انخرط الشرق الأوسط خلال العام الماضي وحتى الآن في صراعات عنيفة ومتصاعدة على نحو متزايد، ما حث المراقبين الغربيين على التحذير مرارًا من التهديدات الخطيرة التي تجابه قطاع إنتاج الطاقة وتصديرها. فقد سجل كيث جونسون مراسل في مجلة فورين بوليسي، كيف ساد الارتباك أسواق النفط العالمية بشكل عام، من ضعف الطلب بالاقتصادات المتقدمة ونمو الصادرات النفطية من المنتجين خارج دول أوبك؛ ما ترك أثره في النهاية على دفع الأسعار إلى ما دون 70 دولارًا للبرميل في سبتمبر 2024، وهي المرة الأولى منذ قرابة ثلاث سنوات.
ومع أحدث حالة من التصعيد - بغزو إسرائيل لبنان وتهديدها بالرد على إيران بمهاجمة منشآتها النووية أو النفطية - فقد رأى جونسون أن أزمة الشرق الأوسط قد هزت أسواق الطاقة بقوة؛ إذ ارتفعت كلفة مبيعات النفط الدولية بنحو 10% لتغلق بالقرب من 80 دولارًا للبرميل، بينما ظل سعر خام برنت أعلى من 77 دولارًا للبرميل، مع بقاء نظيره الأمريكي خام غرب تكساس الوسيط عند أكثر من 74 دولارًا للبرميل بقليل، في حين تنتظر المنطقة الهجوم الإسرائيلي المسلح المتوقع وتداعياته.
فمع تصريح بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن إيران ستدفع ثمن خطئها الكبير بإطلاق دفعة ثانية من الصواريخ الباليستية على بلاده في الأول من أكتوبر 2024، وإصرار وزير دفاعه يوآف جالانت على أن الرد سيكون قاتلًا ومفاجئًا؛ دق المراقبون الغربيون ناقوس الخطر من أن منشآت طهران النووية أو النفطية قد تكون هدفًا لضربة مسلحة إسرائيلية عنيفة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع حتى تصل إلى دورة تصعيد تلو التصعيد بلا انقطاع على حد وصف أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة.
وأكد د. نيل كويليام زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى المعهد الملكي للشؤون الدولية تشاتام هاوس، أن الرد الإسرائيلي سيكون مقصودًا بإلحاق الأذى بالنظام الإيراني والتأثير على اقتصاد البلاد قدر الإمكان، كما سلطت د. بورجو أوزتشيليك من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، الضوء على أن صناعة إنتاج وتصدير النفط في إيران على الرغم من كونها شريان الحياة الاقتصادية، فإنها أيضًا نقطة ضعف يُمكن لإسرائيل مهاجمته لتوجيه ضربة قوية ضد اقتصاد خصمها. ومع ذلك، فقد اعترفت أوزتشيليك بأن مهاجمة دولة يمثل إنتاجها حوالي 4% من النفط العالمي قد يخلف تأثيرًا متتاليًا خطيرًا على بقية السوق لأنه سيؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار فضلًا عن تهديد اضطرابات شديدة في سلسلة إمدادات الطاقة ذات التأثير العالمي.
ولم تخفف واشنطن من المخاوف المطردة؛ حيث أخفقت حكومتها في تقديم ضمانات بأن حكومة نتنياهو لن تنفذ تهديداتها السابقة. واستشهد جونسون بكيفية ارتفاع سعر خام برنت بأكثر من 5% إلى ما يقرب من 78 دولارًا للبرميل بعد دقائق من تصريح جو بايدن في 3 من أكتوبر بأن إدارته تتناقش مع الإسرائيليين بشأن ردهم المحتمل على إطلاق الصواريخ الإيرانية، وإعلانه لاحقًا رفضه القاطع لفرضية شن هجوم على منشآت النفط في طهران. وعلى مدار الأسبوع المنتهي في 6 أكتوبر، ارتفعت تكلفة خام برنت بنسبة 8.43% (وهي أكبر زيادة له منذ يناير 2023)، وارتفع خام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 9%، في أكبر مكسب له منذ مارس 2023. وعلى إثر ذلك، كرر بايدن محاولاته غير الناجحة في تهدئة الأوضاع من خلال تصريحاته بأنه يمارس ضغوطًا على الحكومة الإسرائيلية للتفكير في خيارات أخرى بدلًا من ضرب حقول النفط الإيرانية.
ورغم أن شون ماثيوز من موقع ميدل إيست آي أفاد بأن المسؤولين في طهران أرسلوا ناقلتي نفط عملاقتين إلى محطة تحميل النفط الرئيسية في جزيرة خرج الإيرانية، حيث يتم نقل 90% من صادرات إيران، بعد إجلائها في أعقاب تهديد إسرائيل بالانتقام، فإن جيم كرين من معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، هو من بين العديد من المراقبين الذين أكدوا أنهم غير مرتاحين الى القول بأن الهجوم الإسرائيلي على منشآت النفط قد تم تفاديه، وخاصة مع وصف الجنرال في الحرس الثوري رسول سنيراد لأي هجوم على الأصول النفطية الإيرانية بأنه خط أحمر، فإنه في حال حدوث مثل هذا الهجوم -بموافقة أمريكية إن لم يكن بمساعدة مباشرة- يتوقع المراقبون أن تكون العواقب على سوق الطاقة العالمية واسعة النطاق وملحوظة للغاية.
وأشار آلان جيلدر نائب رئيس أسواق النفط في شركة وود ماكنزي، إلى ان أسوأ السيناريوهات في هذا السياق هو إغلاق مضيق هرمز بواسطة السفن الحربية الإيرانية، وفي تحليل فرزان ثابت باحث لدى معهد جنيف للدراسات العليا، يمكن لطهران أن ترد على ضرب منشآتها النفطية بممارسة الضغط على نقاط المرور المهمة مثل مضيق هرمز، وبالتالي تهديد نقل قرابة 20% من الطلب العالمي اليومي. وقد أقر ثابت بأن هذا الإجراء سيتسبب في اضطراب كبير في صادرات النفط والغاز الإقليمية بالشرق الأوسط، ومن ثم يكون له تأثير مادي كبير على الاقتصاد العالمي.
كما أن تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تشير إلى أن 3.5 ملايين برميل من النفط يوميًا هي فقط التي يمكن تحويلها عبر خطوط الأنابيب بعيدًا عن ممرات الخليج العربي، وعليه أوضح بيارني شيلدروب كبير محللي السلع الأساسية في بنك إس إي بي السويدي، أن هذا السيناريو قد يؤدي إلى ارتفاع سعر خام برنت بشكل قياسي؛ مما يعود بالنفع في الغالب على أعضاء أوبك بلس غير الخليجين والمنتجين الرئيسيين غير الأعضاء في أوبك.
حتى في حال تجنب هذا السيناريو الأسوأ، فإن تداعيات الصراع بين الطرفين الذي يهدد معدلات إنتاج الطاقة وتصديرها في الشرق الأوسط ستظل كبيرة. فلقد أشار ثابت إلى أن المستهلكين الغربيين سوف يشعرون بارتفاع الأسعار حتمًا، ولكن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية واحتلال المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس الصدارة بفارق ضئيل عن الجمهوري دونالد ترامب بنسبة (49% إلى 46%)، يرى كبير محللي خدمة معلومات أسعار النفط دينتون سينكويجرانا بأن الناخبين يستخدمون أسعار البنزين كمقياس لقوة الوضع الاقتصادي، وعليه فإن إدارة بايدن لا تريد أن تثير حفيظة السائقين الأمريكيين قبل الانتخابات بارتفاع التكاليف؛ حيث سيلعب هذا دورًا كبيرًا في صالح الجمهوريين في 5 نوفمبر.
وبالإضافة إلى الآثار الاقتصادية والسياسية المحتملة على الغرب، أشار ثابت بأن تعطيل صادرات النفط في الشرق الأوسط سيكون له أثر كبير على الاقتصاد الصيني أيضًا نظرًا لاعتماده على النفط الخام من المنطقة. وقد أوضح كيث برادشر من صحيفة نيويورك تايمز أن بكين هي حاليًا المشتري لأكثر من 90% من صادرات النفط الخام الإيرانية لأنها رخيصة، وتباع بخصومات كبيرة عن الأسعار العالمية بسبب العقوبات.
ورغم ذلك شبه محلل السلع في سنغافورة أليكس تيرنبل التأثير على الصين بـ كابح السرعة بسبب سوقها المتنامي في تطوير إنتاج الطاقة المتجددة فضلًا عن كونها قادرة على استبدال طهران بإمدادات أخرى في الشرق الأوسط – بما في ذلك دول الخليج العربي – إذا تم تقييد تدفق منتجات الطاقة من مضيق هرمز نتيجة لمزيد من المواجهات العنيفة المباشرة بين إسرائيل وإيران. كما أنه لدى دول شرق آسيا القلق ذاته من منظور عالمي.
على العموم، يبقى السؤال الكبير التالي هو ما الذي ستفعله الحكومة الإيرانية للرد على حكومة نتنياهو وداعميها المستمرين في الغرب حال حدوث تلك الضربة على جزيرة خرج؟ بلا شك سيكون إغلاق مضيق هرمز هو الخيار النووي للمرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي، وذلك يعني وفقًا لماثيو ريد رئيس شركة فورين ريبورتس، إعلان حرب على الاقتصاد العالمي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك