العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

جرائم أسلحة التوحش الإسرائيلية.. إلى متى؟

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

تتبع‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الحالية‭ ‬تكتيكات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عبر‭ ‬القوة‭ ‬المفرطة‭ ‬والقتل‭ ‬الجماعي‭ ‬والدمار‭ ‬المادي،‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬تفكيك‭ ‬الروابط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭.‬

تتجلى‭ ‬السياسات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬معقد‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬عبر‭ ‬القتل‭ ‬والتدمير،‭ ‬حيث‭ ‬يُعتبر‭ ‬‮«‬الفلسطيني‭ ‬الجيد‮»‬‭ ‬في‭ ‬المخيال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬هو‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهدد‭ ‬وجود‭ ‬الدولة،‭ ‬وهذا‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يُترجم‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الفلسطيني‭ ‬الميت‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬تستخدم‭ ‬إسرائيل‭ ‬القوة‭ ‬المفرطة‭ ‬كوسيلة‭ ‬لفرض‭ ‬السيطرة‭. ‬كما‭ ‬يُظهر‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬الغارات‭ ‬الجوية‭ ‬أو‭ ‬العمليات‭ ‬البرية،‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬رعب‭ ‬تمنع‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬المقاومة‭.‬

هذا‭ ‬التوجه‭ ‬لا‭ ‬يسعى‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الأفراد،‭ ‬بل‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬الفكرة‭ ‬نفسها،‭ ‬بهدف‭ ‬جعل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬يشعرون‭ ‬بأن‭ ‬مقاومتهم‭ ‬بلا‭ ‬جدوى‭. ‬ومعروف‭ ‬أن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬تاريخيا‭ ‬وراهنا؛‭ ‬هدفت‭ ‬وتهدف‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬الوعي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدة‭ ‬استراتيجيات؛‭ ‬كالترهيب‭ ‬المستمر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬المستمرة،‭ ‬التي‭ ‬تخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬الشعور‭ ‬بالعجز‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬جبل‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والإيمان،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإعلام‭ ‬والدعاية،‭ ‬واستخدام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لترويج‭ ‬صورة‭ ‬مشوهة‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬تُظهرهم‭ ‬كمصدر‭ ‬للتهديد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تبرير‭ ‬أعمال‭ ‬العنف،‭ ‬وعبر‭ ‬دفع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬الأمل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدمير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬وتفكيك‭ ‬المجتمعات،‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬أي‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الإحباط‭ ‬العام‭.‬

ما‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭: ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬والمدني،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قطعان‭ ‬المستوطنين‭ ‬الذين‭ ‬منحتهم‭ ‬تداعيات‭ ‬حرب‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬تأثيراً‭ ‬سياسياً‭ ‬وعسكرياً،‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬جنوح‭ ‬نحو‭ ‬التطرف‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬انتقال‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬يمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬التوحش‮»‬‭. ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬في‭ ‬محاولتها‭ ‬لإطالة‭ ‬أمد‭ ‬وجودها،‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والتوحش‭ ‬سيحقق‭ ‬لها‭ ‬ذلك‭. ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬يعكس‭ ‬أزمة‭ ‬وجودية‭ ‬عميقة‭ ‬تعيشها‭ ‬النخبة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭.‬

ما‭ ‬من‭ ‬شك‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬لقدرات‭ ‬ووسائل‭ ‬عسكرية‭ ‬وقتالية‭ ‬متقدمة،‭ ‬وقد‭ ‬شهدنا‭ ‬على‭ ‬مرّ‭ ‬السنين‭ ‬استخدامها‭ ‬بشكل‭ ‬مدمر‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭.‬

‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التدمير‭ ‬لم‭ ‬يُترجم‭ ‬‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬انتصارات‭ ‬حقيقية‭. ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تماما،‭ ‬لأن‭ ‬الإمعان‭ ‬في‭ ‬القتل‭ ‬والتدمير‭ ‬يُظهر‭ ‬ضعفًا‭ ‬وعجزًا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬المعلنة،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬احتاجت‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬المفرطة‭ ‬لتحقيق‭ ‬انتصاراتها‭ ‬التكتيكية؛‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬قدمت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬ويقدمان‭ ‬الدعم‭ ‬الكامل‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬بدعوى‭ ‬تعزيز‭ ‬استقرارها‭ ‬وأمنها‭.‬

لكن،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كافيًا،‭ ‬لا،‭ ‬بل‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬الأزمة‭. ‬الدليل‭ ‬الواضح‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬وعجز‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬عن‭ ‬الانتصار؛‭ ‬اضطرار‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الدعم،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬أيضا‭ ‬مدى‭ ‬تدهور‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬والعسكري‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭.‬

مع‭ ‬تصاعد‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬قوة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬و«حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬والردود‭ ‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬الاستفزازات؛‭ ‬بدأت‭ ‬المعادلات‭ ‬تتغير‭ ‬بشكل‭ ‬دراماتيكي؛‭ ‬بانتقال‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬مجرد‭ ‬صراع‭ ‬عسكري‭ ‬إلى‭ ‬معركة‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالوجود،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أنّ‭ ‬الصمود‭ ‬الذي‭ ‬أظهرته‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬و«حزب‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬العسكرية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تهديدات‭ ‬جدية‭ ‬عبر‭ ‬سياسة‭ ‬حرب‭ ‬‮«‬الاستنزاف‮»‬‭ ‬الممارسة‭ ‬ضدها‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬مجموع‭ ‬جرائمها‭.‬

نعم،‭ ‬تظهر‭ ‬الأحداث‭ ‬المتتالية‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬‮«‬إنجاز‮»‬‭ ‬الاغتيالات‭ ‬بل‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬سحق‭ ‬وتدمير‭ ‬‮«‬الأعداء‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬أعمال‭ ‬التدمير‭ ‬هذه‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬بالضرورة‭ ‬انتصارًا‭. ‬فالعجز‭ ‬المتزايد‭ ‬والفشل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬الإقليم‭ ‬في‭ ‬تغيّر‭ ‬دائم‭. ‬

إن‭ ‬الصمود‭ ‬والمقاومة‭ ‬هما‭ ‬المفتاح‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وتأكيد‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬انتصار‭ ‬قد‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬سيكون‭ ‬نتاجًا‭ ‬وتتويجا‭ ‬للإرادة‭ ‬القوية،‭ ‬لا‭ ‬لمجرد‭ ‬قوة‭ ‬السلاح‭ ‬‮«‬المتفوق‮»‬‭ ‬إسرائيلياً‭ ‬ذاتياً‭ ‬أو‭ ‬بالدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬والغربي‭ ‬المباشر‭ ‬العلني‭.‬

تاريخياً،‭ ‬وراهناً،‭ ‬تتأكد‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬أعمال‭ ‬القوة‭ (‬اقرأ‭: ‬القوة‭ ‬المفرطة‭ ‬بشكلها‭ ‬المتوحش‭) ‬وبكل‭ ‬ما‭ ‬تتضمنه‭ ‬من‭ ‬مقارفات‭ ‬وجرائم‭ ‬الاغتيال‭ ‬الفردي‭ ‬والقتل‭ ‬الجماعي‭ ‬والتدمير‭ ‬الذي‭ ‬يستهدف‭ ‬البشر‭ ‬والشجر‭ ‬والحجر‭ (‬بيوتاً‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬مستشفيات‭ ‬أم‭ ‬مدارس‭ ‬أو‭ ‬جامعات‭ ‬‮…‬إلخ‭) ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬عجزت‭ ‬عن«كي‭ ‬وعي‮»‬‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ (‬وتحالفاته‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والدولية‭) ‬بهدف‭ ‬التيئيس‭! ‬لا‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مجموع‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬المقاومة‭ ‬لم‭ ‬تندثر‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تنامت‭ ‬مع‭ ‬الأيام‭ ‬مشحونة‭ ‬بالإرادة‭ ‬الفولاذية‭ ‬لدحر‭ ‬الاحتلال‭ ‬وممارسة‭ ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا