من منا لا يريد أن يعيش في سعادة حتى أنفاسه الأخيرة؟
إلا أننا جميعًا نعرف أن لعبة الحياة أصعب من أن تسير هكذا بسلالة ورفق، فالحياة شاقة، وفيها ما فيها من معاناة وتعب وإرهاق، كل هذا نعيشه بهدف أن نحافظ على أقل مستوى ممكن من السعادة والرضا سواء في الحياة أو في العمل أو في أي مرفق من مرافق الحياة.
ولكن لماذا نرضى بالحد الأدنى للسعادة، بينما نستطيع أن نرفع سقف سعادتنا إلى مستويات مقبولة حتى ولو كانت العملية نفسية بحتة؟ لماذا لا نرتقي لنبحث عن السعادة في أقصى درجاتها؟ لا أعتقد أنه يوجد إنسان على هذه الكرة الأرضية لا يرغب في ذلك، ولكن كيف؟
حاول بعض علماء النفس أن يضع 10 قوانين للاستقرار النفسي وللسعادة، لنحاول أن نلخصها من أجل أنفسنا، وهي كالتالي:
أولاً: قانون الراحة النفسية؛ يقول علماء النفس إنه ينبغي من المرء الانسحاب بهدوء من الفوضى الموجودة حوله، فإن تمكن من ذلك فإن هذا أمر لا يقدر بثمن، إذ إنه يؤدي إلى راحة نفسية لا مثيل لها. فالفوضى اليوم تدخل حياتنا المتسارعة بصورة كبيرة، ففي الشارع فوضى، وفي الحي الذي نسكن فوضى، وفي البيت فوضى وفي العمل فوضى، حياتنا التي كانت بسيطة وهادئة تحولت بطريقة هستيرية إلى فوضى ليس ذلك فحسب وإنما إلى تسارع وجري من غير أن نجد فيها متعة. إذًا ماذا يمكننا أن نفعل حينما نواجه الفوضى في الشارع؟ يمكننا – وهذا يحصل لمعظمنا – أن نتفاعل مع الحدث بمعنى أن ننفعل ونغضب مما يؤدي إلى انسحاب السعادة من نفوسنا، وإما أن ننسحب من موقع الحدث ونغادر حتى ولو كان الأمر ذهنيًا، بحيث تجري الأمور حولنا وكأنها شريط سينمائي ليس لنا علاقة به، وهذا الأمر وإن كان صعبًا إلا أنه مريح.
ثانيًا: قانون الذكاء العقلي؛ في الدنيا نلتقي كل يوم بأشخاص من مختلف النوعيات والعقول، بعض من تلك العقول تعتقد أنه لولا وجودها في الأرض لفقد الكوكب توازنه، هذه النوعية من الأشخاص ينظرون إلى بقية البشر أنهم لا يفقهون شيئًا ولا يعرفون شيئًا، وأن على هؤلاء البشر أن يخضعوا إلى عقولهم الفذة التي تستطيع أن تعرف كل شيء. التعامل مع هذه الفئة صعب جدًا وخاصة إن كان مسؤولاً إداريًا في العمل، لذلك يقول علماء النفس إن التجاهل يعيد كل شخص إلى حجمه الطبيعي مهما كان، ولكن كيف نتجاهل المسؤول الإداري الذي يقبع على أنفاسنا ويكتمها؟ أعتقد أنه يمكن ذلك بتنفيذ ما يريد وحسب ما يريد على أن تسجل وتوثق كل تعليماته في أوراق فلربما احتجت إليها مستقبلاً، ومن ثم التغافل وكأن الأمر لا يعنيك، ولكن لا تسوف العمل لأنه سيأخذ ذلك مأخذًا عليك.
ثالثًا: قانون الاستغناء؛ نتألم كثيرًا عندما نفارق ونفترق عمن نحب، ربما تمر أيام وأشهر ونحن نتذكر أيامنا وليالينا، ونتحسر على كل الذي مضى وحدث، وبعد سنوات تصبح كل تلك الأمور ذكرى ربما نتذكرها ونحن نضحك، وحتى ربما لا نتذكرها لأنها غدت في الذاكرة بعيدة المدى، وربما نقول في أنفسنا بعد سنوات: «من حسن حظنا أننا تركنا فلان» وخاصة عندما نسمع أنه كان إنسانا سيء السمعة أو لم تكن فيه بذرة خير، حينها نشعر أننا بخير وأنه كان من الأفضل أن نستغني عن هذا الشخص وننفصل، لذلك فإن علماء النفس يقولون إنه ليس كل ما تستغني عنه خسارة، فبعض الأمور الاستغناء عنها بداية أفضل.
رابعًا: قانون تطوير الذات؛ يقول علماء النفس وربما علماء التنمية البشرية أيضًا (أوجد لك مكانًا في القمة ففي القاع ازدحام شديد). قاع الهرم عادة يكون عريضًا واسعًا وذلك لأنه يحوي السواد الأعظم من البشر، فمعظم الناس يجلسون في القاع من أجل فرصة أو مكالمة تلفونية أو أن يرضى عنهم فلان حتى يرتقي بهم، ولكن تضيق المساحة كلما توجهنا إلى أعلى، حتى تصبح قمة الهرم زاوية حادة لا تتسع إلا للنخبة أو القلة القليلة الذي يسعون لبلوغ تلك القمة بأنفسهم ومن خلال جهودهم الذاتية لنيل هذه المساحة الصغيرة، هؤلاء يجتهدون ويتعبون ويذاكرون حتى ينجحوا ويشار إليهم بالبنان، ليس مهمًا لديهم إن رضي فلان من الناس أم لم يرض، فهذا الأمر لا يداعب قلوبهم، وإنما الذي يطرب قلوبهم هو الرضا النفسي من خلال تطوير الذات.
خامسًا: قانون إثبات الذات؛ الذين بلغوا قمة الهرم، وتلك المساحة الضيقة من قمة الهرم، عليهم أن يقوموا بين الفينة والأخرى بتحديث قوانينهم وأنظمتهم وأسلوبهم ومعلوماتهم وفهمهم للأمر، فالحياة والمعلومات والتقنيات تتطور يومًا بعد يوم، وربما يأتي من بعدك شخص آخر أكثر مرونة وقدرة ليجلس في هذه المساحة الصغيرة لأنه أكثر كفاءة، لذلك على المرء الذي يجلس في القمة أن يعاود التفكير في نفسه ويتذاكر معها، ومن جانب آخر فإن تميزه المستمر يؤدي إلى إلقاء بعض الضوء على إنجازاته حتى وإن كان المكان مظلمًا، هذا يعني أنه ينبغي أن يحقق هدفين، أولهما: أن يتجدد ويتوسع ذهنه ومعلوماته، وثانيهما: حتى يصبح واضحًا ومميزًا للجميع.
سادسًا: قانون التمييز؛ عندما يكون الإنسان في القمة، فإنه من الطبيعي جدًا أن يرى الكثير الذين يقلدونه، بعضهم يقلدونه في بعض الأمور التافهة؛ مثل: الملابس أو الحركة أو المأكل وما إلى ذلك، وكذلك يمكنك أن ترى أن هناك فئة يقلدون فكره وعلمه وثقافته، فإن كان مؤلفًا فترى أن هناك بعض المقلدين يأخذون من مصطلحاته وأفكاره، وإن كان عالمًا فإنه يمكن أن تجد أن بعض الناس يفكرون بطريقته في الابتكار والاختراع. ولقد وجدنا أن عددًا من المبدعين ينزعجون من هذا لأنه يربكهم، ولكن الحقيقة تقول إن الذي يُقلد ويحتذى به هو إنسان مبدع، فالعديد من الناس تقلده لأنه مبدع متميز، أما الذي يقلِد فإنه إنسان سطحي ضعيف ليس في جعبته الكثير لذلك فهو يقلد. وعلى هذا يمكن القول دع الناس تقلد أسلوبك وهذا يعني أنك في القمة، لذلك استرخ.
سابعًا: قانون التحدي؛ في الإنسان غريزة، هذه الغريزة تدفعه في بعض الأحيان وبقوة حتى تصعد به إلى القمة بين الناس، وهذه الغريزة هي غريزة التحدي. ولكن السؤال المهم؛ يتحدى من؟ ربما تكون الإجابة سهلة ويمكن أن نضعها في كلمات، ولكن الحقيقة تقول إن التنفيذ صعب، فالإنسان منذ لحظاته الأولى يتحدى نفسه، سواء من الناحية الحركية أو النفسية أو المهارية، ويستمر في ذلك حتى يدخل المدرسة والجامعة، ومن ثم العمل كموظف عندها فإنه يتوق إلى رئاسة القسم ومن ثم الإدارة، وهكذا فإنه يستمر في هذا التحدي الذاتي، وفي الوقت ذاته فإنه يتحدى الناس والمجتمع ليوجد له مكانًا بين أفراد المجتمع والكبار، ولكن المهم أن يبلغ إلى مرحلة أن يُعترف به، وهنا بيت القصيد.
ثامنًا: قانون الأهداف؛ جاءتني ذات يوم متدربة وهي تبكي، وقالت: ليس لدي أهداف في الحياة، فماذا أفعل؟ قلت لها كما قال علماء النفس: حياة من غير هدف، مثل جسد من غير روح، الاثنان ليس لهما قيمة. جلسنا عدة جلسات حتى تمكنت أن تضع لها أهدافًا عملية وسارت في الطريق لتحقيقها، وبعد سنوات خاطبتني عبر التلفون وهي تبكي كذلك ولكن هذه المرة بكاء فرح، فقد نجحت في حياتها المهنية والزوجية والتعليمية، كل ذلك بسبب أنها وضعت لنفسها بضعة أهداف.
تاسعًا: قانون الوعي؛ من أصعب الأمور على الإنسان أن يعترف أنه قد أخطأ وأن غريمه على صواب، ولكن الشجاعة والقوة تكمن في أنه عندما يدرك المرء أنه قد أخطأ فليراجع نفسه وليعد إلى صوابه، لأنه لا يمكن أن نتعلم الصواب من غير أن نندم على الخطأ. يقول الأمام الشافعي: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، فعندما نبلغ هذه المرحلة فإن نفسية الإنسان ستكون راضية عن نفسها بالتالي يمكن أن يعيش في سعادة.
عاشرًا: قانون التعلم؛ أن يدخل المرء المدرسة ومن ثم الجامعة فإن هذا لا يُعد تعلمًا، وإنما هذا تعليم إجباري، ولكن التعلم أن يستمر الإنسان في العملية التعليمية وخاصة بعد التخرج وطوال عمره، فهو يجب أن يقرأ الكتب والمراجع، وكذلك الجرائد وكل ما يمكن أن يصل إليه، فاليوم يقرأ في الإدارة والقيادة، وغدًا يمكنه أن يقرأ رواية، وبعد غد يحاول أن يتعرف على المبادئ الاقتصادية أو الإعلام، كل هذا من غير معلم، ويمكنه أن يدخل دورات تعليمية وخاصة في الأمور التي لا يعرفها. إننا اليوم نتعلم من أبنائنا، وأحفادنا التقنيات التي لا نعرفها، وهذا أمر لا عيب فيه وإنما هذه هي الحقيقة. قال لي صديق كبير في السن نوعًا ما منذ سنوات بعد أن عاد إلى مقاعد الدراسة بعدما سألته: لماذا عدت؟ قال: حتى لا أكون صغيرًا في أعين أبنائي، وخاصة عندما أحاول تعليمهم في المنزل.
هذه بعض المبادئ والقواعد التي تساعدنا على الرضا والسعادة في الحياة، فهل يمكن أن نعايشها وأن نعيشها، يمكن ذلك.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك