كيف تناول الإعلام الغربي العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان؟ سؤال مهم نطرحه في هذا الوقت الحرج الذي تمر به منطقتنا العربية؛ لأن الإعلام بات لاعباً أساسيا في المعركة الدائرة حاليا فيهما، فهو يُسهم في توجيه الرأي العام؛ للتعاطف مع طرف على حساب الآخر. ولما كان الأصل في وسائل الإعلام الالتزام بالمعايير المهنية للدفاع عن وجهة نظر معينة مع تسليمنا بأن ذلك صعباً في الأزمات والحروب لا سيما أن القائمين على الإعلام بشر لهم أهواؤهم وانحيازاتهم الشخصية التي تضاف إلى انتماءاتهم السياسية واتجاهاتهم الفكرية ومع ذلك يبقى الحياد مطلوباً، وتبقى الموضوعية مطلوبة بنسبة كبيرة لكي يكون الإعلام صادقا إلى حد ما.
لكن في العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان نقول وبكل أمانة وبتجرد من العواطف إن الإعلام الغربي بوسائله المختلفة ابتعد عن المعايير المهنية حيث لم يلتزم بمعايير التوازن والدقة في تغطية أحداث الحرب وانحاز بصورة مكشوفة وسافرة إلى الكيان الصهيوني في عدوانه الأخير.
هذه الحرب كشفت لنا زيف وسائل الإعلام الغربية بأنواعها المختلفة (المقروءة والمرئية والمسموعة والإلكترونية)، فقد تبين لنا بالدليل القاطع أن هذا الإعلام منحاز بصورة مطلقة إلى معسكر الكيان الصهيوني حيث لم يكن محايداً في تناول هذه الحرب وعلينا ألا نستغرب من هذا الموقف؛ لأنه يأتي في إطار الموقف المؤيد للدولة العبرية. أليست هذه الدول وعلى رأسها بريطانيا هي من ساهم في نشأة هذا الكيان، أليست هي التي زرعته في منطقتنا العربية إلى أن كبُر وشب عن الطوق، ثم تعهدته الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد، وساندته ودعمته عسكرياً واقتصادياً وسياسياً حتى أصبح وحشاً كاسراً يمارس أبشع سلوكيات العدوان على أصحاب الأرض الأصليين من خلال طردهم من وطنهم وتشريدهم وتهجيرهم إلى الدول العربية المجاورة قسراً؛ ليفسح المجال أمامه لقضم المزيد من الأراضي العربية، والاستيلاء عليها ليقيم عليها المستوطنات لاستيعاب المزيد من المستوطنين وبذلك يحقق حلمه في قيام «دولة إسرائيل الكبرى».
إن المتابع للمشهد الإعلامي الغربي يتبين له أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها الدول الغربية -ولا نستثني منها أحد -بعيدة كل البعد عن الموضوعية والنزاهة في تناول هذه القضية في وسائل الإعلام الغربية المختلفة.
في الحقيقة، إن هذا السلوك الإعلامي في الدول الغربية ليس بالجديد عليها؛ لأنه باختصار يأتي في إطار ما يسمى «بالحرب الناعمة» التي من خلالها تقدم هذه الدول الدعم والتأييد للكيان الصهيوني إضافة إلى الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي. وعليه ليس من المستغرب أن تقوم تلك الدول بهذا الدور؛ لأنها هي الحاضنة لهذا الكيان منذ أن تم زرعه في أرضنا العربية وهي لم تتوقف عن مساندته في كل حروبه العدوانية على بلداننا العربية.
ولهذا كان من الطبيعي أن يكون الإعلام الغربي حاضراً بقوة، وفي خط متواز مع الدعم العسكري في هذه الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة ولبنان لكن للأسف فإن هذا الحضور لم يكن حيادياً؛ فهو لم ينقل الصورة الحقيقية لممارسات العدوان الهمجية، ولم يكن في نواياه إطلاقاً إظهار الحقيقة وفضح ما تقوم به الدولة العبرية من قتل وتدمير أمام الرأي العام الغربي والعالم ولكن من أجل إعلاء شأن هذا الكيان، وتمجيد انتصاراته والإعجاب بقوته وجبروته والإشادة بتفوقه التقني على العرب.
وهناك أمثلة عديدة تكشف لنا بأن الإعلام الغربي في جملته لم يكن منصفاً في تناول حرب غزة ولبنان وهذا ما نلمسه بوضوح منذ انطلاق عملية السابع من أكتوبر2023 فمع بداية الحرب روجت بعض وسائل الإعلام الغربية بينها شبكة «سي إن إن»، شائعة «إقدام حركة حماس على ذبح أطفال»، حتى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه أشار إلى ذلك في إحدى تصريحاته، ما دفع البيت الأبيض إلى إصدار بيان أكد فيه أن «هذه المعلومة لم تكن دقيقة» كذلك لم تتردد (بي بي سي) عن وصفها متظاهرين داعمين لفلسطين في لندن بأنهم «داعمون لحماس»، ومع استمرار الحرب لم يتوان الصحفيون الغربيون عن الانحياز الكامل إلى «إسرائيل » في تغطيتهم لهذه الحرب وفي هذا السياق نشير إلى مذيع «سي إن إن» أندرسون كوبر الذي لم يتمالك مشاعره الفياضة، وحبس دموعه خلال لقائه مع المواطنة الإسرائيلية وهي تتكلم عن أفراد عائلتها الأسرى لدى حماس.
ومع استمرار الحرب، يتكرر هذا المشهد الإعلامي الغربي المنحاز إلى الكيان الصهيوني من خلال القنوات الإخبارية والصحف الكبرى ومواقع التواصل الاجتماعي ويتجسد ذلك بوضوح في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية.
وهذا يكشف لنا ببساطة وقوف الإعلام الغربي وراء «إسرائيل» وأنه إعلام كاذب وغير أخلاقي ومهما ادعى وزعم أنه ينقل الواقع وينشد الحقيقة.
خلاصة القول: إن الحرب الإعلامية باتت جزءاً أصيلاً من أدوات الحرب العسكرية التقليدية التي تشنها «إسرائيل» على العرب ولا يمكن «لإسرائيل» الاستغناء عنها في أي حرب تخوضها ضدهم؛ لأنها تعي الدور الذي تقوم به هذه الحرب ولهذا فهي تمسك بخيوط لعبة هذه الحرب ليس في الداخل الإسرائيلي فحسب، وإنما في العالم أجمع وذلك من خلال سيطرتها على وسائل الإعلام في أنحاء العالم. السؤال المهم هو: كيف يواجه العرب تأثيرات الحرب الإعلامية وأضرارها؟
jbonofal@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك