ونحن على أعتاب رؤية اقتصادية جديدة (2050) تقتضي أن نحدد فيها أهم تطلعاتنا وخياراتنا وأولوياتنا، وأن نؤصل مجددا لمبادئ وقيم تبنيناها كقيادة وحكومة ومجتمع. الخطوة الأولى التي ينبغي أن نعكف عليها هي مرحلة تقييم ما تم خلال الفترة الماضية لتشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية بشكل خاص والفكرية والسياسية بشكل عام، وهي محاور وردت في الرؤية 2030. بهذه الروح المتفائلة علينا أن ننظر إلى المستقبل ونتعامل مع التحديات التي واجهتنا خلال المسيرة منذ 2008 عندما تم تدشين الرؤية 2030، وأن نستفيد من تجاربنا، وأن نبني على النجاحات التي تحققت ونعالج القصور وفق ما تمليه علينا قناعاتنا وما حدث من تطورات وتغيرات في البيئة المحيطة بنا، وما تيسره مواردنا البشرية والاجتماعية والمالية وقدراتنا الفكرية.
تفاؤلا بالدعوة الكريمة من سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بمشاركة المجتمع في وضع القواعد الأساسية، وتصورات الرؤية الجديدة عملت العديد من الجمعيات والمنظمات الأهلية والشخصيات الاقتصادية ورجال الأعمال والمفكرين في مناقشة الأسس والقواعد الفكرية والتوجهات التي تنطلق منها الرؤية لتعبر عن تطلعات المجتمع ومتطلبات التقدم والازدهار، لنرسم بها صورة للبحرين في عام 2050 نرتضيها جميعا، قيادة ومجتمعا وقطاعات اقتصادية. استنادا الى هذه الاسس والقواعد الناظمة نتناول معالجة قضايا المجتمع الملحة للإجابة عن السؤال الذي ورد في الرؤية 2030: ما طبيعة المجتمع الذي نريد أن نعيش فيه؟
انطلاقا من المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ومن مركزية المجتمع والمواطن الواردة في الميثاق الوطني والدستور، ومن منظور اقتصادي اجتماعي إداري فكري، وضمن أهدافنا في التنويع الاقتصادي، والشراكة الاجتماعية والاستدامة البيئية، وتوافقها مع أهداف التنمية المستدامة (SDG)، نبدأ من مفهوم أن القضايا المجتمعية والاقتصادية والسياسية والفكرية ليست منفصلة وإنما هي مترابطة ومتأثرة بعضها ببعض؛ أي أن هناك بعض القضايا التي تعتبر مركزية أو حجر زاوية بإقامتها يشتد البناء، وأن هناك عوامل مشتركة تؤثر في البنية التنموية ككل، لذلك من المهم في وضع التصورات بيان مدى الترابط والتأثير المتبادل بين القضايا المراد التعامل معها ووضع تصور لكيفية تأثيرها وتأثرها ببعضها، وكذلك تأثرها بعوامل وقضايا خارج هذا الإطار وتأثيرها على النتائج.
من المبادئ الأساسية التي نرى ضرورة وضعها في الاعتبار هو ما أشار إليه سمو ولي العهد رئيس الوزراء من أهمية الانفتاح والتشاركية والتوافق على الأولويات؛ أي أن الأمر يحتاج إلى عرض القضايا والحلول مجتمعيا ليتم التوافق عليها من خلال نقاش وورش عمل وندوات تحلل القضايا ومعالجاتها والسياسات التي ستتبع وتأثيرها على الابعاد والجوانب الأخرى، ومن ثم تعرض الصيغة المراد اعتمادها لمزيد من التنقيح والمناقشة وإعطاء الوقت الكافي لذلك. المبدأ الثاني إقرار أهمية إتاحة بيانات ومعلومات تساعد الاجهزة الرسمية والمجتمع والقطاع الاقتصادي في وضع التصورات والتطلعات بواقعية، بناء على قاعدة صلبة تستند إلى معلومات موثقة. المبدأ الثالث وضع تعريفات للمصطلحات المستخدمة والأهداف وكيفية قياسها وتقييمها وعرضها على المجتمع بشكل دوري. والمبدأ الرابع تكريس مفهوم التكافل الاجتماعي يضمن حدًّا أدنى للدخل (وحدًّا أدنى للأجور) تساعد في تمويله سياسة ضريبية تقوم على مبدأ العدالة والقدرة، وتعزيز ما تقوم به بعض المؤسسات من خدمات ضمن المسؤولية المجتمعية.
وأخيرا وقبل المباشرة في عرض التحديات والقضايا ووضع التصورات لها، علينا أن نطرح جميع الأسئلة ذات الصلة لتساعد في تحليل تحديات وفرص الوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والاداري؛ ونحاول مناقشة الاجابات المختلفة ونصل إلى قدر من التوافق والواقعية حول الغاية والأهداف والأولويات والمبادرات والنتائج التي نرى أهمية اعتمادها وتنفيذها، وأن نضع السيناريوهات آخذين في الاعتبار إمكاناتنا وقدراتنا وافتراضاتنا حول التقدم التكنولوجي والتغيرات في الصناعة النفطية مع تحديد ومناقشة الشروط الواجب توافرها لنجاح كل من عناصر الرؤية. بعد هذا الجهد المشترك يمكن للدولة والمجتمع والقطاع الاقتصادي التوافق على خياراتنا من السياسات الممكنة، والمنهجية لتناول التحديات والفرص مستفيدين من إدراكنا للتفاعل بينها وتأثرها ببعضها، والحاجة الى تناغم الحلول وتكريس السياسات لبعضها البعض وتفادي التناقض بينها. وأول سؤال نطرحه اليوم لنتمكن من اقتناص الفرص هو: ماذا يعني الازدهار الاقتصادي والتقدم المجتمعي بالنسبة إلينا كدولة وكمجتمع وكقطاع اقتصادي، وكيف يتحقق ضمن هويتنا ومنظوماتنا الكبرى الخليجية والعربية والإسلامية، ومتى نعرف أنه تحقق؟ هذا يستوجب وضع منظومة قياس وتقييم وطنية متعددة المستويات والأبعاد، تتابع التطور نحو هذه الرؤية وتحقيق مستهدفاتها، تدعمه شبكة معلومات تشارك المجتمع والقطاع الاقتصادي في نتائج الرؤية وقربها من تعريفنا للازدهار والتقدم. بناء على النتائج يتم تقييم كفاءة وفاعلية الهياكل الإدارية وتعزيز وتطوير القدرات المؤسسية والحوكمة في إدارة الموارد الوطنية.
drmekuwaiti@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك