بعيدا عن متاهات السياسة ودهاليزها، ومنغصات الاقتصاد ومضارباته المالية، ومعاركه السياسية الناعمة أو الخطيرة على حالة الاستقرار والسلام، فإن للثقافة وجها حضاريا واضح المعالم جميل الأداء متنوعا بأشكاله الفنية والأدبية والثقافية والسياحية الإبداعية التي تتشكل منها، لا تتخفى وراء ستاره متناقضات مغايرة للواقع، بل وراء ستاره الجميل صور ولوحات واستعراضات جميلة لفنانين وعارضات وعارضين عندهم قصة ثقافة وطن.
ذلك أن مفهوم الثقافة يعني نظافة العقول والبيئة، وعمق الحضارة والتاريخ في القدم، بل هو رسالة السلام التي غالبا ما تعصف بها رياح السياسة والاقتصاد، وتبدد جمالها وتلوث نقاوة النفوس.
في الأسبوع الثقافي العراقي الذي احتضنته قاعة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» بتونس مؤخرا، تنوعت فقراته بين اللقاءات الرسمية وتوقيع الاتفاقيات الثقافية والسياحية واللقاءات بمختلف القطاعات التي تتشكل منها المنظمة العربية المذكورة، وهي بمثابة اليونسكو العربية، وكانت وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية حاضرة بوزيرها الأستاذ الدكتور احمد فكاك البدراني، والوكيل الثقافي للوزارة ومدير عام العلاقات الثقافية ورئيس هيئة الآثار والتراث، ومدير عام الفنون العامة، ووفد يتجاوز 80 شخصا، وفرق فنية تنتمي الى الدار العراقية للأزياء، والفنون العامة، وفرق تراثية ضمن وعاء دائرة الفنون الموسيقية.
وبالمقابل، فإن المدير العام لمنظمة الألكسو د. محمد ولد أعمر ومسؤولي القطاعات التابعة لها كانوا في تواصل تام، ومواكبة لكل الفعاليات التي قدمتها الفرق الفنية والثقافية العراقية، ويقينا كانت إدارة الدكتور ولد أعمر في قمة النجاح والشعور بالمسؤولية للمنظمة العربية «ألكسو» التي جعلتها تستحق وصف «بيت العرب، تربويا، ثقافيا، وعلميا».
العراق أثبت عبر وزارة الثقافة والسياحة والآثار أنه القادم بقوة لممارسة دوره الثقافي والسياحي في المحافل الدولية، وجسد بالملموس أن ثقافته جسر إنساني بركائز متينة تختلف عن غيرها، كونها ثقافة موغلة بالقدم، تتقاسم فيه أشكال التنوع الثقافي مساحات من الإبداع والانجاز الحضاري وعلى امتداد جغرافيته، ثقافة تنتمي الى حضارات منحت البشرية أصول النظام والعمل بالقانون، واستخدام العجلة، والتعامل الفكري عبر الحرف.
هذه الثقافة العريقة احتضنتها قاعات وجنبات بناية منظمة الألكسو بتونس وأظهرتها لوحات الدار العراقية للأزياء في عروض سومرية، وأكدية وبابلية وآشورية، إضافة إلى حضارة الحضر بنينوى، بعروض مبهرة بجمالها وذوقها عن التراث غير المادي لبلاد وادي الرافدين ولحقب زمنية لاحقة منها القباب البغدادية والمآذن والطقوس وعصور بغداد الثقافية المختلفة.
وليس ببعيد عن الأزياء التي أنعشت أذواق الجمهور التونسي والعربي المتنوع والمثقف الذي غصت به قاعة «الالكسو» من بينها فقرة الفنان الكبير لطفي بوشناق الذي ألقى قصائد استحضرت هيبة العراق في تاريخه وحاضره، وعظمة فلسطين ونبذ مجازر الصهاينة تجاه الشعب الفلسطيني الأصيل.
كلامٌ سمعناه كثيرا أن العرب بحاجة إلى العراق أن ينهض ثقافيا من جديد بعظمته وفنه وثقافته وقيمته المعروف بها في إرثه الحضاري العميق بإنسانيته، ولكن قبل رغبة هذا وذاك من عشاق الثقافة، فإن البشرية عامة بحاجة الى العراق كونه بلد العجائب والغرائب، بلد ألف ليلة وليلة، مهد لعدد من الديانات والرسالات السماوية، بلد فيه بغداد كانت حاضرة الدولة العباسية، قصدها طلاب العلم والمعرفة من كل مكان لطلب العلم والثقافة، ونيل الوعي الذي من خلاله يتم بناء الانسان والمجتمع، وكما يقول نيلسون مانديلا «لا يوجد بلد يمكن أن يتطور حقا، ما لم يتم تثقيف مواطنيه».
في حفل ختام الأسبوع الثقافي العراقي كان الحضور مميزا بأنه عربي دولي بامتياز، فالسلك الدبلوماسي العربي في غالبيه كان حاضرا، وأيضا سفراء أجانب منهم من كان يجلس بجانبي وهو السفير التركي بتونس، كبار المثقفين والأدباء والشعراء والفنانين العرب كانوا ضمن متذوقي الثقافة بنكهتها العراقية.
لقد صفق الجميع مرارا بحرارة للعراق وبغداد، وبعضهم عندما حضر ملوك السومريين والبابليين والآشوريين والحضر بهيبة شخصياتهم وبأزيائهم الجميلة وأصواتهم المضخمة، ذرفت دموعه متذوقا معنى الحضارة والتاريخ، وبعض منهم من صاح (هذا العراق، هذا العراق العظيم).
{ أكاديمي إعلامي عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك