العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا حذّر أردوغان من المخططات الإسرائيلية لاحتلال دمشق؟

الجمعة ١٨ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

كان‭ ‬لافتا‭ ‬أن‭ ‬يحذّر‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيّب‭ ‬أردوغان‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬تنفيذ‭ ‬إسرائيل‭ ‬تهديداتها‭ ‬باحتلال‭ ‬دمشق‭ ‬سيمزّق‭ ‬البلاد،‭ ‬وأن‭ ‬تركيا‭ ‬‮«‬ستدافع‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬العاجل‭ ‬والدائم‭ ‬في‭ ‬سوريا‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬يكتفِ‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬طالب‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران‭ ‬وسورية‭ ‬بأن‭ ‬تتّخذ‭ ‬إجراءاتٍ‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬لحماية‭ ‬سلامة‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية،‭ ‬وقال‭ ‬إنّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬تشكّل‭ ‬‮«‬تهديداً‭ ‬ملموساً‭ ‬للسلام‭ ‬الإقليمي‭ ‬والعالمي‮»‬‭.‬

لا‭ ‬تخرج‭ ‬تصريحات‭ ‬أردوغان‭ ‬التي‭ (‬أدلى‭ ‬بها‭ ‬خلال‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬ألبانيا‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬أكتوبر‭ ‬الجاري‭) ‬من‭ ‬أجواء‭ ‬التوتّر‭ ‬المخيّمة‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتعكس‭ ‬إرهاصاتِ‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تشنّها‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام،‭ ‬وتوسيعها‭ ‬نطاق‭ ‬الحرب‭ ‬لتطاول‭ ‬الجنوب‭ ‬اللبناني‭ ‬وقادة‭ ‬وعناصر‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬تستعدّ‭ ‬فيه‭ ‬لتوجيه‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬ردَّاً‭ ‬على‭ ‬الضربة‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الجاري،‭ ‬وبما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬أجواء‭ ‬التوتّر‭ ‬والاحتقان،‭ ‬وينذر‭ ‬بامتداد‭ ‬لهيب‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬دولٍ‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

ويبدو‭ ‬أنّ‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬استند‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬إلى‭ ‬تصريحات‭ ‬رئيس‭ ‬حزب‭ ‬إسرائيل‭ ‬بيتنا‭ ‬أفيجدور‭ ‬ليبرمان،‭ ‬التي‭ ‬طالب‭ ‬فيها‭ ‬بتوجيه‭ ‬ضربة‭ ‬استباقية‭ ‬لنظام‭ ‬بشّار‭ ‬الأسد‭ ‬باحتلال‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الجزء‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬جبل‭ ‬الشيخ‭ ‬في‭ ‬الجولان‭ ‬المحتلّ،‭ ‬وذلك‭ ‬منعاً‭ ‬لأيّ‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وعقاباً‭ ‬للأسد‭ ‬على‭ ‬‮«‬جعل‭ ‬سوريا‭ ‬قاعدةً‭ ‬لوجستيةً‭ ‬ومركزاً‭ ‬خلفياً‭ ‬لأعداء‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬بحسب‭ ‬زعمه‭. ‬ولعلّ‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬التحذير‭ ‬منه‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬الإسرائيليين‭ ‬يقولون‭ ‬صراحة‭ ‬إنّهم‭ ‬سيغزون‭ ‬دمشق‭ ‬بعد‭ ‬لبنان،‭ ‬ويعني‭ ‬ذلك‭ ‬وصول‭ ‬الجنود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬تركيا‭ ‬وتمزيق‭ ‬الخريطة‭ ‬السورية‭ ‬بالكامل‮»‬‭. ‬وسبق‭ ‬للبرلمان‭ ‬التركي‭ ‬أن‭ ‬عقد‭ ‬جلسةً‭ ‬خاصّةً‭ ‬ومغلقةً‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الجاري،‭ ‬ناقش‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬التهديد‭ ‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬للأراضي‭ ‬التركية،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬حزب‭ ‬الشعب‭ ‬الجمهوري‭ ‬المعارض،‭ ‬أوزغور‭ ‬أوزال،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الجدل‭ ‬الواسع‭ ‬الذي‭ ‬أثاره‭ ‬تصريح‭ ‬للرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬نفسه،‭ ‬اعتبر‭ ‬فيه‭ ‬أنّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬تخطّط‭ ‬لاستهداف‭ ‬تركيا‭ ‬بعد‭ ‬لبنان‭ ‬وقطاع‭ ‬غزّة‭.‬

ليست‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان،‭ ‬التي‭ ‬حذّر‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬‮«‬غزو‭ ‬إسرائيل‭ ‬دمشق‮»‬،‭ ‬واستهدافها‭ ‬تركيا،‭ ‬المؤشّر‭ ‬الوحيد‭ ‬إلى‭ ‬تزايد‭ ‬قلق‭ ‬الساسة‭ ‬الأتراك‭ ‬من‭ ‬التطوّرات‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬إذ‭ ‬سبقتها‭ ‬زيارة‭ ‬ميدانية‭ ‬لقائد‭ ‬القوات‭ ‬البرّية‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬التركي‭ ‬سلجوق‭ ‬بيرقدار‭ ‬أوغلو‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‭ ‬السوري‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الشهر‭ ‬الجاري‭ (‬أكتوبر‭)‬،‭ ‬تفقّد‭ ‬فيها‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬التركية،‭ ‬التي‭ ‬أجرت‭ ‬أخيراً‭ ‬اختباراتِ‭ ‬جاهزيةٍ‭ ‬مكثّفةٍ‭ ‬وغير‭ ‬مُعتادة‭. ‬هناك‭ ‬تقديرات‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬سياسية‭ ‬تركية‭ ‬ترجّح‭ ‬احتمالات‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬مع‭ ‬تخوّف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يؤثّر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المصالح‭ ‬التركية،‭ ‬لذلك‭ ‬يحاول‭ ‬الساسة‭ ‬الأتراك‭ ‬استباق‭ ‬تفاقم‭ ‬الأوضاع،‭ ‬ومنع‭ ‬امتداد‭ ‬إرهاصاتها،‭ ‬عبر‭ ‬مساعٍ‭ ‬للتنسيق‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الإقليم،‭ ‬وخاصّةً‭ ‬مصر‭ ‬والسعودية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬استمرارهم‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬التقارب‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬وتطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬معه‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬أبدى‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬حرصه‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬أطراف‭ ‬محور‭ ‬المقاومة‭ ‬والممانعة،‭ ‬فحافظ‭ ‬طوال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬هدوء‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬باستثناء‭ ‬بعض‭ ‬المناوشات‭ ‬الصاروخية‭ ‬المحدودة‭ ‬للغاية،‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬مليشيات‭ ‬إيرانية‭. ‬

المشكلة‭ ‬في‭ ‬التقديرات‭ ‬التركية‭ ‬تعويلها‭ ‬على‭ ‬سوريا،‭ ‬وعلى‭ ‬روسيا،‭ ‬لاتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬حيال‭ ‬تهديدات‭ ‬إسرائيل‭ ‬باحتلال‭ ‬دمشق‭. ‬وهو‭ ‬تعويل‭ ‬متهافت‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬هجمات‭ ‬وتوغّلات‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬قابلها‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬بالصمت‭ ‬مع‭ ‬كلّ‭ ‬استهداف‭ ‬إسرائيلي‭ ‬للمواقع‭ ‬الإيرانية‭. ‬

أمّا‭ ‬الجانب‭ ‬الروسي،‭ ‬المعروف‭ ‬عنه‭ ‬تنسيقه‭ ‬العالي‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتواصل‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬طويلة،‭ ‬وفي‭ ‬أعلى‭ ‬المستويات،‭ ‬فقد‭ ‬أعاد‭ ‬انتشار‭ ‬قوّاته‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬السوري،‭ ‬وانسحب‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬عدّة،‭ ‬ولم‭ ‬يبدِ‭ ‬أيَّ‭ ‬اعتراض‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬سورية،‭ ‬ومنها‭ ‬توغّلها‭ ‬أخيراً‭ ‬في‭ ‬سورية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬اعتبرته‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬تركية‭ ‬بمثابة‭ ‬مؤشّر‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الموقف‭ ‬الروسي‭ ‬لصالح‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬سورية،‭ ‬ووصفته‭ ‬بأنّه‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬المصالح‭ ‬التركية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬تعويل‭ ‬الساسة‭ ‬الأتراك‭ ‬على‭ ‬تناقضات‭ ‬المواقف‭ ‬الأمريكية‭ ‬الروسية‭ ‬لم‭ ‬يثمر‭ ‬شيئاً

وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬على‭ ‬تحذيرات‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان،‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬حساباتها‭ ‬الداخلية‭ ‬التركية،‭ ‬فإنّ‭ ‬أعين‭ ‬حكومة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬تغادر‭ ‬الجنوب‭ ‬السوري،‭ ‬الذي‭ ‬تتمركز‭ ‬فيه‭ ‬مليشيات‭ ‬مرتبطة‭ ‬بإيران،‭ ‬وتتخوّف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تشكّل‭ ‬منطلقاً‭ ‬لاستهدافها‭. ‬وفيما‭ ‬تراقب‭ ‬إسرائيل‭ ‬الوضع‭ ‬فيها،‭ ‬فإنّها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تركّز‭ ‬أنظارها‭ ‬على‭ ‬شمال‭ ‬شرقي‭ ‬سورية،‭ ‬الذي‭ ‬يُعَدُّ‭ ‬بوابةَ‭ ‬عبور‭ ‬السلاح‭ ‬والمليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية،‭ ‬ثمّ‭ ‬إلى‭ ‬لبنان،‭ ‬لذلك‭ ‬وجّهت‭ ‬تحذيراً‭ ‬واضحاً‭ ‬من‭ ‬مغبة‭ ‬نقل‭ ‬الأسلحة‭ ‬الإيرانية‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬الله‭. ‬

{ كاتب‭ ‬صحفي‭ ‬سوري

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا