في إطار التحول العالمي بعيدًا عن مصادر الطاقة القائمة على الهيدروكربون مثل: النفط الخام والغاز الطبيعي المسال؛ وضعت دول مجلس التعاون الخليجي نفسها في طليعة التطور التكنولوجي والتخطيط لتوليد واستخدام موارد الطاقة المتجددة النظيفة.
ونظرًا إلى موقعها الجغرافي ومناخها، تحظى منطقة الخليج بميزة واضحة في القدرة على التقاط الطاقة الشمسية من الحرارة والضوء وإنتاجها بأرخص الطرق في العالم، إلا أن «جمعية الشرق الأوسط لصناعة الطاقة الشمسية»، قدرت أن نسبة توليد المنطقة لهذا النوع من الطاقة لا يتعدى 2% من إجمالي إنتاجها لعام 2023، وهو ما يقل كثيرًا عن النفط والغاز. ولكن تبقى فرص النمو هائلة مستقبلًا مع توقعات بزيادة حصتها في التوليد إلى 11% نهاية العقد الحالي؛ ما يجعلها أكبر مصدر للطاقة المتجددة في المستقبل.
وفي الوقت الحاضر، تهيمن الصين على أسواق الطاقة الشمسية العالمية، ليس فقط من حيث التوليد الذي تسبق فيه دول العالم مجتمعة، ولكن أيضًا من حيث سيطرتها على الموارد الثمينة والتكنولوجيات اللازمة لتصنيع الألواح الشمسية. فلقد حولت بكين تركيز استراتيجيتها الاقتصادية خلال السنوات الخمس الماضية من العقارات والبنية الأساسية إلى التقنيات المتقدمة التي تشكل محور قطاع الطاقة الخضراء.
ومن بين الصناعات التي تتجلى هيمنتها بشكل واضح فيها هي صناعة المركبات الكهربائية؛ حيث تشير مجلة «أكسفورد إيكونوميكس» إلى أن تصنيع قرابة 70% منها في الصين. ويرجع ذلك إلى استحواذها على ما يقرب 60% من إجمالي تعدين الأتربة النادرة بالعالم، وحوالي 90% من معالجتها وتكريرها؛ مما يمنح المنتجين الصينيين إمكانية للوصول إلى هذه المواد الرئيسية.
وفي مجال توليد الطاقة المتجددة، وثقت منظمة «مراقبة الطاقة العالمية» كيف أضحت الصين موطنًا حاليًا لما يقرب من ثلثي مشاريع الرياح والطاقة الشمسية الكبيرة عالميًا أي ما يقارب (758 جيجاوات)، كما تتصدر العالم في بناء مشاريع جديدة؛ حيث يجري بناء 64% من تلك المشاريع حاليًا في الصين، ومن المقرر أن تولد 339 جيجاوات أخرى من الطاقة.
وعلى الرغم من هذه الإحصائيات، فقد أشار «جون كالابريس» أستاذ مساعد لدى كلية الشؤون العامة بالجامعة الأمريكية، إلى أن أسواق الطاقة الشمسية في الصين لا تزال «تواجه اضطرابات كبيرة». ففي تقرير نشرته مجلة «الإيكونوميست»، تم تأكيد أن النمو السريع للقدرة الصينية قد تجاوز الطلب العالمي، وذلك تسبب في استنزاف قدر كبير من أرباح الصناعة؛ حيث باتت مكونات مثل الخلايا الشمسية والوحدات تُباع بأقل من متوسط تكلفة إنتاجها.
وتزامنًا مع ذلك، فرضت الحكومات الغربية قيودًا على التكنولوجيا الصينية وواردات المعادن مما أدى إلى انخفاض عائدات تصدير الطاقة الشمسية الصينية بنسبة 5.6% في 2023. وفي مايو 2024، أعلن «جو بايدن» الرئيس الأمريكي رسوما جمركية بنسبة 100% على استيراد المركبات الكهربائية صينية الصنع، بالإضافة إلى زيادة الرسوم بشكل ملحوظ على بطاريات الليثيوم والمعادن الأساسية وأشباه الموصلات، كما فرضت واشنطن رسومًا جمركية على واردات الصين من السيارات الكهربائية، وضاعفت كذلك ما تفرضه من رسوم على واردات الخلايا الشمسية من 25% إلى 50%. وبعد شهر أعلن الاتحاد الأوروبي أيضًا نيته في فرض رسوم جمركية تصل إلى 38% على المركبات الكهربائية المستوردة.
ونتيجة لذلك، فإن هذه الأوضاع المضطربة قد حدت بالشركات الصينية إلى تحويل انتباهها نحو أسواق خارجية أخرى ذات إمكانات عالية لنمو الطاقة الشمسية. وكتب «كالابريس» أن صناعة الطاقة الشمسية الصينية «تتوسع» في أسواق الطاقة المتجددة بالخليج العربي والشرق الأوسط وإفريقيا؛ «مُستفيدة من الإمكانات الشمسية الهائلة في المنطقة»؛ إذ يتجاوز متوسط الإشعاع الشمسي السنوي (كمية الطاقة الشمسية التي تضرب سطح الأرض) أي 2000 كيلووات ساعة/ لكل متر مربع في السنة.
وفي منطقة الخليج العربي، تعد السعودية والإمارات من أبرز الدول في إمكانات الطاقة الشمسية؛ حيث تستهدف السعودية زيادة قدرتها من 2.2 جيجاوات إلى 40 جيجاوات بحلول 2030 وفقًا لجمعية الشرق الأوسط لصناعة الطاقة الشمسية. وبما أن الإجمالي المعلن يصل إلى 19 جيجاوات، فإن ذلك يعني أن هناك فجوة قدرها 18 جيجاوات يجب ملؤها لذا ستحتاج المملكة إلى تركيب 5.5 جيجاوات سنويًا من الألواح الشمسية الجديدة حتى نهاية العقد لتحقيق هدفها.
وتتشابه الأوضاع بين السعودية والإمارات التي تهدف إلى زيادة قدرتها على الطاقة النظيفة من 6 جيجاوات إلى 14 جيجاوات بحلول 2030. بالإضافة إلى ذلك، تستهدف سلطنة عمان تحقيق نسبة 30% من مصادر الطاقة المتجددة في إجمالي إنتاجها بحلول نفس التاريخ.
وقد أشار «كالابريس» إلى أن المنطقة أصبحت سوقًا محوريًّا لشركات الطاقة الشمسية الصينية»، إذ تم بدء إنشاء حديقة شمسية بقدرة 300 ميجاوات في مدينة سعد بالتعاون مع الصين. وأفاد «فوستر وونغ» من بلومبرج، أن الشركات الصينية تخطط لاستثمار حوالي 3 مليارات دولار في محطات الطاقة الشمسية الجديدة في المملكة، مستهدفةً توسيع قواعد التصنيع الخاصة بها خارجيًا في ظل الضغوط المتزايدة على هامش الربح في الداخل، وتفاقم التوترات التجارية مع الولايات المتحدة وحلفائها.
وفيما يتعلق بالإمارات، تبرز محطة الظفرة للطاقة الشمسية والتي تم تصنيعها في الصين كأكبر محطة مستقلة للطاقة الشمسية الكهروضوئية عالميًا وتضم 4 ملايين لوحة شمسية، كما أبرمت شركة «ترينا سولار» مذكرة تفاهم مع الإمارات لإنشاء قاعدة تصنيع كهروضوئية، بينما كشفت شركة «جي سي إل تكنولوجي» الصينية عن خطط لبناء أكبر قاعدة لإنتاج «البولي سيليكون» خارج الصين بالتعاون مع شركة للاستثمار. وتعكس هذه الإجراءات التزام الإمارات بالطاقة المتجددة وتأثير التكنولوجيا الصينية المتزايد في التحولات العالمية في مجال الطاقة.
ومن جانب آخر، أكد مراقب الطاقة العالمي «جلوبال إنرجي مونيتور» أن النمو السريع في استخدام الطاقة الشمسية في الصين يُعزى إلى انخفاض تكاليف الاستثمار وسهولة التركيب والدعم السياسي القوي. وأوضح «أندرس هوف» من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، أنه منذ عام 2021 تم توسيع برنامج الطاقة الشمسية في الصين بشكل كبير، بما في ذلك في المناطق الريفية، من خلال تركيب الألواح على أسطح الهيئات الحكومية والمرافق التجارية والصناعية والسكنية. وسلط «هوف» الضوء على أن هذه «الطاقة الشمسية الموزعة» تمثل الآن 41 % من إجمالي قدرة الصين.
على الرغم من أن نموذج الصين في توليد الطاقة الشمسية يمكن أن يكون مصدر إلهام لدول الخليج العربي، إلا أن التعاون الوثيق بينهما يثير بعض التحديات الاستراتيجية؛ حيث أشار «كالابريس» إلى أن المنطقة «تعتمد كليًا على الصين» لتوفير المعادن الضرورية، والتكنولوجيات اللازمة، ومكونات الطاقة الكهروضوئية الصينية. والدليل على ذلك أن إجمالي التجارة بين الطرفين في بطاريات الليثيوم أيون تجاوز 1.37 مليار دولار في عام 2023.
وفي ظل المناخ القاسي في شبه الجزيرة العربية، قد تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على كفاءة وعمر بطاريات الليثيوم أيون، ويُشير المراقبون إلى أن الاعتماد على الواردات الصينية يمكن أن يجعل سلاسل التوريد في دول مجلس التعاون الخليجي عرضة للاضطرابات.
ومع امتلاك دول مجلس التعاون لاحتياطيات محدودة من المعادن الرئيسية التي تمتلكها الصين -مثل الليثيوم والكوبالت والجرافيت والنيكل -أكدت «جمعية الشرق الأوسط» أنه لبناء صناعة تنافسية لإنتاج الألواح الشمسية محليًا، تحتاج دول الخليج إلى تطوير أسس قوية للبحث والتطوير، بالإضافة إلى شبكات موثوقة للطاقة والمياه والنقل وأنظمة إدارة النفايات. وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا لضمان أن تصبح الطاقة المتجددة خيارًا طويل الأجل لا يربط دول الخليج العربي بقوة خارجية.
على العموم، مع توقع أن تشكل السعودية والإمارات وحدهما أكثر من 50% من إجمالي سعة الطاقة الشمسية في منطقة الشرق الأوسط، فإن الفوائد التي ستعود على الشركات الصينية من زيادة مشاركتها معهما واضحة، وبالتالي فهي تركز على الربحية المحتملة لهذا التوسع. أما بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، ففي حين تمثل المواد والتكنولوجيات الصينية قيمة هائلة في بناء وتشغيل مرافق الطاقة الشمسية والمتجددة والتي يمكن أن تصبح العمود الفقري لمخرجات الطاقة الوطنية في المستقبل، فإن الهيمنة الحالية للصين تشكل تحديًا استراتيجيًا وتزيد من أهمية تجنب الاعتماد على الواردات من شرق آسيا لتأمين مصادر طاقتها المتجددة وتعزيز استقلاليتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك