في 16 أكتوبر الجاري، عُقدت القمة الخليجية الأوروبية الأولى في بروكسل التي تعتبر امتدادا للتعاون المستمر بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي منذ اتفاقية التعاون لعام 1988 وتدشين العلاقات الرسمية في 1989، حيث جاءت في توقيت دقيق يتزامن مع تصاعد الصراع في أوروبا على خلفية الحرب الأوكرانية، إلى جانب التحديات الكبيرة التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، على رأسها الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، التي خلفت دمارا واسعا، بسبب سياسات يمينية متطرفة تتجاهل القوانين الدولية، وسط مخاوف من امتداد هذا الصراع ليطول لبنان، مهددا بمصير مماثل.
ونتيجة لهذه التحديات، كان من الطبيعي أن يتصدر الملف السياسي والأمني جدول أعمال القمة الخليجية الأوروبية الأولى، التي شهدت حضورًا غير مسبوق على مستوى التمثيل الرسمي، بمشاركة 33 رئيس دولة ورئيس وزراء، فيما تعد هذه القمة خطوة نحو بناء شراكة استراتيجية للقرن الـ21، ترتكز على المصالح المشتركة والعلاقات التاريخية بين الطرفين، في ظل الأهمية العالمية للاتحاد الأوروبي على الصعيد الاستراتيجي والأمني والاقتصادي، ودور دول الخليج الحيوي في أمن الطاقة العالمي، وتمتعها بموقع استراتيجي وسط العالم القديم، وعلاقات ممتدة شرقًا وغربًا مع القوى الدولية الكبرى.
وقد انعقدت «القمة»، برئاسة مشتركة بين أمير قطر، الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني»، ورئيس المجلس الأوروبي «شارل ميشيل»، وتناولت عدة ملفات سياسية، وأمنية، واقتصادية وتجارية، وتضمنت المناقشات التطورات الإقليمية والدولية، وأطر الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الحرب في غزة، والوضع في البحر الأحمر، ولبنان، وإيران، ومحاولة إيجاد لغة مشتركة بين الجانبين الخليجي والأوروبي، بشأن المسائل الجيوسياسية الكبرى، مثل الحرب الروسية على أوكرانيا، ومنع تصاعد الأزمات في الشرق الأوسط.
وعليه، كانت الأوضاع المتوترة في المنطقة محورا رئيسيا في كلمات رؤساء الوفود خلال القمة. ففي حين أكد أمير «قطر»، أهمية القمة في تعزيز التعاون بين الجانبين، مثمنًا اعتماد الاتحاد الأوروبي وثيقة الشراكة مع دول الخليج؛ فقد طالب بوقف إطلاق نار فوري في غزة ولبنان، ووقف استفزازات المستوطنين المدعومين من الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وتطبيق القرار الأممي «1701»، بين لبنان وإسرائيل، مؤكدا الحاجة الملحة لإيجاد تسوية شاملة، وأن يكون وقف إطلاق النار بداية عملية تفاوضية، تؤدي إلى حل عادل لإقامة الدولة الفلسطينية.
وفي كلمته، نيابة عن جلالة الملك «حمد بن عيسى آل خليفة»، شدد سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير «سلمان بن حمد آل خليفة»، على أهمية التواصل الخليجي الأوروبي لتحقيق الاستقرار والازدهار، وطالب بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، مؤكدا الموقف البحريني الثابت بضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ودعا في كلمته إلى إجراء إصلاحات شاملة في جميع المؤسسات العالمية كاملة بالأمم المتحدة، وبمجلس الأمن التابع لها، وبصندوق النقد والبنك الدوليين؛ وضمان الدور الفاعل والمؤثر لهذه المؤسسات بكل عدالة.
ومن الجدير بالذكر أن كلمة سمو ولي العهد رئيس الوزراء في القمة كانت تعبيرا صادقا عن سياسة البحرين الخارجية، وخطها الثابت بالسعي لتحقيق السلام والاستقرار العالمي، وهي السياسة التي أبرزت صورتها كداعية للسلام، ومساندة لجميع القضايا العادلة في العالم.
فيما أكدت دولة الإمارات تعزيز التعاون الاستراتيجي مع أوروبا في الاقتصاد والأمن، وشددت على أهمية التنمية المستدامة، والتغير المناخي، وأمن الطاقة، والاستقرار الإقليمي؛ فقد دعت إلى إيجاد حلول سلمية للأزمات والصراعات بشكل عاجل. ومع طرح «السعودية»، مبادرات تتعلق بتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي؛ فقد أكدت أهمية تحقيق أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، ودعم الحلول السلمية للأزمات الإقليمية، بما في ذلك القضية الفلسطينية، وضرورة تطبيق حل الدولتين، استنادًا إلى مبادرة السلام العربية، وتعزيز الاستقرار عبر الوساطة، والمبادرات الدبلوماسية. كما أكدت «الكويت»، أهمية التعاون الخليجي الأوروبي لتعزيز أمن واستقرار الشرق الأوسط، وضرورة دعم الحلول السلمية والالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وأهمية دعم المبادرات التي تعزز الأمن الجماعي في المنطقة. واستمرارا، شددت سلطنة «عمان»، على أهمية الحوار والتعاون بين الجانبين لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، عبر الالتزام بالقانون الدولي والقرارات الأممية، مؤكدة في هذا الشأن دورها كوسيط في حل النزاعات، وتخفيف التوترات الإقليمية، من أجل ضمان الاستقرار والتنمية المستدامة.
وفي هذا السياق، أشار تقرير «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، إلى أن «القمة»، تمثل «فرصة لتعزيز الترابط الاستراتيجي مع دول الخليج» –والذي كانت هناك حاجة إليه منذ فترة طويلة لتعزيز العلاقات، وأن كافة الأطراف تعقد آمالاً كبيرة عليه لتعزيز التعاون القطاعي، وينظر إليه ساسة أوروبا باعتباره «منصة رئيسية لتعزيز التبادل الاستراتيجي». وأكد التقرير أيضا أن ملف تحرير التجارة يعد من أبرز الملفات الجيواقتصادية المطروحة، حيث سبق للاتحاد الأوروبي أن بدأ العام الماضي محاولة إحياء مفاوضات التجارة الحرة مع دول الخليج، وكان من المتوقع أن تكون هذه القمة انطلاقة لاتفاقية تحرير التجارة بين الطرفين، على أن تُستكمل باتفاقات ثنائية قطاعية أكثر تحديدًا عبر الشراكة الاستراتيجية، وخاصة مع كبر حجم التجارة بين الجانبين الذي بلغ العام الماضي 204.3 مليارات دولار، أغلبها صادرات خليجية بلغت 106.3 مليارات دولار.
ومن المعلوم أن «إعلان الشراكة الاستراتيجية» في مايو 2022 قد مهد لهذه القمة، وعزز من التعاون الخليجي الأوروبي، باعتباره نقلة نوعية وإطارًا عمليًا يعكس التزام الجانبين بالتعاون لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، حيث ركز على تعزيز التعاون السياسي، والأمني، والاقتصادي في ظل التغيرات العالمية المتسارعة. وفي ظل الصراعات الراهنة في أوروبا والشرق الأوسط، باتت الحاجة ملحة لاستجابة منسقة من الطرفين للتصدي للتحديات المشتركة، وتعزيز الجهود الدبلوماسية لضمان الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.
علاوة على ذلك، مثل انعقاد المنتدى الرفيع المستوى بين الجانبين في 22 أبريل 2024 في لوكسبورج، التزامهما بتعزيز هذا التعاون، وخصوصًا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وتأمين الملاحة البحرية والهجرة غير الشرعية. وجاء هذا الحوار بناءً على قرار المجلس الوزاري المشترك لتأسيس منصة تتناول تيسير الجهود بشأن القضايا الإقليمية والدولية، بما في ذلك الانتشار النووي، والطائرات المسيرة، والأمن البحري، والأمن السيبراني، ومكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، والهجرة غير الشرعية، وأمن الطاقة، والإمدادات الغذائية.
إضافة إلى هذا، يمثل الحوار الاقتصادي، الذي ينعقد بصفة منتظمة بين الجانبين منذ تأسيسه في 2003، «منصة مهمة»، لتعزيز التعاون الاقتصادي بين المجموعتين، حيث يهدف إلى تنفيذ برنامج العمل المشترك، الذي يسهل مناقشة القضايا الاقتصادية، وينسق السياسات في ظل التحديات الجيوسياسية. ومع ذلك، تبقى الطموحات الاقتصادية رهينة الأمن والسلام، كما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية في كلمتها، مشددة على دعم الاتحاد الأوروبي لحل الدولتين، والالتزام بهذا المسار من أجل تحقيق سلام دائم.
وفي إدراك لذلك، تصدرت القضية الفلسطينية «البيان الختامي» للقمة، حيث دعا إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2735، بما في ذلك إطلاق سراح الرهائن والأسرى الفلسطينيين، والوصول الفوري من دون عوائق للمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء قطاع غزة، وفتح جميع المعابر، كما دعم جهود الأونروا، والوساطة التي تتولاها قطر، ومصر، والولايات المتحدة، وطلب الالتزام بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وأوامر محكمة العدل الدولية، مؤكدا حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره من خلال حل الدولتين، لتعيش كل من إسرائيل وفلسطين جنبًا إلى جنب في سلام، ضمن حدود آمنة معترف بها وفقًا لحدود 1967، بما يتماشى مع القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية لعام 2002، داعيا إلى دعم السلطة الفلسطينية في خططها الإصلاحية، ووقف الأعمال التي تضعفها.
وفي تأكيد هذا، أدان البيان عنف المستوطنين المستمر في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وكذلك قرارات الحكومة الإسرائيلية بتوسيع المستوطنات، وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية، وحث إسرائيل على التراجع عن هذه القرارات، والوقف الفوري لجميع التدابير الأحادية التي تقوض آفاق السلام، مثل الأنشطة الاستيطانية، ومصادرة الأراضي، وتشريد الفلسطينيين، وانتهاكات القانون الدولي. كما أدان جميع أشكال العنف والتحريض عليه، رافضا الخسائر في أرواح المدنيين، وخاصة الأطفال، والمستويات الكارثية للجوع وخطر المجاعة الوشيك بسبب نقص المساعدات، إلى جانب الاعتداءات على العاملين في المجال الإنساني.
وفيما يتعلق بالوضع في لبنان، دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتكثيف الجهود لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، مع التأكيد على تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701، والقرارات الدولية ذات الصلة واتفاق الطائف، لاستعادة الأمن والاستقرار الدائمين في لبنان.
وتحقيقا لهذه الغاية، أكد البيان أهمية إطلاق حوار إقليمي بين دول الخليج، والاتحاد الأوروبي؛ لتعزيز الأمن والاستقرار، واستضافة السعودية النسخة الثانية من هذه القمة في 2026، والالتزام بمواصلة مفاوضات إعفاء المواطنين الخليجيين من تأشيرة تشنجن، فيما أشاد بالجهود السعودية من أجل دفع الأطراف اليمنية للوصول إلى حل سلمي للأزمة اليمنية، ومبادرة المملكة إطلاق تحالف لدعم حل الدولتين، وأكد أهمية حرية الملاحة في البحر الأحمر. فيما أعلنت «القمة»، إطلاق حوار لتسهيل التجارة والاستثمار بين الجانبين، ومواصلة المفاوضات للوصول إلى اتفاقية تجارة حرة، والالتزام بتعزيز الشراكة الاستراتيجية، والارتقاء بها إلى أعلى المستويات على أساس الاحترام والثقة والمتبادلة.
على العموم، تصدرت الأحداث في كل من فلسطين ولبنان، أعمال القمة الخليجية الأوروبية، حيث شدد البيان الختامي على ضرورة وقف التصعيد، وتبني حل شامل يعيد الاستقرار إلى المنطقة، وفق القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، فيما شكلت هذه القمة جزءا مهما من الجهد الدبلوماسي الذي تقوم به المجموعة الخليجية منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، مروراً بالقمة العربية الإسلامية التي استضافتها الرياض في 11 نوفمبر من نفس العام، والتي هدفت إلى حشد الدعم الدولي لوقف العدوان، وإعادة تفعيل مسار حل الدولتين، وامتداد هذه الجهود إلى الساحة الدولية، عبر الضغط لتوسيع نطاق المساعدات، ومنع تفاقم الأعمال العدائية، ومن أبرز هذه الجهود مبادرة جلالة الملك في القمة العربية 33، بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسطـ، وما أعلنه وزير الخارجية السعودي الأمير «فيصل بن فرحان»، في سبتمبر الماضي عن إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»، خلال الاجتماع الوزاري بالأمم المتحدة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك