسرائيل؟».
لطالما كانت المعلومات المضللة مشكلة في الانتخابات الأمريكية. والآن، وفي ظل تزايد حجم الإنفاق الهائل من جانب الجماعات المظلمة وقدرتها على استخدام الاستهداف الجزئي المتقدم لتحديد وخداع مجموعات محددة من الناخبين باستخدام سلوكها على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن ما كان يمثل مشكلة أصبح الآن يمثل أزمة حقيقية متكاملة الأركان.
أتذكر أنه في مناسبتين منفصلتين خلال العامين الماضيين، حاولت مجموعة من أعضاء اللجنة الوطنية الديمقراطية إقناع الحزب بضرورة حظر استخدام الأموال المظلمة في الانتخابات التمهيدية.
لقد حذرنا من أن السماح للمانحين الجمهوريين من أصحاب المليارات بتشويه انتخاباتنا بمعلومات مضللة ومغلوطة يمثل تهديدًا لديمقراطيتنا. وفي المرتين أجهضت قيادة الحزب الديمقراطي جهودنا للتصويت على قرارنا.
لم نكن نعلم أنه بعد عام واحد فقط، فإن جهود التضليل المالي القاتمة للغاية، التي يمولها المانحون الجمهوريون، والتي حذرنا منها، يمكن أن تسهم بشكل كبير في قلب حملة المرشح الديمقراطي لمنصب الرئيس.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك