العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العلاقات الأمريكية الصينية.. بين التصعيد والتهدئة

بقلم: د. نبيل فهمي

الجمعة ١١ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

أثارت‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬ستجرى‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬2024،‭ ‬نقاشاً‭ ‬عالمياً‭ ‬جدياً‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭. ‬كان‭ ‬تركيز‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأساسي‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬منصباً‭ ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬حول‭ ‬المحللون‭ ‬السياسيون‭ ‬تركيزهم‭ ‬نحو‭ ‬آسيا،‭ ‬وبالأخص‭ ‬نحو‭ ‬محاولة‭ ‬استقراء‭ ‬قدرة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭.‬

بينما‭ ‬أدت‭ ‬الأحداث‭ ‬والتطورات‭ ‬العالمية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مثل‭: ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ - ‬والتوترات‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭- ‬والصراع‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬الانتباه‭ ‬مؤقتاً‭ ‬عن‭ ‬المنافسة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يظل‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬محورياً‭ ‬للغاية‭.‬

وعلى‭ ‬مدار‭ ‬مسيرتي‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الطويلة،‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬شرف‭ ‬مقابلة‭ ‬مسؤولين‭ ‬أمريكيين‭ ‬رفيعي‭ ‬المستوى،‭ ‬بمن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وزراء‭ ‬الخارجية،‭ ‬والاستماع‭ ‬إليهم‭ ‬يتبادلون‭ ‬أفكارهم‭ ‬حول‭ ‬أولويات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والقوى‭ ‬الدافعة‭ ‬لها‭. ‬وكانت‭ ‬الفكرة‭ ‬الثابتة‭ ‬التي‭ ‬كونتها‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬يتم‭ ‬تحفيزها‭ ‬دائماً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬العدو‭ ‬المُتصور‮»‬،‭ ‬فهو‭ ‬المبرر‭ ‬الأكثر‭ ‬إقناعاً‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬للكلفة‭ ‬الباهظة‭ ‬والمخاطر‭ ‬المرتفعة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بممارسة‭ ‬أمريكا‭ ‬للسلطة‭ ‬والنفوذ‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.‬

على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬أتاحت‭ ‬لي‭ ‬أيضاً‭ ‬خبراتي‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬فرصاً‭ ‬كثيرة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬مسؤولين‭ ‬صينيين‭ ‬رفيعي‭ ‬المستوى‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بسياسة‭ ‬الصين‭ ‬الخارجية‭. ‬وهكذا،‭ ‬فإن‭ ‬ملاحظاتي‭ ‬هنا‭ ‬تتشكل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فهمي‭ ‬للسياسة‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ولوجهات‭ ‬النظر‭ ‬الصينية‭ ‬حول‭ ‬المفاهيم‭ ‬والسياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعلقة‭ ‬ببكين؛‭ ‬ولذا‭ ‬فإن‭ ‬لهذه‭ ‬الملاحظات‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة‭ ‬لأنها‭ ‬تؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬التوقعات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬القادمة،‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭. ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬بإدارة‭ ‬هاريس‭ ‬أم‭ ‬ترامب‭.‬

بكين‭.. ‬تهديد‭ ‬متزايد‭:‬

نتج‭ ‬عن‭ ‬نمو‭ ‬الصين‭ ‬البطيء‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مواقفها‭ ‬السياسية‭ ‬الخارجية‭ ‬الحذرة،‭ ‬تصنيفها‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬العالم‭ ‬النامي؛‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تهدئة‭ ‬المخاوف‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬بكين،‭ ‬ثم‭ ‬أعقب‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬اللامبالاة‭ ‬النسبية،‭ ‬محاولات‭ ‬لدفع‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استراتيجيات‭ ‬وأدوات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تشجيع‭ ‬التجارة‭ ‬الأكثر‭ ‬كفاءة‭/‬نجاحاً،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الشهية‭ ‬المتزايدة‭ ‬للنزعة‭ ‬الاستهلاكية‭.‬

توافقت‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بسلاسة‭ ‬مع‭ ‬برامج‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق،‭ ‬دينج‭ ‬هيسياو‭ ‬بينج،‭ ‬الإصلاحية‭ ‬بالصين،‭ ‬التي‭ ‬تضمنت‭ ‬تطوير‭ ‬‮«‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬الاشتراكي‮»‬،‭ ‬وسياسات‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسات‭ ‬وشركات‭ ‬كبرى،‭ ‬وتشجيع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص؛‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬السياسات‭ ‬تزايد‭ ‬الثقل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لبكين‭ ‬وأصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬بالأسواق‭ ‬العالمية‭. ‬وهنا‭ ‬بدأت‭ ‬المخاوف‭ ‬الأمريكية‭ ‬الكامنة،‭ ‬في‭ ‬الظهور‭ ‬على‭ ‬السطح‭.‬

أتذكر‭ ‬بوضوح‭ ‬مخاوف‭ ‬الخبراء‭ ‬والمثقفين‭ ‬والنقاشات‭ ‬الساخنة‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تحذر‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬استحواذ‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬أمريكية‭ ‬بقارة‭ ‬آسيا‭. ‬ثم‭ ‬تزايدت‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬عقب‭ ‬تولي‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ،‭ ‬الأكثر‭ ‬إصراراً‭ ‬وحزماً،‭ ‬منصب‭ ‬الرئاسة،‭ ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬ذروتها‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬المؤتمر‭ ‬العشرين‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الصيني‭. ‬ومنذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022،‭ ‬عقد‭ ‬الحزب‭ ‬ثلاث‭ ‬جلسات‭ ‬عامة‭ ‬سنوية،‭ ‬كانت‭ ‬التطلعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وكذلك‭ ‬السياسات‭ ‬الأمنية‭ ‬فيها‭ ‬بارزة‭ ‬وجلية‭.‬

إن‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الروسية‭ ‬كانت‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬تفاقم‭ ‬القلق‭ ‬الغربي،‭ ‬وخاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة؛‭ ‬إذ‭ ‬سادت‭ ‬عقلية‭ ‬‮«‬إما‭ ‬معنا‭ ‬أو‭ ‬ضدنا‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬المقابل؛‭ ‬فإن‭ ‬الصين‭ ‬قد‭ ‬تبنت‭ ‬نهجاً‭ ‬مدروساً‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الصراع،‭ ‬فامتنعت‭ ‬عن‭ ‬توبيخ‭ ‬روسيا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬قيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬بالتهديد‭ ‬باستخدام‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭.‬

وقد‭ ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬المخاوف‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بانتشار‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الصينية،‭ ‬وزيادة‭ ‬وزن‭ ‬بكين‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬ونشر‭ ‬بصمتها‭ ‬بالأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬وزيادة‭ ‬دورها‭ ‬كمستهلك‭ ‬للطاقة‭ ‬والمعادن،‭ ‬وتنامي‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬آسيا‭.‬

الصين‭ ‬والانتخابات‭ ‬الأمريكية‭:‬

تعكس‭ ‬وثائق‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكية‭ ‬والبيانات‭ ‬الرسمية‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬إداراتي‭ ‬بايدن‭ ‬وترامب‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬التيار‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اليوم‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ -‬وليس‭ ‬روسيا‭- ‬باعتبارها‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم،‭ ‬أصبحت‭ ‬الصين‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬القدر‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬والواقع‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الهيئة‭ ‬السياسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬برمتها‭ ‬الآن‭ ‬منشغلة‭ ‬بالصين،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬إمكاناتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬الهائلة‭ ‬منقطعة‭ ‬النظير،‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬احتفاظ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بنفوذها‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭.‬

وقد‭ ‬لوحظ‭ ‬مؤخراً‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مفاجئ‭ ‬في‭ ‬اتباع‭ ‬سياسة‭ ‬تصادمية‭ ‬تجاه‭ ‬الصين،‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬مما‭ ‬اعتاده‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬وفي‭ ‬سياسته‭ ‬التي‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬تروج‭ ‬للصفقات‭. ‬وامتد‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬التصادمي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬الاقتصادية؛‭ ‬إذ‭ ‬صنف‭ ‬بكين‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬قوة‭ ‬رجعية‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬وخطرة‭ ‬أيضاً‭. ‬وحتى‭ ‬بايدن‭ ‬التقليدي‭ ‬لم‭ ‬يغير‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬توجهاته‭ ‬عند‭ ‬توليه‭ ‬منصبه،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬بتكثيف‭ ‬بعض‭ ‬التدابير‭ ‬تجاه‭ ‬بكين،‭ ‬مثل‭ ‬فرض‭ ‬قيود‭ ‬أكثر‭ ‬صرامة‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬نقل‭ ‬التكنولوجيا؛‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬أن‭ ‬كلا‭ ‬الحزبين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬ينظران‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬الآن‭ ‬باعتبارها‭ ‬خصماً‭ ‬رئيسياً‭.‬

وما‭ ‬أثار‭ ‬استياء‭ ‬الصين‭ ‬ودهشتها‭ ‬معاً‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الحيوية‭ ‬والحساسة‭ ‬تُعالج‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬بطريقة‭ ‬شعبوية؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تغذية‭ ‬المخاوف‭ ‬وتفاقمها،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تهدئتها‭. ‬ويتناقض‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ‭ ‬مع‭ ‬نهج‭ ‬نيكسون‭/‬كيسنجر،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬حنكة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬السياسة‭ ‬العالمية؛‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يوازن‭ ‬بعناية‭ ‬بين‭ ‬التهديدات‭ ‬والفرص‭.‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬توقعات‭ ‬الصين‭ ‬السياسية‭ ‬التقليدية؛‭ ‬فإن‭ ‬بكين‭ ‬لا‭ ‬تنتظر‭ ‬تحولاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فوز‭ ‬إدارة‭ ‬هاريس‭/‬والز،‭ ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭/‬فانس‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬بكين‭ ‬ستستمر‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬اللهجة‭ ‬والتدابير‭ ‬التي‭ ‬ستتخذها‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المقبلة‭ ‬عن‭ ‬كثب‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يُنظر‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬انتقالية،‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تستخلص‭ ‬الصين‭ ‬استنتاجات‭ ‬متسرعة‭ ‬حول‭ ‬سياساتها‭ ‬الآن،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنها‭ ‬عايشت‭ ‬سياسات‭ ‬مماثلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أثناء‭ ‬إدارة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ترامب‭ ‬وبايدن،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بنبرة‭ ‬عدوانية‭ ‬وتدابير‭ ‬خاضعة‭ ‬للرقابة‭ ‬مع‭ ‬ترامب،‭ ‬ونغمة‭ ‬أكثر‭ ‬خفوتا‭ ‬ولكن‭ ‬تصاحبها‭ ‬إجراءات‭ ‬حازمة‭ ‬بنفس‭ ‬القدر‭ ‬مع‭ ‬بايدن‭.‬

إذا‭ ‬فاز‭ ‬الديمقراطيون،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬فهم‭ ‬أفضل‭ ‬للثقافة‭ ‬والتاريخ‭ ‬الصيني‭ ‬داخل‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬المرشح‭ ‬لمنصب‭ ‬نائب‭ ‬الرئيس،‭ ‬تيم‭ ‬والز،‭ ‬قد‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬لفترة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭. ‬فمن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬والز‭ ‬كان‭ ‬أيضاً‭ ‬مدافعاً‭ ‬قوياً‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الصين؛‭ ‬مما‭ ‬يوحي‭ ‬بأن‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصينية‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬سلسة‭ ‬تماماً‭.‬

وخلاصة‭ ‬الأمر‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬مازالت‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬أمرها‭ ‬بشأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ومن‭ ‬سيتم‭ ‬انتخابه،‭ ‬لكنها‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأمريكية‭ ‬القادمة‭ ‬باعتبارها‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬محدود‭ ‬في‭ ‬الأمد‭ ‬القريب‭. ‬أما‭ ‬ما‭ ‬تهتم‭ ‬به‭ ‬بكين‭ ‬حقيقة‭ ‬فهو‭ ‬التأثيرات‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬التي‭ ‬ستخلفها‭ ‬سياسات‭ ‬الإدارة‭ ‬المنتخبة‭ ‬على‭ ‬‮«‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬الصين‮»‬،‭ ‬الجاري‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الآن‭.‬

ثلاثة‭ ‬اتجاهات‭ ‬محتملة‭:‬

يمكن‭ ‬تصنيف‭ ‬‮«‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬الصين‮»‬‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬اتجاهات‭ ‬فكرية‭ ‬أساسية،‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬أسلوبه‭ ‬وأدواته‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬بكين‭.‬

تضع‭ ‬المجموعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة؛‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬المنافسة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬‮«‬يجب‭ ‬الفوز‭ ‬بها،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬إدارتها‮»‬‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تنظر‭ ‬المجموعة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬المنافسة‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬وضع‭ ‬قائم‭ ‬بالأحرى‭ ‬إدارته،‭ ‬لإيجاد‭ ‬حل‭ ‬له‮»‬‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬لعبة‭ ‬صفرية‭ ‬وفقاً‭ ‬لهم‭. ‬بينما‭ ‬ترى‭ ‬المجموعة‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التكيف‮»‬‭ ‬هو‭ ‬النهج‭ ‬الواقعي‭ ‬الوحيد‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬المستمر‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭.‬

ورغم‭ ‬هيمنة‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬الثلاث‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬فإن‭ ‬الصينيين‭ ‬وحدهم‭ ‬هم‭ ‬القادرون‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬رؤيتهم‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬العالمية‭ ‬بدقة،‭ ‬وتوقعاتهم‭ ‬بشأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬فعلى‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬كانت‭ ‬بكين‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬موقفها‭ ‬تدريجياً،‭ ‬الذي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يتضمن‭ ‬عنصر‭ ‬تهديد‭ -‬كرد‭ ‬فعل‭- ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة،‭ ‬ومبادئ‭ ‬التعاون‭ ‬والاحترام‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭. ‬وكان‭ ‬لهذا‭ ‬النهج‭ ‬صدى‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬النامي‭.‬

تدرك‭ ‬بكين‭ ‬تماماً‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬الصينية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير،‭ ‬في‭ ‬مصالحها‭ ‬وسياساتها‭ ‬الخارجية؛‭ ‬لذا‭ ‬ففي‭ ‬العقود‭ ‬المقبلة‭ ‬ستقوم‭ ‬كلا‭ ‬القوتين‭ ‬بمراقبة‭ ‬الأخرى‭ ‬عن‭ ‬كثب‭. ‬ونظراً‭ ‬إلى‭ ‬حجمهما‭ ‬الضخم‭ ‬ونفوذهما‭ ‬الهائل‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العالمية،‭ ‬فمن‭ ‬المهم‭ ‬جدا‭ ‬عدم‭ ‬حدوث‭ ‬أي‭ ‬سوء‭ ‬تفاهم‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭.‬

 

{ وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬السابق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا