ركزت حكومة «بنيامين نتنياهو»، اليمينية منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، على تصفية قيادات خصومها الإقليميين، بغض النظر عن التكلفة التي قد تترتب على ذلك من أرواح المدنيين، أو الاستقرار الجيوسياسي، أو الأمن الإقليمي. ويشكل اغتيال شخصيات بارزة، مثل «إسماعيل هنية»، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس نهاية يوليو 2024 في إيران، و«حسن نصر الله»، الأمين العام لحزب الله في سبتمبر، جزءًا من العنف الواسع النطاق الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من المدنيين بجميع أنحاء الشرق الأوسط.
واستمرارا لهذا النهج، كان آخر أبرز أهداف إسرائيل، «يحيى السنوار»، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس منذ اغتيال «هنية»، وقائدها في غزة منذ 2017، والذي وصفه «جون ألترمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، بأنه «العقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر ضد إسرائيل». وعلى الرغم من التركيز الإسرائيلي على استهدافه؛ فإن استشهاد «العدو الأول» لإسرائيل – كما وصفه «آندي جريجوري» في صحيفة الإندبندنت – وصفته وسائل الإعلام الغربية بأنه «اشتباك وقع مصادفة مع جنود إسرائيليين في غزة، وليس عملية استخباراتية متقدمة».
وعلى الرغم من أن اغتياله يعَد «نجاحا سياسيا كبيرا» لنتنياهو؛ فقد اتفق المراقبون الغربيون على أن نهاية الحرب في غزة، ومعاناة السكان الفلسطينيين ليست قريبة. وعلق «دانييل بايمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، بأن الواقعة «ليست نقطة تحول» في الحرب الدائرة في غزة لاستعداد إسرائيل وحماس بوضوح لمواصلة القتال. وحتى وإن أمكن استئناف المفاوضات نحو وقف إطلاق النار؛ فإن كلا الجانبين والوسطاء الخارجيين «ليسوا أقرب إلى خطة واقعية» لحكم المنطقة بعد الحرب.
وعلى الرغم من استجابة الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، لاستشهاد «السنوار»، بقيادة ما وصفته صحيفة «الجارديان»، بـ«دفعة دولية»، نحو محادثات سلام جديدة مع ما تبقى من قيادة حماس، إلا أن تعهد نتنياهو بأن «الحرب لم تنته بعد»، يثير الشكوك حول ما إذا كانت واشنطن وحلفاؤها سيظهرون الإرادة السياسية والأخلاقية الكافية للضغط على إسرائيل لوقف الحرب في غزة. وفي هذا السياق، أشار «تشارلز ليستر»، من «معهد الشرق الأوسط»، إلى أن «الضغوط السابقة لم تُحدث تغييراً في حسابات نتنياهو»، ما يُعد دليلاً قوياً على أن من غير المرجح أن يكون هناك أي تغيير هذه المرة أيضاً.
من جانبه، وصف «جيريمي بوين»، من شبكة «بي بي سي»، استشهاد «السنوار»، بأنه «أكبر انتصار حققته إسرائيل حتى الآن في حربها ضد حماس»، و«ضربة موجعة» للحركة؛ لكنه أشار إلى أنه «لا يمثل خطوة نحو إحلال السلام في غزة، وهو ما اتفق معه «ألترمان»، حيث أكد أن الحرب «دخلت مرحلة جديدة»، بينما رأى «بايمان»، أن استشهاد قائد حماس لم يحقق سوى «نهاية مخيبة للآمال»، مشيرًا إلى أن كلا الطرفين يبدو مستعدًا لمواصلة القتال.
وعلى الرغم من استشهاد العديد من قادة حماس على مدار العام الماضي؛ فإن العديد من المراقبين الغربيين، يرون أن الحركة ستستمر في الصمود، تمامًا كما صمد «حزب الله»، بعد استهداف قائده «حسن نصر الله». وفي حين يعتقد «بايمان»، أن الهجمات الإسرائيلية المتواصلة ضد غزة، قد «شتتت» قيادة حماس، وأضعفت قدراتها العسكرية، ما جعل قيادتها المتبقية «مفككة»، ومن دون توجيهات واضحة بشأن خطواتها التالية؛ فإن «ألترمان»، يشير إلى أن السنوار، لم يكن مسؤولًا عن العمليات اليومية، وبالتالي لا يتوقع أن يؤدي استشهاده إلى تدهور سريع لقدرات حماس.
علاوة على ذلك، تمت الإشارة إلى نية حماس المحتملة تعيين قائد جديد خلفًا للسنوار لمواجهة إسرائيل. ورغم أن «ألترمان»، أكد أن معارضة السنوار القوية لأي تسوية دبلوماسية لإنهاء الحرب في غزة، قد تجعل استشهاده «فتح الباب أمام إمكانية التوصل إلى تسوية»؛ إلا أن «جوناثان بانيكوف»، من «المجلس الأطلسي»، أشار إلى أن العديد من قادة حماس كانوا يفضلون استراحة مؤقتة من الحرب من خلال صفقة تبادل الرهائن بالأسرى، مما يعني وقفًا مؤقتًا للأعمال العدائية على الأقل.
وفي هذا السياق، أوضح «بوين»، أن كل زعيم لحماس منذ التسعينيات تقريبًا -باستثناء واحد– قد تم اغتياله من قِبل إسرائيل، لكن دائمًا ما يتم تعيين خليفة بسرعة. وفي تقدير «بايمان»، من المرجح أن القائد الجديد سيزيد من تصعيد المقاومة ضد قوات الاحتلال، مدفوعًا برغبة في الانتقام بعد استشهاد السنوار. ورغم حملة القصف الإسرائيلية المستمرة التي خلفت دمارًا وتفككًا في القيادة المركزية للحركة؛ يرى «بايمان»، أن حماس «غير المنظمة والمستضعفة»، ستتمكن من الصمود، وربما «حتى من الازدهار».
وفيما كتب «توماس واريك»، من «المجلس الأطلسي»، أن عديدا من الأصوات في التحليل الغربي «التي تدعي أن حماس هي فكرة لا يمكن هزيمتها عسكريًا؛ على وشك أن ترى نتيجة نظريتها»؛ فقد اعترف «ألترمان»، أن الجماعة «تظل جذابة للعديد من الفلسطينيين، الذين «يأسوا من نهاية تفاوضية» لتدمير إسرائيل لغزة وضمها الضفة الغربية.
على الجانب الآخر، في حين رأى «ألترمان»، أن اغتيال قائد حماس «يخلق مسارًا محتملًا لإسرائيل لتقليص عملياتها العسكرية من موقع قوة إسرائيلية، وحالة وهن أكبر للحركة»؛ فقد أوضح «بايمان»، أن إسرائيل أظهرت بالفعل «إشارة محدودة» على استعدادها لتخفيف هجماتها المستمرة ضد غزة. ورأى «خالد الجندي»، من «معهد الشرق الأوسط»، أنه بدلاً من استغلال هذا الحدث «لإعلان النصر»، فمن المرجح أن «ترى إسرائيل في استشهاده فرصة» لـ«إتمام المهمة»، والمضي قدمًا في السعي لتحقيق «النصر الكامل».
وواقعيًا، فإن رد «نتنياهو»، على استشهاد رئيس المكتب السياسي لحماس، بإصراره على ضرورة مواصلة الإسرائيليين إظهار «التحمل والوحدة والشجاعة والصمود»، يؤكد وجهة نظر «بوين». وعلى الرغم من استشهاد عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين ونزوح الملايين، إلا أن إسرائيل لم تتمكن حتى الآن من تحقيق أي من أهدافها المعلنة، مثل «تدمير حماس كقوة عسكرية وسياسية»، أو «إعادة الرهائن».
ومن وجهة نظر «ألترمان»، فإنه بالرغم من أن «نتنياهو»، قد يستغل موت السنوار كـ «نصر كبير»، يعزز موقفه السياسي، إلا أن القلق بشأن سلامة الرهائن، سيبرز قريبًا كقضية تثير الرأي العام في إسرائيل. وفي هذا السياق، من المحتمل أن يواجه ائتلافه صعوبة في التوافق على الخطوات التالية.
ويرى «الجندي»، أن «استغلال استشهاد قائد حماس لتحقيق وقف إطلاق النار» في غزة، يعتمد بشكل كبير على «إدارة بايدن»، ومدى استعدادها لممارسة ضغوط فعالة على إسرائيل، ومع ذلك فإن ردود فعل القادة الأمريكيين لا توحي بذلك. من جانبه، وصفه الرئيس «بايدن»، بأنه «عقبة لا يمكن التغلب عليها»، أمام تحقيق السلام، مؤكدًا حق إسرائيل في القضاء على قيادة حماس وبنيتها العسكرية، فيما أشاد وزير الخارجية، «أنتوني بلينكن»، باستهدافه، وحمله المسؤولية عن رفض الجهود الدبلوماسية لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
ورغم دعوة «بايدن»، ونائبته – المرشح الديمقراطية لمنصب الرئيس الأمريكي القادم – كامالا هاريس، إلى اغتنام هذه الفرصة لإنهاء الحرب في غزة الآن؛ فقد أشار «بايمان»، إلى أن استشهاد السنوار «لا يطرح حلًا للمشكلة الأوسع نطاقاً المتمثلة في الحكم بغزة»؛ مع عدم توفر «تصور»، أو «تنفيذ» «إطار واقعي لمن سيحكمها مرحلة ما بعد الحرب بعد استشهاد زعيمها. وفي ظل استهداف العديد من قادة حماس، اقترح «ألترمان»، أن الجهود الرامية إلى إنشاء «آلية حكم فلسطينية وطنية غير حزبية وتكنوقراطية»، قد تصبح أسهل في الأشهر المقبلة، ورأى أن هذه الآلية قد تضم شخصيات متعاطفة مع حماس، بالإضافة إلى أفراد من توجهات سياسية متنوعة.
في سياق متصل، افترض «واريك» أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخامس من نوفمبر، قد تؤدي إلى دفع واشنطن وحلفائها الأوروبيين نحو الضغط على إسرائيل لتفويض «إدارة دولية مؤقتة لغزة تحت إشراف مجموعة اتصال دولية»، وبدعم من «قوة شرطة دولية». وهو ما يتماثل مع العديد من الاقتراحات التي طرحت طوال الحرب؛ لكنها لم تُناقش بجدية بسبب استمرار إسرائيل في حملات التدمير المتعمدة، وعرقلتها لمحادثات وقف إطلاق النار. وكما أشارت «كارميل أربيت»، من «المجلس الأطلسي»، فإنه رغم أن نتنياهو يمتلك الآن مخرجًا سهلاً من الحرب، إلا أنه «من غير المحتمل أن يستغله»، مع إعلان نيته البقاء في غزة «سنوات».
من ثمّ، أكد «واريك»، ضرورة استغلال «الفرصة المحدودة» المتاحة حاليا لتحقيق اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة الولايات المتحدة، مصر، وقطر. وأشار «ألترمان»، إلى أن هناك الآن فرصة أفضل أمام الولايات المتحدة والدول الأوروبية للضغط على إسرائيل «للمضي بسرعة أكبر»، نحو إنهاء الحرب؛ غير أن استمرارها في استهداف المدنيين الفلسطينيين، دفع «بايمان» إلى استنتاج أن مصير غزة قد ينتهي إلى «دولة فاشلة»، كأثر طويل الأجل للأحداث الحالية.
على العموم، يرى «بوين»، أن إسرائيل قد تحتفل باغتيال السنوار، إلا أنها لا يمكنها تجاهل حقيقة أن حماس لا تزال تحتفظ برهائنها وتواصل القتال. وفي ظل استمرار هذا الوضع، فإن حكومة نتنياهو لن تتراجع عن استخدام العنف، ليس فقط ضد غزة، بل أيضًا ضد خصومها في لبنان وإيران واليمن وأماكن أخرى. بغض النظر عن التكلفة البشرية، والمادية، أو الاستراتيجية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك