العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مسؤولية الغرب عن أزمات الشرق الأوسط

بقلم: أوليغ كاربوفيتش

الخميس ١٠ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

مرت‭ ‬سنة‭ ‬كاملة‭ ‬على‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬شنه‭ ‬مقاتلو‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬والذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬المأساوية،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كارثية،‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

نشهد‭ ‬اليوم‭ ‬سيلا‭ ‬عارما‭ ‬من‭ ‬التحليلات‭ ‬السياسية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬المختلفة،‭ ‬التي‭ ‬يلقي‭ ‬مؤلفوها،‭ ‬اعتماداً‭ ‬على‭ ‬تعاطفهم،‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬العنف‭ ‬المستمر‭ ‬على‭ ‬الراديكاليين‭ ‬القوميين‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

والآن‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تشن‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬حرباً‭ ‬على‭ ‬جبهات‭ ‬متعددة،‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تستعد‭ ‬لمواجهة‭ ‬مباشرة‭ ‬مكثفة‭ ‬مع‭ ‬جمهورية‭ ‬إيران‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فإن‭ ‬الأسباب‭ ‬الجذرية‭ ‬للمأساة‭ ‬المتفاقمة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تُنسى‭.‬

ولكن،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وقف‭ ‬إراقة‭ ‬الدماء‭ ‬عاجلاً‭ ‬وتجنب‭ ‬تكرارها،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نلقي‭ ‬نظرة‭ ‬أعمق‭ ‬على‭ ‬أصول‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية‭. ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬‮«‬ماذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نفعل؟‮»‬،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬‮«‬من‭ ‬يقع‭ ‬عليه‭ ‬اللوم‮»‬‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الجواب‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬واضح‭ ‬لأي‭ ‬مراقب‭ ‬غير‭ ‬متحيز‭. ‬فمنذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً،‭ ‬عندما‭ ‬انتهت‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬تولت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المسارات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬لم‭ ‬تتدخل‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬ساعدت‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاندفاع‭ ‬الذي‭ ‬أبدته‭ ‬سلطات‭ ‬واشنطن‭. ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬‮«‬دبلوماسية‭ ‬كوزيريف*‭ - ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسي‭ ‬الأسبق‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأسبق أندريه‭ ‬كوزيريف‭- ‬اعتقد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الليبراليين‭ ‬المحليين‭ ‬أن‭ ‬‮«‬نهاية‭ ‬التاريخ‮»‬‭ ‬ستضع‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬وتسمح‭ ‬للدول‭ ‬والشعوب‭ ‬والطوائف‭ ‬المتحاربة‭ ‬بوضع‭ ‬المظالم‭ ‬القديمة‭ ‬جانبًا‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أسس‭ ‬‮«‬ديمقراطية‭ ‬السوق‮»‬‭ ‬الغربية‭. ‬

ولكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬للسلطات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬ولمراكز‭ ‬القوى‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬المتغير‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أبدا‭ ‬مهتمة‭ ‬بتحقيق‭ ‬أي‭ ‬استقرار‭ ‬حقيقي‭ ‬للوضع‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المقدسة‭ ‬وضواحيها‭.‬

واستنادا‭ ‬إلى‭ ‬المنطق‭ ‬الغربي‭ ‬المعروف‭ ‬‮«‬فرق‭ ‬تسد‮»‬،‭ ‬سعت‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬تحت‭ ‬ستار‭ ‬حفظ‭ ‬السلام،‭ ‬ببساطة‭ ‬إلى‭ ‬مد‭ ‬نفوذها‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬فريسة‭ ‬جيوسياسية‭ ‬أخرى‭.‬

بعد‭ ‬فشل‭ ‬المغامرة‭ ‬الغربية‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وعندما‭ ‬تراجع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬عن‭ ‬التجارب‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬تصدير‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬قررت‭ ‬واشنطن‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬المنطقة‭ ‬تدريجيا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصابها‭ ‬الشلل‭ ‬بسبب‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬المغامرات،‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬القدر،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قادرة‭ ‬أبدا‭ ‬على‭ ‬الإيفاء‭ ‬بهذه‭ ‬النية‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭.‬

إن‭ ‬نتائج‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬الغربي‭ ‬غير‭ ‬المسؤول‭ ‬للهيمنة‭ ‬العالمية‭ ‬الفاشلة‭ ‬واضحة‭. ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬سكان‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬فلسطين‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقدوا‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬المساعدة‭ ‬الخارجية،‭ ‬أكثر‭ ‬تطرفًا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وكلما‭ ‬قل‭ ‬إيمانهم‭ ‬بإمكانية‭ ‬التسوية‭ ‬والمصالحة‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬المعارضين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬التقليديين‭.‬

هذا‭ ‬التيار‭ ‬المتطرف‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬استنتاج‭ ‬مفاده‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن‭ ‬غير‭ ‬المنسجمة‭ ‬في‭ ‬مواقفها‭ -‬كما‭ ‬يعتبر‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬أن‭ ‬النخب‭ ‬الأمريكية،‭ ‬المعتمدين‭ ‬على‭ ‬اللوبي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬لن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬حلفائها‭.‬

أما‭ ‬إيران،‭ ‬التي‭ ‬سئمت‭ ‬من‭ ‬ألعاب‭ ‬القط‭ ‬والفأر‭ ‬الأبدية‭ ‬التي‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬إعلان‭ ‬طهران‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬‮«‬محور‭ ‬الشر‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الوعود‭ ‬برفع‭ ‬العقوبات،‭ ‬فقد‭ ‬انتقلت‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬إجراءات‭ ‬أكثر‭ ‬حسما‭ ‬تمليها‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية،‭ ‬ولا‭ ‬تمليها‭ ‬الآمال‭ ‬في‭ ‬استرضاء‭ ‬الغرب‭. ‬

وعلى‭ ‬خلفية‭ ‬انسحاب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ (‬والذي‭ ‬كان‭ ‬بدوره‭ ‬نتيجة‭ ‬افتتانها‭ ‬بـ«المشروع‭ ‬الأوكراني‮»‬‭)‬،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬بنية‭ ‬دولية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬تملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬المشاكل‭ ‬المتراكمة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬العالم‭.‬

ليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬أن‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيريس‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬عجزه‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الأزمة‭ ‬المتفاقمة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وقع‭ ‬أيضاً‭ ‬تحت‭ ‬العقوبات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬سابقة‭.‬

قد‭ ‬نميل‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬وتشهدها‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أبدية‭ ‬وستستمر‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور،‭ ‬ولكن‭ ‬يتعين‭ ‬علينا،‭ ‬كما‭ ‬يقولون،‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬واقعيين‭ ‬ــ‭ ‬وأن‭ ‬نطالب‭ ‬بالمستحيل‭.‬

وبفضل‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الروسية‭ ‬وشركاؤنا،‭ ‬فإن‭ ‬الهياكل‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬التحول‭ ‬العالمي‭ ‬نحو‭ ‬التعددية‭ ‬القطبية‭ ‬ــ‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس‭ ‬ومنظمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬للتعاون‭ ‬ــ‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قوتها‭ ‬شهراً‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭. ‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬تأثيرها‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬ستبذل‭ ‬الدول‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬الأغلبية‭ ‬العالمية‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعها‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬نظام‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬دمره‭ ‬الغرب،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬أوراسيا،‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬إرث‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد‭.‬

إن‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬والدول‭ ‬الشريكة‭ ‬الأخرى‭ ‬لهما‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بالسلطة‭ ‬والإمكانات‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكارها،‭ ‬والتي‭ ‬تجعلها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬وصفات‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬لتسوية‭ ‬صراعات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬تتمثل‭ ‬المهمة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬المدمرة‭ ‬للغرب‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التصعيد‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬تطهير‭ ‬السياسات‭ ‬الإقليمية‭ ‬من‭ ‬النفوذ‭ ‬الغربي،‭ ‬سنتمكن‭ ‬نحن‭ ‬وأصدقاؤنا‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬المضطرب‭ ‬والمتفجّر‭ ‬من‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬بشكل‭ ‬جماعي،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسلام‭ ‬والازدهار‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬السكان‭ ‬المحليون‭ ‬يتطلعون‭ ‬إليه‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭. ‬

 

{‭ ‬الكاتب‭ ‬هو‭ ‬نائب‭ ‬عميد‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بموسكو‭ ‬إزفيستيا‭ -‬روسيا

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا