منذ إعلانه عدم ترشحه لفترة رئاسية ثانية، بات الرئيس بايدن في وضع يوصف فيه بـ«البطة العرجاء» بل «البطة المكرسحة» – أي إنه رئيس ضعيف النفوذ في آخر أو أرذل فترة ولايته. وكان من شأن هذا الوضع أن يمنحه حرية أكبر لاتخاذ قرارات حاسمة من دون الاهتمام بالضغوط الانتخابية الداخلية، لو لم يكن حبيسا لالتزام السعي لإنجاح كاميلا هاريس في الانتخابات الرئاسية الوشيكة، وأيضاً (وهو ربما الأهم) الالتزام بالتحالف الوثيق بين إدارته و«إسرائيل» رغم سوء علاقاته مع حكومة بنيامين نتنياهو.
ومثل هذه القرارات الحاسمة المفترضة و«المؤملة» كان يمكن أن تقف في وجه حرائق نتنياهو لو رأى هذا الأخير «العين الحمراء الأمريكية» المبشرة بعواقب خطيرة! بل إن إدارة بايدن تبدو وكأنها منحت «ترخيصاً» لحكومة نتنياهو للاستمرار في قتل الفلسطينيين «ذوي الأرواح الرخيصة»!! مع إبقاء العدد دون منة يومياً!
بايدن، بدلا من ممارسة نفوذه على نتنياهو لوقف الحملة الصهيونية في قطاع غزة ولبنان، نجده – رغم الإهانات المتلاحقة التي تلقاها من رئيس الوزراء الإسرائيلي – قد استسلم بشكل شبه كامل للسياسة الإسرائيلية العدوانية، لا بل تحول إلى «بوق»، وفي أحسن الظروف «محلل سياسي»، أو «مقدر مواقف»، أو «رجل إطفاء»، رغم عدم ثقته وإدارته بشكل متزايد، ناهيك عن عدم معرفته، بما هي الحكومة الإسرائيلية بصدده عسكريا في الحرب التي تخوضها.
ومع هذا كله، نجد الرئيس بايدن يمعن في تقديمه وإدارته وصناع قراراتها لمختلف صنوف الدعم لـ «إسرائيل»، سواء من تحت الطاولة أو من فوقها وآخرها المشاركة الأمريكية العلنية المباشرة من خلال تقديم وتشغيل منظومة «ثاد»!
هذا الانصياع لرغبات نتنياهو يعكس ضعف الإدارة الأمريكية في فرض رؤيتها المعلنة على الحليف الإسرائيلي، مما يظهر واشنطن بموقف ضعيف أمام الحلفاء الآخرين في الشرق الأوسط وخارجه. وبدلاً من فرض شروط أو تقديم مبادرات جدية لحل الأزمة تتناسب وكونها القوة العظمى في العالم؛ تبدو الولايات المتحدة داعمة لإسرائيل دون قيد أو شرط، حتى وإن كان ذلك يتناقض مع المصالح الأمريكية متوسطة أو طويلة الأمد في المنطقة والعالم.
هناك قلق حقيقي من أن ينقلب دور الولايات المتحدة من مجرد داعم لإسرائيل بالمال والأسلحة والدبلوماسية إلى مشارك مباشر في حرب هجومية ضد إيران وحلفائها، وهو ما قد يؤدي إلى اشتعال منطقة الشرق الأوسط بشكل خطير.
وإذا تم تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حلفاء إيران – كما حدث في اغتيال إسماعيل هنية، وحسن نصرالله وغيرهما وعمليات أخرى في اليمن وسورية ولبنان – فإن الرد الإيراني ربما يشعل مواجهة واسعة قد تجبر الولايات المتحدة على التورط، رغم أن ارتفاع الكلف البشرية والسياسية لمثل هذا التورط من شأنه أن يزيد الضرر بإدارة بايدن داخليًا أيضا، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية والكونجرسية.
من جهة أخرى، فان الانصياع الأعمى لنتنياهو يضعف صورة أمريكا كقوة عظمى قادرة على فرض إرادتها على حلفائها. فإحجامها عن الضغط على إسرائيل، رغم مطالبات المجتمع الدولي بوقف العدوان على فلسطين ولبنان، يُظهر الولايات المتحدة بمظهر الدولة التابعة…. لإسرائيل!!
هذا التراجع يؤثر بشكل مباشر في علاقات واشنطن مع حلفائها العرب والدوليين، الذين ينظرون بعين القلق إلى تصاعد الصراع في المنطقة وتقاعس الولايات المتحدة عن أداء دورها.
بايدن، الذي كان يطمح إلى بناء تحالفات إقليمية قوية وإعادة ترتيب النظام العالمي، يجد نفسه الآن في موقف ضعيف وغير قادر على مواجهة سياسات نتنياهو.
وهو الأمر الذي يذكرنا بانتشار نكتة راجت عن أمناء عام الأمم المتحدة (يوثانت تحديداً وخلفائه من بعده باستثناء الحالي أنطونيو جوتيرس) الذين اقتصر(عملهم) على «إبداء القلق» و«المناشدة» تجاه أحداث في العالم !!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك