مع حلول شهر أكتوبر من كل عام، تزين الشرائط الوردية واجهات المحلات والمراكز التجارية لتصبح رمزا عالميا للتوعية بسرطان الثدي، هذا الرمز البسيط يحمل في طياته رسالة أمل وشجاعة للنساء في كل مكان.
تعود قصة هذه الشريطة الوردية إلى عام 1992، عندما أطلقت الناشطة إيفلين لاودر العضوة في عائلة إستيه لاودر الشهيرة في مجال مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة، جنبا إلى جنب مع جمعيات مكافحة السرطان، حملة لتوزيع الشرائط الوردية كرمز للتوعية بالمرض.
هذه الشريطة لم تكن مجرد قطعة قماش بسيطة، بل كانت رمزا قويا يذكر النساء في كل مكان بأهمية الكشف المبكر وضرورة الدعم المجتمعي.
ومع مرور الوقت، أصبح شهر أكتوبر معروفا بأنه شهر التوعية بسرطان الثدي، حيث تشهد دول العالم حملات واسعة تهدف إلى نشر الوعي بأهمية التشخيص في المراحل الأولى من المرض. تشير الإحصائيات إلى أن الكشف المبكر يسهم بشكل كبير في زيادة فرص الشفاء، إذ يمكن أن تصل نسبة النجاة إلى أكثر من 90%، يعد التصوير الشعاعي للثدي (الماموغرام) أحد أبرز وسائل التشخيص المبكر، ويؤدي دورًا حاسما في اكتشاف الورم قبل تطوره.
في البحرين، تشجع حملة «اطمئنان» الكشف المبكر عن سرطان الثدي، وذلك من ضمن جهود متميزة مستمرة للجهات الصحية في المملكة لتعزيز الوعي وتشجيع الفحص الدوري.
رغم الفوائد الواضحة للفحص المبكر، تواجه بعض النساء في الدول النامية تحديات تعيق وصولهن إلى الرعاية الصحية الضرورية. بسبب نقص الموارد الصحية لديهم، البنية التحتية الضعيفة، وصعوبة الوصول إلى الأجهزة الطبية المتقدمة.
إن الفقر يعد أحد العوامل التي تقلل من إمكانية الحصول على الفحص المناسب، في حين تقف بعض الأعراف الاجتماعية عائقا أمام النساء في بعض المجتمعات للتحدث عن مشكلاتهن الصحية أو السعي إلى الحصول على المساعدة.
إلى جانب الفحوصات الطبية، يشهد الطب الحديث تطورًا ملحوظا في مجال الكشوفات الجينية التي تساعد في تقييم المخاطر الوراثية للإصابة بسرطان الثدي.
من الأمثلة الشهيرة في هذا المجال تجربة الممثلة والناشطة الإنسانية أنجلينا جولي.
في عام 2013، وبعد اكتشاف الطفرة الجينية BRCA1 التي رفعت من خطر إصابتها بسرطان الثدي بنسبة 87%، اتخذت قرارًا جريئا بإجراء عملية استئصال وقائي للثدي.
قصتها أسهمت في تسليط الضوء على أهمية الفحوصات الوقائية، وألهمت النساء حول العالم لاتخاذ قرارات صحية مستنيرة.
بالإضافة إلى القرارات الوقائية والطبية، لا يمكن إغفال أهمية الدعم العاطفي والاجتماعي في هذه المعركة. المرأة التي تخوض هذه التجربة تحتاج إلى مساندة معنوية قوية من الأهل والأصدقاء والمجتمع، حيث يلعب الدعم النفسي دورًا محوريا في تحسين جودة حياتها وتعزيز معنوياتها خلال فترة العلاج.
تقدم العديد من المنظمات العالمية مثل الجمعية الأمريكية للسرطان ومؤسسة سوزان ج. كومن برامج دعم نفسي واجتماعي للنساء، تشمل جلسات استشارية فردية ومجموعات دعم، مما يسهم في تقليل الشعور بالعزلة الذي قد يصاحب المرض.
اتباع نمط حياة صحي أيضا يمثل جزءًا مهما من الوقاية ضد سرطان الثدي. ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول الأغذية الغنية بمضادات الأكسدة، وتجنب العادات الضارة مثل التدخين، كلها عوامل تسهم في تقليل مخاطر الإصابة بعديد من الأمراض، بما في ذلك سرطان الثدي. تشير الدراسات إلى أن النساء اللواتي يتبعن نمط حياة صحيا يتمتعن بصحة عامة أفضل وتقل فرص تعرضهن للأمراض.
كذلك فإن الفحص الذاتي الشهري للثدي يعتبر وسيلة إضافية فعالة تستطيع كل امرأة القيام بها في منزلها، ويتيح لها مراقبة أي تغيرات غير طبيعية في جسمها.
ينصح الخبراء بأهمية دمج هذا الفحص الذاتي كجزء من الروتين الصحي الشهري، مع التوجه إلى الطبيب في حال ملاحظة أي تغيرات.
بينما نحتفل بشهر أكتوبر كفرصة لنشر الوعي بسرطان الثدي، يجب ألا يكون هذا الجهد موسميا فقط. إن نشر الوعي المستمر حول الفحص المبكر، والدعم النفسي، واتباع نمط حياة صحي هو رسالة تستحق أن تكون جزءًا من حياة كل امرأة على مدار العام.
في هذا العالم الوردي، يتجدد الأمل مع كل خطوة صغيرة نحو التشخيص المبكر والوقاية، حيث تزداد فرص النجاة، وتصبح النساء أكثر وعيا وقوة في مواجهة التحديات الصحية.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك