وفقًا لمنظمة اليونسكو في إعلان تبليسي 1978م، «فإن التربية البيئية هي عملية تعلم تهدف إلى زيادة معرفة الناس ووعيهم حول البيئة والتحديات المرتبطة بها وتسهم في تطوير المهارات والخبرات اللازمة لمواجهة التحديات وتعزز المواقف والدوافع والالتزامات على اتخاذ قرارات مستنيرة واتخاذ إجراءات مسؤولة، وتعزيز التربية البيئية وترسيخها وتكييفها لغاية تحقيق التنمية المستدامة وأهمية زيادة الوعي العام وتمكين الثقافة البيئية من أجل المحافظة على أمن الحياة واستدامة مواردها، وإعادة تكييف التربية البيئية بروح جديدة، وتوجيه التّعليم نحو التنمية المستدامة، وتطوير البرامج التدريسية وتنشيطها، وزيادة الوعي العام في مختلف الفئات الاجتماعي».
نلاحظ جميعًا أن هناك اهتماما واضحا ومتزايدا في الوقت الحاضر في العالم بشكل عام وفي مملكة البحرين بشكل خاص حول ما يتعلق بالبيئة وأهداف التنمية المستدامة التي تنادي بضرورة العمل على تلبية الحاجات البشرية الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية دون المساس بسلامة الموارد البيئية أو ما يطلق عليها حديثًا (البصمة البيئية) التي عدّت مؤشرًا لقياس تأثير أي منطقة على وجه الأرض وأنظمتها الطبيعية ومدى قدرة الأرض على تجديد الموارد الطبيعية مستقبًلا، ليستفيد منها أجيال الحاضر والمستقبل معًا، وتعدُ من الموضوعات المستجدة ذات الصلة الوثيقة بالعلوم الطبيعية والاجتماعية التي تركز على الصورة التكاملية تجاه محيطنا الذي نعيش فيه ونتأثر بالمشكلات البيئية المهددة لجودة حياتنا.
إن الضغوطات المتزايدة على الموارد البيئية كان لها الدور الكبير في ظهور عدة مشكلات بيئية واقعية لها أثُر ملموسٍ، ساهمت في تراجع صحة البيئة وسلامتها؛ لذا فقد برزت الحاجة الملحة إلى وضع استراتيجيات التربية البيئية المبنية وفق رؤى تربوية مدروسة؛ وذلك بهدف السعي للتوازن بين أبعاد التنمية المستدامة واستدامة الموارد الطبيعية والاقتصادية واكتساب الفرد المعارف والمهارات الأساسية التي يمكن توظيفها لتحقيق الرخاء الاقتصادي والثقافي والإنساني في وطنه، وأساسًا فإن البيئة لها دور كبير في تلبية متطلبات الفرد باعتباره المكون الأساسي فيها والمستفيد من صحتها وسلامتها ؛ لذا لابد أن يعي ويفهم حقيقة البيئة وأنظمتها المتكاملة التي لا يمكن فصلها وتجزئتها من حيث النظام الشامل والمتكامل بين جميع المكونات سواء الثقافية والطبيعية والاقتصادية والاجتماعية على حد سواه، وحتى يتمكن الفرد من إدراك هذه الحقيقة منذ نشأته الأولى، فإنه يحتاج إلى المزيد من التوعية والتثقيف وبرمجة العقل الداخلي بضرورة اعتبار البيئة جزءًا مهما كالقلب النابض في أجسامنا، وبذلك تتغير أفكاره وتوجهاته والنهج الذي يسير عليه، ويتبعه الترجمة السلوكية في التعامل مع مقدرات الطبيعة والإحساس بالانتماء لكل قطرة ماء وذرة تراب ونسمة هواء، مكتسبًا بذلك أسس ومبادئ التربية البيئية الفاعلة.
تُعد التربية البيئية أسرع السبل للمحافظة على البيئة وصيانتها، لذا فقد لجأت كثير من الدول ومن ضمنها مملكة البحرين إلى دمج التعليم البيئي تدريجيًا وتثقيف الأجيال وتوعيتهم للقضايا المؤثرة بالبيئة لتصل إلى أبنائنا بشكل صحيح ومستدام، وانطلاقًا من تفعيل المشاركة المجتمعية قدر الإمكان، بهدف الوصول إلى التعاون المنتج مع الجهات الرسمية التي شرعت وأقرت العديد من القوانين والتشريعات لحماية البيئة وصيانتها، والأجمل حين نستمع إلى أجدادنا وهم يتحدثون عن مسيرة حياتهم قديمًا وكيفية استعدادهم لمواسم الزرع والصيد والغوص بكل فرح وسرور في بيئة شعروا معها بالانتماء والأمن؛ لذا فالواجب علينا أن نعمل على إحياء شعور وانتماء الأجداد تجاه بيئتنا وتوريثها لأجيالنا ليشعروا أن مجتمعهم وبيئتهم وما يوجد فيها مثل بيوتهم الذي يسكنون فيها، ليحافظوا على مواردها ويتحفزوا لاحترامها والبحث عن أنماط حياتية أفضل تقلل من كلفة تلوث للبيئة، حتى ينمو لديهم الحب الكبير تجاه أرض الوطن الأم وتقوية هذا الإحساس تماشيًا مع التسارع الكبير في وتيرة التطورات الاقتصادية والاجتماعية في العالم. لقد تبلورت فكرة التربية البيئية إلى حد كبير لدى كثير من المجتمعات التي اجتهدت لوضع تصوّر واضح لتخفيف حدة التهديدات البيئية الراهنة والمستقبلية، وإبراز دور التربية والوعي البيئي للمساهمة في إيجاد حلول جذرية لمواجهتها، وذلك عن طريق ترجمتها ودمجها في جميع قنوات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بتنشئة الأجيال، وذلك لتحقيق الأهداف المرسومة للتربية البيئية وتناولها بالبحث والتحليل من كل الجوانب، مع أهمية الأخذ بالأفكار الخًلاقة والإنتاجات الإبداعية المناسبة والواقعية القابلة للقياس والتحقيق، والتي تخدم أهداف التربية البيئية في مجتمعنا حيثُ يمكننا تحويلها لممارسات حقيقة مرسومة على أرض الواقع لترسخِ بذلك الأسس السليمة للتعامل مع البيئة في نفوس أجيالنا تتحول إلى سلوك مستدام نابع من مسؤوليتهم الذاتية تجاه بيئتهم.
تعد التربية البيئية جزءًا أساسيًا من استراتيجية التنمية المستدامة في المملكة؛ لذا فإن حلقة الوصل بين الأفراد والمجتمع هي عمليات التعليم بجميع أنماطها خاصة التعليم النظامي، والمتمثل في الرؤية الاستراتيجية التعليمية للمملكة، الذي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم حيثً تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الوعي البيئي لدى الأجيال الناشئة، باعتبار التعليم أداة أساسية في بناء مجتمع مستدام قادر على حماية البيئة وتحقيق التوازن بين احتياجات البشر والموارد الطبيعية، إن الجهود المبذولة في هذا المجال تسهم بشكل كبير في تشكيل سلوكيات الطلاب وتعزيز قيم الاستدامة. وفيما يلي نستعرض أهم الأدوار التي تقوم بها وزارة التربية في تعزيز التربية البيئية، وأهمها إدماج مفاهيم البيئة والتنمية المستدامة في المناهج الدراسية في جميع المراحل التعليمية انطلاقًا من تقديم محتوى تعليمي يركز على القضايا البيئية، مثل التغير المناخي والتنوع البيولوجي والتلوث، يتمكن الطلاب من فهم التحديات البيئية التي تواجه كوكبنا. إلى جانب تنظيم فعاليات وورش عمل تتعلق بالبيئة، مثل أيام البيئة ومسابقات المشروعات البيئية. وهذه الأنشطة تشجع الطلاب على المشاركة الفعالة، مما يساعدهم على تطبيق المفاهيم البيئية بشكل عملي. كما تعزز هذه الفعاليات من روح التعاون والعمل الجماعي بين الطلاب، والعمل كذلك على تدريب المعلمين ليكونوا سفراء للوعي البيئي في مدارسهم وفصولهم الدراسية.
من خلال برامج تدريبية متخصصة، يمكن للمعلمين أن يتعلموا كيفية تدريس الموضوعات البيئية بفعالية وكيفية تشجيع الطلاب على المشاركة في الأنشطة البيئية. إن مملكة البحرين تبذل جهودًا بارزة في مجال التربية البيئية، وتدعم العديد من البرامج والمبادرات البيئية الرامية إلى تعزيز الوعي بالممارسات البيئية، وتركز على زيادة الوعي البيئي وتعزيز الاستدامة في المجتمع، وعلى غرار البرامج المتميزة مبادرة فضاء «استديو 244» المشتركة بين المجلس الأعلى للبيئة وهيئة البحرين للثقافة والآثار، إذ يُعد هذا الفضاء بمنزلة مركز للثقافة والفنون والمعرفة نتيجة لاحتوائه مجموعة واسعة من الأنشطة والبرامج التي تجذب الجمهور، وبرنامج «روَاد البيئة في البحرين» الرؤية الوطنية 2030، وجهود مملكة البحرين لمواجهة التحديات التي يفرضها تغير المناخ ومع استمرار هذه الجهود الوطنية، يمكن أن نأمل في تحقيق تأثير إيجابي على البيئة وتحسين جودة وسلامة الحياة للأجيال القادمة.
{ دكتوراه الفلسفة في الدراسات البيئية وآليات التنمية المستدامة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك