في عام 2022، تقدمت مملكة البحرين بطلب للانضمام إلى مجموعة «بريكس»، التي يعود تأسيسها إلى عام 2006، وتضم (روسيا، والصين، والهند، والبرازيل، وجنوب إفريقيا)، مع عدد من الدول العربية، شمل (الجزائر، ومصر، والسعودية، والإمارات، والكويت، والسلطة الفلسطينية). وفي قمتها التي عقدت في «جوهانسبرج»، في أغسطس 2023، بحضور مسؤولين من نحو 50 دولة ضمن برنامج «أصدقاء بريكس»؛ حضر وزير الخارجية البحريني «عبد اللطيف الزياني».
وفي كلمته، أثنى «الزياني»، على الدور الذي تلعبه المجموعة كـ«شريك رئيسي» لكثير من الدول في دعم الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة، كما أشاد بالإنجازات التي حققتها في مجالات مختلفة، من بينها «بنك التنمية الجديد»، ودورها البارز في الثورة الصناعية الجديدة، التي تعزز التحول الرقمي والتصنيع والإبداع، مؤكدا دعم البحرين لرؤيتها التي تسعى لعالم أكثر عدالة وإنصافًا وازدهارًا، ومشددًا على أن التحديات العالمية الحالية تتطلب تعاونًا أوسع، وأكثر تنظيماً بين الدول، وهو ما يتماشى مع سياسة المملكة الخارجية، التي تركز على تنمية الشراكات الدولية.
ومن المعلوم أن، مجموعة «بريكس»، تمثل نحو ربع ثروة العالم، و22% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و42% من سكان العالم، وأكثر من 16% من حجم التجارة العالمية، وتعتبر نفسها بديلاً عن الهيمنة الاقتصادية الغربية. وقبل انعقاد قمة «جوهانسبرج»، قال وزير الخارجية الروسي، إن انضمام السعودية، والإمارات، والجزائر، ومصر إلى المجموعة سيثريها؛ بسبب ما لهذه الدول من إرث حضاري عربي وإسلامي.
وتسعى دول الخليج -ومنها مملكة البحرين– من خلال الانضمام إلى بريكس، لتعزيز توازن علاقاتها الخارجية، ما يقربها من قوى كبرى، مثل الصين، وروسيا، والهند. وتعتبر «الإمارات»، من أولى الدول خارج دول المجموعة التي أسهمت في بنك التنمية الجديد، الذي يهدف إلى منافسة المؤسسات الدولية، مثل «صندوق النقد الدولي»، و«البنك الدولي»، في تمويل المشاريع التنموية، كما قدمت «الجزائر»، طلبًا للمساهمة في البنك بمبلغ 1,5 مليار دولار. وفيما تسعى المجموعة إلى إنشاء عملتها الخاصة؛ بهدف كسر هيمنة الدولار؛ فإن انضمام دول عربية إليها، يعد «محطة مهمة» في تحول موازين القوى الاقتصادية العالمية؛ في ضوء أن هذه المجموعة العربية مرشحة لتكون «دولاً رائدة»، في إنتاج وتصدير الطاقات النظيفة خلال العقود المقبلة.
وفي مايو 2024، قام جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بزيارة رسمية لروسيا -أحد الأعضاء المؤسسين لبريكس– بهدف تعزيز التعاون السياسي، والأمني، والاستراتيجي بين البلدين. وتوجت «القمة البحرينية – الروسية»، بتوقيع العديد من مذكرات التفاهم، والبرامج المشتركة للتعاون الدبلوماسي، والاقتصادي، والثقافي، والصحي، والبيئي، وأكدت تقارب المواقف الدبلوماسية لقيادات البلدين في حرصهما على ترسيخ الأمن، والاستقرار، والسلام الإقليمي.
وخلال الزيارة، تم تفعيل مخرجات «اللجنة الحكومية المشتركة»، للتعاون التجاري، والاقتصادي، والعلمي، والتكنولوجي في ظل ارتباط البلدين بأكثر من 50 اتفاقية، ومذكرة تفاهم للتعاون والتنسيق في مختلف المجالات السياسية، والأمنية والاقتصادية. فيما أطلع جلالة الملك، الرئيس «بوتين» على نتائج القمة العربية الـ33، والمبادرة البحرينية لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط؛ لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وإحياء عملية السلام بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وفق حل الدولتين، وتوفير الاحتياجات الإنسانية للمتضررين من الحرب، فيما عبر جلالة الملك عن تقديره للمواقف الروسية الداعمة للقضايا العربية العادلة، لاسيما القضية الفلسطينية، وتأييده منح دولة فلسطين صفة العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وفي هذا السياق، دعا الرئيس «بوتين»، جلالة الملك لحضور قمة بريكس التي انعقدت في قازان في أكتوبر الجاري، بصفته رئيس القمة العربية في دورتها الحالية.
وبعد توسيع العضوية في قمة (جوهانسبرج)، غدت مجموعة البريكس تمثل 45% من سكان العالم، و36% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتجاوز مساهمة مجموعة السبع البالغة 30%، فضلاً عن 42% من إمدادات النفط العالمية.
وفي قمة «قازان»، التي تمثل الدورة الـ(16)، أعلنت الخارجية الروسية مشاركة 24 رئيس دولة، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، حيث وجهت «موسكو»، دعوات إلى 38 دولة؛ أكدت 32 منها مشاركتها، فيما أعلن سفير البحرين لدى روسيا، مشاركة المملكة بوفد يترأسه وزير الخارجية «عبد اللطيف الزياني»، الذي ألقى كلمة نيابة عن الدول العربية خلال القمة، التي توسعت لتضم 10 دول حاليًا بعد انضمام الأعضاء الجدد، وتخلي الأرجنتين عن عضويتها في المجموعة.
وفي الوقت الحالي، تزايدت قائمة الدول الراغبة في الانضمام إلى «بريكس»، وبالإضافة إلى البحرين، هناك العديد من الدول التي تسعى للعضوية، مثل (تركيا، والجزائر، وأذربيجان، وبوليفيا، وبنجلاديش، وبيلاروسيا، وهندوراس، وفنزويلا، وفيتنام، وزمبابوي، وإندونيسيا، وكوبا، والكويت، وكازاخستان، ونيكاراجوا، وباكستان، وغينيا الاستوائية، والسنغال، وسوريا، وأوغندا، وتشاد، وسريلانكا، واريتريا، وجنوب السودان، حيث تطمح هذه الدول إلى الاستفادة من العضوية في المجموعة لتعزيز تعاونها الاقتصادي، والسياسي، والمساهمة في إعادة تشكيل النظام المالي العالمي، بما يتماشى مع مصالحها الوطنية.
وبينما أعلنت «الإمارات»، مشاركة سمو الشيخ «محمد بن زايد»، رئيس الدولة في قمة «قازان» كأول مشاركة لها كعضو رسمي، فإن البحرين مؤهلة أيضًا للعب دور فعّال في اجتماعات «بريكس بلس»، التي ستركز على موضوع «بريكس والجنوب العالمي.. بناء مستقبل مشترك للعالم». وتُعد هذه الاجتماعات الجزء الثاني من أعمال القمة، فيما ينصبّ الجزء الأول على اجتماعات أعضاء بريكس تحت شعار «تعزيز التعددية من أجل تحقيق تنمية وأمن عالميين أكثر عدالة».
وفي حين تسعى المملكة إلى الانضمام إلى هذه المجموعة، فإنها تسعى للانضمام أيضًا إلى غيرها من المنظمات الاقتصادية، والسياسية الدولية، وقد نوه سفير البحرين لدى موسكو، إلى جهود روسيا لضمان وجود المملكة في المجموعة.
ويقف وراء الطلب البحريني خدمة المصالح الوطنية عن طريق الاستفادة من المميزات الاقتصادية، والسياسية التي يجلبها هذا الانضمام، ومبدأ التوازن، الذي تتميز به سياستها الخارجية، فيما تحتفظ بعلاقات اقتصادية، وسياسية قوية مع الأعضاء المؤسسين لها، فضلاً عن علاقاتها الجيدة بالقوى الغربية الرئيسية، حيث تمثل المجموعة مع توسيع عضويتها خطوة كبيرة نحو عالم متعدد الأقطاب.
وفي نوفمبر 2023 -وعلى هامش مشاركته في المنتدى الدولي الخامس لدول بريكس في مدينة «سان بطرس بورج» الروسية – أكد سفير البحرين لدى موسكو، أن انضمام بلاده إلى المجموعة يعزز مكانتها الإقليمية والدولية، من حيث المساهمة في التنمية الاقتصادية والأمن، كما أكد أن العضوية في المنظمات الدولية الكبرى، مثل بريكس، تمنح المملكة «دورًا محوريًا» في دعم اقتصاد المنطقة والمساهمة في نموها.
ومن المعلوم أن علاقة البحرين بالدول الأعضاء المؤسسين لهذه المجموعة هي علاقة متميزة. وفي نفس الشهر -مايو 2024- الذي زار فيه جلالة الملك، روسيا –كما أشرنا– قام بزيارة الصين، أحد كبار المؤسسين للمجموعة، وذلك باعتباره رئيس الدورة الحالية للقمة العربية، وتأكيدًا على العلاقة التاريخية بين البلدين التي تعود إلى 35 عامًا، منذ بداية العلاقات الدبلوماسية في 1989، وهي علاقة وطيدة تقوم على الاحترام المتبادل، والرغبة الصادقة في إقامة نموذج للتعاون الثنائي يخدم المصالح المشتركة، فيما حملت الزيارة واجبًا قوميًا يتضمن الترويج لإعلان البحرين الصادر عن القمة العربية في المنامة في 16 مايو، حيث تسعى إلى تعزيز وتنمية العلاقات العربية مع القوى ذات التأثير في السياسة الدولية، بما يخدم المصالح العربية في إطارها الشامل، فضلا عن دعم مبادرتها لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط لتسوية القضية الفلسطينية، وتنمية جهود الاعتراف بفلسطين عضوًا كامل العضوية في الأمم المتحدة.
علاوة على ذلك، تعد «الصين»، ثالث أكبر شريك تجاري للمملكة، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين نحو 2,4 مليار دولار في 2022. وأثناء زيارته لها شارك جلالة الملك في الجلسة الافتتاحية لمنتدى التعاون العربي- الصيني.
أما «الهند»، فهي سادس أكبر مستثمر في البحرين بـ 1,5 مليار دولار، فيما يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 2 مليار دولار. وتعد الجالية الهندية في البحرين أكبر الجاليات الأجنبية. كما تحتفظ المملكة بعلاقات ودية متميزة مع جمهورية جنوب إفريقيا، وقد أشاد «مجلس النواب»، البحريني بموقفها التاريخي في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، معربا عن تأييده للدعوى التي رفعتها ضد إسرائيل أمام «محكمة العدل الدولية»، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية، وخرق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948. وفيما يتعلق بالبرازيل، ففي سبتمبر الماضي، كان احتفاء الخارجية البحرينية بمرور 50 عاما على العلاقات الدبلوماسية البحرينية-البرازيلية.
على العموم، بفضل هذه العلاقات المتميزة، تصبح البحرين مؤهلة لقبول طلبها للانضمام إلى مجموعة بريكس، حيث ستتيح لها هذه المنصة فرصة لطرح مبادراتها على المستويين الإقليمي والدولي، متماشية مع نهج الدبلوماسية البحرينية، التي أرساها سمو الشيخ محمد بن مبارك، وأصبحت مدرسة يقتدى بها، والتي تتميز بالإيجابية وتسعى دومًا نحو بناء عالم أكثر عدالة وإنصافًا. وفي الوقت نفسه، المحافظة على سياستها الحيادية، متجنبة الانخراط في المنافسات والصراعات التي لا تخدم مصالحها الوطنية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك