لماذا وصف القرآن بـ»الكريم« في عديد من الآيات ؟ أليس في هذا إشارة واضحة الدلالة إلى كثرة عطائه، وتنوع نعمه، وسنحاول أن نتلمس مجالات هذه العطاءات في القران الكريم لنبين للناس، وليس للمسلمين فقط ما يحمله القرآن للناس من البذل والعطاء الذي ليس لهما حدود، وكيف أدرك من وصفه بهذا الوصف الجليل، وكيف أن عطاءه لا ينفد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، من حكم به عدل، ومن عمل به أُجر!.
ومن عطاءات القرآن «الكريم» حديثه عن الوحدة النابعة من التوحيد، وكيف السبيل إليها، قال تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة. وأنا ربكم فاعبدون) (الأنبياء / 92)، أما السبيل إليها، فنجده في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) (آل عمران / 103). ولأن مصدر وحدة المسلمين هي عقيدة التوحيد التي إذًا تمسك بها المسلمون قويت شوكتهم، وانتصروا على أعدائهم، وظلوا سادة الدنيا ما يقرب من ألف عام، وسادت حضارتهم المعمورة.
ومن كرم القرآن أنه رسم لنا معالم الصراط المستقيم نجد ذلك واضحًا، بل هو شديد الوضوح في الآيات: (151، 152، 153) من سورة الأنعام من بداية قوله سبحانه: (قل تعالوا أتل ما أوحي إليَّ …)، إلى قوله سبحانه: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعام / 153.
وهدايات القرآن، وكرم عطائه لا تتبدل، ولا تتغير ولا تقف عند حَدّْ، فحقائقه ثابتة، وقدرته على التغيير إلى الأفضل لا يمسها الزمان رغم تغيراته وتبدلاته، كما أن هذه الحقائق لا يزيدها الزمان إلا ثباتًا وقدرة.
ومن عطاء القرآن، ومزيد فضله ما يغشى القلب من طمأنينة تشعره بالأمان حتى لا يتوه المسلم في البحث والتنقيب عن الاسم الأعظم الذي إذًا دعوناه به استجاب سبحانه لنا، ودلنا على الاسم الذي يتفق مع أحوالنا، ويحقق لنا رجاءنا في القبول والاستجابة، قال سبحانه: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد / 38.
والإسلام -كما قال الله تعالى لنا -يملك أسباب الراحة النفسية، قال جل جلاله: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا كأنما يصَّعَّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) الأنعام / 125.
ومن عطاء القرآن وكرمه في مجال الأسرة ما أوصى به الأبناء من برهم وإحسانهم بالآباء والأمهات، قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريما (23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب إرحمهما كما ربياني صغيرا (24)) (سورة الاسراء).
ليس هذا فحسب، بل حتى وهما كفار ويصران على الكفر، بل ويحاولان إخراج، أولادهما من الإسلام، يقول تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا واتبع سبيل من أناب إليَّ ثم إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) لقمان / 15.ومن القيم التي دعا إليها القرآن، وحض أتباعه على المحافظة عليها، والالتزام بها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) الحجرات / 11 نلاحظ في هذا البيان الإلهي حرص القرآن الكريم على حماية المجتمع المسلم من الآفات الاجتماعية التي تلوثت بها الأمم الأخرى والعادات والتقاليد الفاسدة، والقيم التي حذر الإسلام المسلمين منها.
وفِي السياسة لم يتخلف الإسلام عن إسداء النصح للأمة الإسلامية، وقدم أمثلة دعا المسلمين إلى التمسك بها قَدر الإمكان من حياة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) والخلافة الراشدة، مع عدم التزام المسلمين بنظام سياسي محدد قد يعاني منه المسلمون بسبب تبدل الأحوال، وتغير الأمكنة، وقدم الإمام الشافعي مثالًا على ذلك حين ذهب إلى مصر فقد أحدث شيئًا من التغيير في مذهبه، وصار له مذهب جديد في مصر، مع مذهبه القديم في العراق، ودل هذا على أنه لا حرج في الاجتهاد في الأمور التي يتسع الاجتهاد فيها، المهم أن تبقى المبادئ هي ذاتها، ومن أهم المبادئ التي حرص الإسلام عليها: مبدأ الشورى والعدل حيث وردت الشورى في آيتين، الأولى في سورة الشورى، في قوله تعالى: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) الشورى / 38.
أما حين ذكر القرآن الكريم الشورى في مقام العزيمة والالتزام، فقد جاء ذلك في قوله سبحانه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (آل عمران / 159).
ومن فيض القرآن، وعظيم فضله أنه لم يقصر عطاء الربوبية على المسلمين فقط، ويحرم غير المسلًمين منها، بل راعى حقوق المواطنة، وضمنها وثيقة المدينة حيث أقر الرسول الأعظم (صلوات ربي وسلامه عليه) الأقوام الذين كانوا يعيشون مع المسلمين، وهذا أول إعلان عالمي، بل أممي لحقوق الأقليات، وأيضاً ما أطلق عليه بعد ذلك بـ(حقوق المواطنة)، وفِي بيان القًرآن الكريم تأكيد لذلك، قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولَم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة / 8.
والرحمة خلق إسلامي لم يحرم منه غير المسلمين، بل جعله الله تعالى للمسلمين ولغيرهم لأن رسالة الإسلام رسالة عالمية للناس أجمعين، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء / 107.
ذلكم هو الإسلام.. وهذا شيء يسير من عطائه الذي عَمَّ البشرية، وهذا هو القرآن الذي وثق كل هذه القيم، وحافظ عليها، وكتب لها البقاء والخلود.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك