مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في 5 نوفمبر 2024 بين المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس الحالية «كامالا هاريس» والرئيس السابق الجمهوري «دونالد ترامب» عادت وسائل الإعلام والمحللون إلى التركيز على محاولات القوى الأجنبية للتأثير على النتائج لصالحها. فقد اتهم المدعي العام الأمريكي «ميريك غارلاند» مؤخرًا حكومة «فلاديمير بوتين» الروسية ومؤسسة «آر تي» الإعلامية بالقيام بحملة تضليل موجهة ضد الناخبين، بينما أكد وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلينكن» أنه رأى أدلة على محاولات صينية للتدخل في الانتخابات.
ولكن التركيز على روسيا والصين أغفل الدور الأكثر تأثيرًا الذي تلعبه إسرائيل، والذي تمثله كلمات وأفعال رئيس وزرائها «بنيامين نتنياهو». وعلق «مارك ألميند» مدير معهد أبحاث الأزمات في أكسفورد، بأن نتنياهو يقود بلاده في «حرب على خمسة جبهات» منذ أكتوبر 2023، بينما ينخرط أيضًا في «جبهة سادسة» تتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي تعتبر «الأهم» لتحديد مستقبله السياسي. ففي ظل استمراره بالتصعيد مع إيران فضلًا عن غزوه للبنان، وتجاهله المتكرر لنداءات إدارة «بايدن» بوقف إنساني فوري لإطلاق النار في غزة، تم اعتبار تلك التصرفات كمحاولة لتوجيه التأييد الانتخابي نحو «دونالد ترامب»؛ حيث أشار السيناتور الديمقراطي «كريس ميرفي» إلى أن هناك علاقة واضحة بين أفعال إسرائيل والانتخابات الأمريكية.
لقد أصبح نتنياهو «فاعلا سياسيا» في الولايات المتحدة من خلال خطاباته أمام الكونغرس وظهوره المتكرر في وسائل الإعلام الأمريكية فبات لديه القدرة على التأثير في الرأي العام بطريقة غير مسبوقة بالنسبة لزعيم أجنبي. ومع إدراكه لدعم الحزب الجمهوري القوي له يعتبر أنه «ليس غريبًا» أن يقوم نتنياهو بتجاهل الدبلوماسية المطروحة من بايدن» لتحقيق مصالحه وطموحاته؛ إذ أشار «ميرفي» إلى كيف كانت سياسة «ترامب» في الشرق الأوسط بين 2017 و2021 تقوم على تنفيذ «قائمة مهام نتنياهو» بشكل أساسي، بدءًا من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلى الاعتراف بهضبة الجولان كأرض إسرائيلية، إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما يسهل رؤية لماذا تريد الحكومة الإسرائيلية أن يعود ترامب إلى البيت الأبيض؟
وردًا على أسئلة الصحفيين في شأن مخاوف السيناتور «ميرفي» قال بايدن: «لا أعلم ما إذا كان نتنياهو يحاول التأثير على الانتخابات، لكنني لا أعد بذلك». وقد أظهر جوابه ذاك نقصًا في السيطرة الأمريكية على إسرائيل. وقد أكدت تعليقاته حول الهجوم العسكري المتوقع ضد إيران بسبب إطلاق الصواريخ في 1 أكتوبر على ذلك العجز؛ إذ لم يستطع «بايدن» إلا أن يشير إلى أن حكومته ستقوم «بمناقشة هذا مع الإسرائيليين «عندما يتخذون قرارًا حول كيفية الاستجابة»، مضيفًا «بأنني إذا كنت في موضعهم، فسأفكر في بدائل أخرى غير ضرب حقول النفط».
وخلافًا لذلك، رأى «غريغوري ج. والانس» المدعي الفيدرالي السابق، بأنه لا يمكن القول بأن «نتنياهو» اختار هذا الوقت لزيادة العنف في الشرق الأوسط للتأثير على الانتخابات وتوجيه نتيجتها ضد الديمقراطيين، وذلك لأن مثل تلك الادعاءات تتجاهل كيف أن إدارة «بايدن» بما في ذلك نائبته «هاريس» قد استجابت لأفعاله المدمرة بمقاومة محدودة. ففي العام الماضي منذ بداية الحرب في غزة، أرسلت الولايات المتحدة ما يقرب من 18 مليار دولار من الدعم العسكري، كما انتقدت مراجعات «المحكمة الدولية» و«محكمة الجنايات» حول الجرائم الإسرائيلية. وقد تساءل «والانس» حول تلك الادعاءات مشيرًا إلى تصريح «بايدن» نفسه بأن «لا إدارة أمريكية ساعدت إسرائيل أكثر مما ساعدتها إدارته الحالية».
ومع استمرار هذا الدعم يجب تسليط الضوء على استطلاعات الرأي حول التقدم الديمقراطي في السباق الانتخابي؛ حيث تعكس النسب الصادرة عنها إخفاقات السياسات الأمريكية الحالية في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. فوفقًا لـ «غاريث إيفانز» من بي بي سي، فإن هزائم الديمقراطيين في الولايات المتأرجحة قد تعود بشكل رئيسي إلى خيبة أمل الناخبين العرب الأمريكيين من تأمين اتفاق دبلوماسي بما يؤثر سلبًا على بايدن وهاريس، وتلك الهزائم هي الأكثر احتمالًا لتصبح السبب في عودة «ترامب» إلى الإدارة في يناير 2025.
إذ أشار «إيفانز» إلى أن نسبة تأييد بايدن بين العرب الأمريكيين قد «تدهورت بشكل كبير» على مدار العام، وأظهر استطلاع أكتوبر 2024 الذي أجراه المعهد العربي الأمريكي تحولًا ملحوظًا في التأييد لصالح «ترامب» بنسبة 46% مقابل 42% لهاريس. وقد رأى «ديفيد أ. دوليو» أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوكلاند، أن «تحولًا صغيرًا في دعم المجتمع قد يؤثر بشكل كبير على النتيجة النهائية»، مؤكدًا وجود «أكثر من 200,000 عربي أمريكي في ميشيغان وحوالي 100,000 في جورجيا»، وهما ولايتان رئيسيتان فاز بهما الديمقراطيون بأعداد قليلة من الأصوات في 2020. وإذا كان التصويت غير المتعهد لصالح بايدن في الانتخابات التمهيدية مؤشرًا على نوايا تصويتهم، فقد تكون نائبته في طريقها إلى خسارة 31 صوتًا مهمًا من المجمع الانتخابي لصالح منافسها.
ووجد استطلاع رأي المعهد العربي الأمريكي أنه إذا طلبت هاريس على الفور وقفًا لإطلاق النار، وتقديم مساعدات إنسانية بلا قيود إلى غزة، وهددت بوقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، فإن نسبة تأييدها بين العرب الأمريكيين سترتفع إلى 60% وتأخذ ثلث دعم الناخبين الحاليين. ومع ذلك، لم تقدم المرشحة الديمقراطية أي مؤشر على أنها ستقوم بتحول حازم في السياسة عن بايدن. وعلى الرغم من أن «جوانا والترز وليوني تشاو-فانغ» من صحيفة الجارديان، قد أشارا إلى أنها قد «تحدثت بشكل أكثر حزمًا لطلب وقف إطلاق نار فوري في غزة وأدانت قتل المدنيين»، إلا أن «والانس» أكد أنها لا تزال «تدعم باستمرار» حرب إسرائيل «ولم تقترح أبدًا تقليل الدعم العسكري الأمريكي إذا تم انتخابها». وفي ظل ذلك أعرب السيناتور «ميرفي» عن قلقه من أن نتنياهو «يراقب الانتخابات الأمريكية أثناء اتخاذه لقراراته العسكرية»، مشيرًا إلى أن الحكومة الإسرائيلية لن توقع أي اتفاق دبلوماسي قبل إجراء الانتخابات.
على العموم، فإن إسرائيل تمثل «مشكلة سياسية» للحزب الديمقراطي «ليس بسبب نتنياهو» ولكن لأن البيت الأبيض ورئيسه الديمقراطي قد حافظا على «تدفق ثابت من الأسلحة التدميرية» إلى إسرائيل لاستخدامها ضد غزة ولبنان، بينما يطالبها في الوقت نفسه «بالتصرف بحذر والبحث عن وقف لإطلاق النار بدلًا من استخدام تلك الأسلحة». إن حقيقة أن هاريس تسجل حاليًا 18 نقطة مئوية أقل مما حققه بايدن بين الناخبين العرب الأمريكيين في انتخابات 2020 تدل على أن الديمقراطيين قد يخسرون الانتخابات المقبلة. وكما أشار «والانس» يجب على قيادة الحزب أن تكون أكثر قلقًا بشأن «سياساتها المتناقضة في الشرق الأوسط بدلاً من التفكير في «خطة نتنياهو» لتنصيب ترامب رئيسًا أمريكيًا؛ حيث يجب عليها أن تدرك أن تلك السياسات «قد تكون العائق الأكبر أمام فوزهم في انتخابات 5 نوفمبر 2024.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك