بدأ العد التنازلي النهائي للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 بين نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس، عن الحزب الديمقراطي، والرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب؛ حيث لم يتبق سوى فترة وجيزة قبيل تحديد أكثر من 150 مليون أمريكي هوية الرئيس القادم لبلادهم.
ومع إشارة صحيفة الجارديان، إلى مدى تقارب استطلاعات الرأي بين المرشحين، خاصة في الولايات المتأرجحة، الحاسمة التي ستحدد نتائجها الفائز؛ فقد حظيت أهمية النتيجة -في خضم صراعين رئيسيين في الشرق الأوسط- باهتمام المراقبين والخبراء والأكاديميين الغربيين. وتنتظر دول الشرق الأوسط معرفة كيف ستؤثر المنافسة بين ترامب، وهاريس، على علاقات أمريكا بها؛ وينطبق الشيء نفسه على دول مجلس التعاون الخليجي.
وعقب أربع سنوات من العلاقات المتوترة في أغلبها مع الإدارة الديمقراطية لجو بايدن؛ أشار حسين إيبش، من معهد دول الخليج العربية، إلى أنه في حين يمثل كلا المرشحين الرئاسيين بعض الاختلافات المحتملة المهمة بالنسبة إلى دول الخليج في مجالات التجارة، وأمن الطاقة، وانتشار الأسلحة النووية، والموقف تجاه إيران، وحقيقة كون السياسة الخارجية الأمريكية لا تختلف في الغالب كثيرًا من إدارة إلى أخرى، مقارنة بما تُشير إليه الخطابات أو الأيديولوجيات أو التوقعات العامة؛ فإنه من المتوقع استمرار العلاقات الاقتصادية والأمنية الحالية بين واشنطن، والخليج بغض النظر عن الشاغل القادم للمكتب البيضاوي.
وعند ترشح بايدن، لمنصب الرئيس عام 2020، تعهد حينها بإعادة تقييم علاقة بلاده بالسعودية، ما حدا بـفرانك جاردنر، من شبكة بي بي سي، إلى الكتابة –وقتها- عن مواجهة دول الخليج واقعًا جديدًا، يُنذر بتغير في العلاقات التاريخية مع البيت الأبيض
. وفي 2024، لم تُدل هاريس، ولا ترامب، بأي تعليقات من هذا القبيل حول مستقبل علاقات الولايات المتحدة مع أي دولة خليجية.
وفي رده على هذا السؤال، أوضح إيبش، كيف أن الاستمرارية العامة للسياسات المتبعة عادة ما تكون أكثر شيوعا من التغيير، في عملية انتقال السلطة بين إدارات البيت الأبيض -سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية- لأن القادة الأمريكيين يرثون نفس التحديات الأساسية والخيارات السياسة المحتملة، وفي حالة انتخابات هذا العام -التي تهيمن على أجوائها حروب إسرائيل في غزة ولبنان- لم يصدر عن أي من المرشحين إشارة عن تغيير أو تخلٍ بشكل أساسي عن الشراكة، التي حددت العلاقات بين واشنطن والخليج.
وفيما يتعلق بكيف ستؤثر سياسات الطاقة التي ينتهجها ترامب، وهاريس، على العلاقات بين الولايات المتحدة والخليج، مع دفع الجولة الأخيرة من التصعيد بين إسرائيل وإيران سعر برميل النفط إلى ما يقرب من 80 دولارًا، وتوقع بنك جولدمان ساكس، أن تظل الأسعار في نطاق 70-85 دولارًا حتى 2025؛ سجل إيبش، كيف يُتوقع من كلا المرشحين الضغط من أجل خفض الأسعار، من خلال زيادة حصص إنتاج أوبك بلس، التي تعد دول الخليج أبرز أعضائها. هذا على الرغم من تأجيل المنظمة لزياداتها التي كان مخطط لها في سبتمبر 2024 لدعم تدهور الأسعار، وخفض توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط بأكثر من 100 ألف برميل يوميًا، مدفوعًا في المقام الأول بانخفاض الطلب من الصين.
وبالحديث عن آلية حدوث ذلك، أوضح إيبش، إمكانية أن يكون ترامب أكثر عدوانية من هاريس، بشأن سياسة النفط تجاه أوبك، وذلك بالنظر إلى الطريقة التي سعت بها إدارته السابقة إلى الهيمنة على سوق الطاقة العالمية، لكنه أثار أيضًا كيف أن تحفظ الجمهوريين عن انتقاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، علنًا قد ينطوي على قدر أكبر من التسامح، بشأن التنسيق بين موسكو، والرياض، حول مستويات إنتاج أوبك بلس.
وفي مجال الطاقة، يُلح سؤال آخر حول رد الولايات المتحدة، على التعاون النووي المدني في الخليج. وأوضح روبرت إينهورن، من مؤسسة بروكينجز، أن الاتفاق النووي المدني بين واشنطن والرياض، يمكن أن يخدم الأهداف التجارية للأخيرة، ويساعد في تنشيط الصناعة النووية الأمريكية، وسجل كيف استجاب بايدن بشكل إيجابي، لمثل هذا الطرح أثناء فترة ولايته. ومع ذلك، ورغم أن صحيفة فاينانشال تايمز، ذكرت في مايو 2024 أن الاتفاق قريب، فإنه حتى أكتوبر لم يتحقق هذا الاتفاق بعد. ومع تركيز البيت الأبيض على أمور أخرى، يبدو أن الأمر ستحسمه الحكومة المقبلة. ولم تُصدر هاريس، أي تعليق بشأن هذه المسألة، في حين توقع إيبش، أن ترامب، سيبدو أكثر انفتاحا، من منافسته بشأن اتفاق لتطوير الطاقة النووية السعودية؛ وإن كان بشرط أن يكون هذا مربحا للشركات الأمريكية، ويساعد في تأمين أسعار أقل للنفط.
وفي مجال الجغرافيا السياسية والأمن الإقليمي، فإنه مع دعم الولايات المتحدة، القوي حاليًا لحروب إسرائيل في غزة ولبنان، وتزويد حكومة نتنياهو، اليمينية المتطرفة بالوسائل العسكرية لمهاجمة إيران؛ أكد كل من ترامب، وهاريس، التزامهما بالإبقاء على الوضع القائم، وحاولا تقديم نفسيهما كخيار أكثر دعمًا لإسرائيل.
وفيما يتعلق بتقدم إيران النووي، فمع إشارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلى نوع من الانفتاح لاستئناف المفاوضات النووية مع الدول الغربية مقابل تخفيف العقوبات؛ اقترح إيبش، أن إدارة أمريكية قد تقودها هاريس، وقد تستكشف بجدية ما هو ممكن في هذا الملف، تمامًا كما فعل بايدن بعد انتخابه في 2020. أما في حالة ترامب -الذي وصف الاتفاق النووي لعام 2015 بأنه أسوأ اتفاق في التاريخ- فإن العودة المتوقعة إلى حملة الضغوط، والعقوبات والعزلة الاقتصادية ضد طهران؛ ستبدو أمرا متوقعا يُستبعد معه أي طريق دبلوماسي. ومع ذلك، أشار الباحث إلى أن نمط سياسة الرئيس السابق الخارجية القائمة على إبرام الصفقات، قد يعني أن طموحاته قد تدفعه إلى أخذ مسألة إبرام اتفاق نووي إيراني جديد، على محمل الجد.
وأشار إيبش، إلى أن أي مفاوضات مستقبلية بين الولايات المتحدة، وإيران، ستمنح دول الخليج، فرصة أفضل لضمان إدراج قضية شبكات المليشيات الإيرانية في تلك المفاوضات. يأتي ذلك في ظل دعم طهران، لحزب الله، ما أدى إلى مواجهتها المباشرة مع إسرائيل، وبالتالي مع واشنطن أيضًا. ومع ذلك، فإن التصعيد القائم بين إسرائيل، وإيران، يجعل من غير المتوقع أن تتراجع الأخيرة عن دورها الإقليمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية -سواء بدعم أمريكي ضمني، أو مباشر- سيقضي على أي فرص لمفاوضات جديدة، بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، وقد يدفع طهران إلى تسريع برنامجها النووي لاستعادة قوة الردع.
وفيما يتعلق بجماعة الحوثيين في اليمن، رأى إيبش، أنه نظرًا إلى زيادة هجماتهم ضد الشحن التجاري في البحر الأحمر خلال العام الماضي؛ فإنه من غير المرجح أن تقوم هاريس، أو ترامب، بإزالة الحوثيين من قائمة الخارجية الأمريكية، للمنظمات الإرهابية العالمية، والتي تمت إضافتهم إليها مجددًا في يناير2024.
وتشير التحليلات إلى أن أبرز الفروق بين المرشحين، التي قد تؤثر على دول الخليج، بدءًا من يناير 2025، تتعلق بـقابلية التنبؤ والمواقف تجاه الشراكات التقليدية. ويشير إيبش، إلى أن نائبة الرئيس الديمقراطية تعكس نهجًا أمريكيا تقليديا، يتميز بالاستمرارية والسياسات الواضحة، مما قد يوفر درجة أكبر من الموثوقية في العلاقات مع دول الخليج. وفي المقابل، يتميز نهج الرئيس السابق بأنه شخصي للغاية، مما يؤدي إلى عدم قابلية التنبؤ بسلوك الولايات المتحدة على الساحة الدولية.
وبينما وثق مجلس العلاقات الخارجية، كيف أن هاريس، مثل بايدن، قد وضعت نفسها كمؤيدة قوية للتعاون المتعدد الأطراف؛ إلا أن هذا الدعم لم يمتد حتى الآن إلى أكثر من حلف شمال الأطلسي، وتبني استراتيجية أمريكية محدثة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ودعوة لزيادة المشاركة الأمريكية في إفريقيا، من دون أي إشارة إلى شراكات أو اتفاقات أمنية مستقبلية في الشرق الأوسط. ومع عدم وجود اتفاق دفاعي رسمي بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي وواشنطن، أشار إيبش، إلى أن لديهم قليلا من المخاطر المرتبطة بميول ترامب الانعزالية.
ومع ذلك، فإن غياب هذه الالتزامات الرسمية، بجانب وجود رئيس أمريكي يتبنى نهج الصفقة، لا يضمن دائمًا تحقيق فوائد. فقرار ترامب بعدم الرد على هجمات إيران بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد السعودية في عام 2019، يبرز كيف أن القادة الأجانب غير القابلين للتنبؤ قد يتخذون قرارات بالتخلي عن الالتزامات بدلاً من الالتزام بها، إذا اعتبروا ذلك يتعارض مع مصالحهم الوطنية.
على العموم، لا يوجد تفضيل واضح لدول الخليج بين رئاسة ترامب، أو هاريس، بعد بايدن، نظرًا إلى أن كل منهما يحمل إيجابيات وسلبيات محتملة. وبغض النظر عما إذا كان البيت الأبيض المقبل سيقوده ديمقراطيون أو جمهوريون، فإن معظم جوانب العلاقة مع واشنطن، ستظل غير متنازع عليها، حيث ستستمر الديناميكيات الاقتصادية والأمنية بين الطرفين؛ لأنها تعكس مصالح قوية لكلا الجانبين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك