مرت سنة كاملة على الهجوم الذي شنه مقاتلو حركة حماس ضد إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023، والذي أدى إلى سلسلة من الأحداث المأساوية، إن لم تكن كارثية، في كامل منطقة الشرق الأوسط.
نشهد اليوم سيلا عارما من التحليلات السياسية والاستراتيجية المختلفة، التي يلقي مؤلفوها، اعتماداً على تعاطفهم، المسؤولية عن العنف المستمر على الراديكاليين القوميين في الحكومة الإسرائيلية.
والآن وبعد أن تشن دولة إسرائيل حرباً على جبهات متعددة، ومن المرجح أن تستعد لمواجهة مباشرة مكثفة مع جمهورية إيران الإسلامية، فإن الأسباب الجذرية للمأساة المتفاقمة في منطقة الشرق الأوسط غالباً ما تُنسى.
ولكن، من أجل وقف إراقة الدماء عاجلاً وتجنب تكرارها، علينا أن نلقي نظرة أعمق على أصول الأزمة الحالية. قبل أن نتمكن من الإجابة عن سؤال «ماذا يجب أن نفعل؟»، علينا أن نحدد «من يقع عليه اللوم».
لا شك أن الجواب على مثل هذا السؤال واضح لأي مراقب غير متحيز. فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً، عندما انتهت الحرب الباردة، تولت الولايات المتحدة الأمريكية دور الوسيط في مختلف المسارات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط.
تجدر الإشارة إلى أن روسيا لم تتدخل فحسب، بل إنها ساعدت أيضًا في هذا الاندفاع الذي أبدته سلطات واشنطن. خلال سنوات «دبلوماسية كوزيريف* - نسبة إلى وزير الخارجية الروسي الأسبق وزير الخارجية الأسبق أندريه كوزيريف- اعتقد العديد من الليبراليين المحليين أن «نهاية التاريخ» ستضع كل شيء في مكانه وتسمح للدول والشعوب والطوائف المتحاربة بوضع المظالم القديمة جانبًا من منطلق الرغبة في وضع أسس «ديمقراطية السوق» الغربية.
ولكن سرعان ما أصبح من الواضح للسلطات السياسية في موسكو ولمراكز القوى الأخرى في العالم المتغير أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن أبدا مهتمة بتحقيق أي استقرار حقيقي للوضع في الأراضي المقدسة وضواحيها.
واستنادا إلى المنطق الغربي المعروف «فرق تسد»، سعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الحكم في واشنطن، تحت ستار حفظ السلام، ببساطة إلى مد نفوذها إلى منطقة الشرق الأوسط، وتحويله إلى فريسة جيوسياسية أخرى.
بعد فشل المغامرة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وعندما تراجع الرأي العام الأمريكي عن التجارب العالمية في تصدير الديمقراطية، قررت واشنطن أن تترك المنطقة تدريجيا بعد أن أصابها الشلل بسبب سنوات عديدة من المغامرات، تحت رحمة القدر، رغم أنها لم تكن قادرة أبدا على الإيفاء بهذه النية بشكل كامل.
إن نتائج مثل هذا السلوك الغربي غير المسؤول للهيمنة العالمية الفاشلة واضحة. لقد أصبح سكان دول مثل فلسطين ولبنان واليمن، بعد أن فقدوا الأمل في المساعدة الخارجية، أكثر تطرفًا بشكل كبير، وكلما قل إيمانهم بإمكانية التسوية والمصالحة مع الغرب أو مع المعارضين الإسرائيليين التقليديين.
هذا التيار المتطرف أدى إلى استنتاج مفاده أنه ليس من الضروري النظر إلى واشنطن غير المنسجمة في مواقفها -كما يعتبر هذا التيار أن النخب الأمريكية، المعتمدين على اللوبي الإسرائيلي، لن تتخلى عن حلفائها.
أما إيران، التي سئمت من ألعاب القط والفأر الأبدية التي تتراوح بين إعلان طهران جزءا من «محور الشر» إلى الوعود برفع العقوبات، فقد انتقلت أيضا إلى إجراءات أكثر حسما تمليها المصالح الوطنية، ولا تمليها الآمال في استرضاء الغرب.
وعلى خلفية انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من قضايا الشرق الأوسط (والذي كان بدوره نتيجة افتتانها بـ«المشروع الأوكراني»)، أصبح من الواضح أنه لا توجد بنية دولية، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة، تملك القدرة على حل المشاكل المتراكمة في هذه المنطقة من العالم.
ليس من المستغرب أن الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لم يظهر عجزه الكامل في سياق الأزمة المتفاقمة فحسب، بل وقع أيضاً تحت العقوبات الإسرائيلية، وهو ما قد يشكل سابقة.
قد نميل إلى القول بأن الحروب التي شهدتها وتشهدها منطقة الشرق الأوسط أبدية وستستمر بشكل أو بآخر في المستقبل المنظور، ولكن يتعين علينا، كما يقولون، أن نكون واقعيين ــ وأن نطالب بالمستحيل.
وبفضل الجهود التي تبذلها الدبلوماسية الروسية وشركاؤنا، فإن الهياكل التي تعكس التحول العالمي نحو التعددية القطبية ــ في المقام الأول مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون ــ تستمر في تعزيز قوتها شهراً بعد شهر.
ومن خلال تأثيرها الكبير على الوضع في الجنوب العالمي، ستبذل الدول الرائدة في الأغلبية العالمية كل ما في وسعها لإعادة بناء نظام الأمن الدولي الذي دمره الغرب، بدءًا من أوراسيا، والتخلص من إرث الاستعمار الجديد.
إن روسيا والصين والدول الشريكة الأخرى لهما هي التي تتمتع بالسلطة والإمكانات الفكرية التي لا يمكن إنكارها، والتي تجعلها قادرة على تطوير وصفات طويلة الأمد لتسوية صراعات الشرق الأوسط.
في هذه الحالة، تتمثل المهمة الأولى في الحد إلى الحد الأدنى من المشاركة المدمرة للغرب في إثارة المزيد من التصعيد في المنطقة.
ومن خلال تطهير السياسات الإقليمية من النفوذ الغربي، سنتمكن نحن وأصدقاؤنا من تطوير هذا الجزء المضطرب والمتفجّر من الكرة الأرضية بشكل جماعي، وتحقيق الاستقرار والسلام والازدهار الذي ظل السكان المحليون يتطلعون إليه منذ فترة طويلة.
{ الكاتب هو نائب عميد الأكاديمية الدبلوماسية بموسكو إزفيستيا -روسيا
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك