الوطن هو أثمن ما يملك الإنسان، وحبه يتغلغل في أعماق قلب كل وطني شريف، فهذه مشاعر طبيعية أودعها الله في النفوس. وقد كتب العلماء والحكماء والأدباء والشعراء عن حب الوطن، ونقلتها الكتب لتتناقلها الأجيال وتبقى رمزًا تحتفي به الشعوب.
فلا يوجد مكان على وجه الأرض أكثر قيمة للإنسان من وطنه، الذي يشعر فيه بالأمان والانتماء. فالوطن هو المساحة التي يتشارك فيها الجميع فرصًا متساوية، بشرط أن تحترم القوانين والعادات والأعراف، وألا يتعدى أحد على حريات الآخرين أو يهدد أمن واستقرار البلاد.
ولي وطن آليت ألا أبيعه
وألا أرى غيري له الدهر مالكًا
هذا الوطن الغالي لم يبنَ إلا بتضحيات وجهود قادة عظماء، ضحوا بكل غالٍ وثمين من أجل تأسيسه. غرسوا البذور التي نمت وأثمرت شجرة قوية مثمرة، بعد أن سقوها بعرق الجهد والعمل الجاد. وحمل الراية من بعدهم ملك عظيم مخلص لشعبة ولأمته دأبه الاستمرار في تقديم كل غال ونفيس من أجل رفعة الوطن وازدهاره.
وتقع على عاتق كل مواطن بحريني ومقيم على أرض هذا الوطن العظيم مسؤولية الحفاظ عليه وعلى مسيرته المضيئة.
فالمسؤولية تجاه الوطن تبدأ من الأسرة، وهي الأساس في بناء المجتمع. فيجب على الوالدين أن يكونوا قدوة لأبنائهم في حب الوطن، ويعبروا عن هذا الحب بأفعالهم وأخلاقهم وسلوكهم، وباحترامهم للقوانين والأنظمة. كما يجب أن يغرسوا في قلوب أبنائهم قيم الولاء والانتماء وحب القيادة، ليصبح حب الوطن جزءًا من تكوينهم كما يجري الدم في عروقهم.
كما يجب علينا حماية عقول أبنائنا من الأفكار الدخيلة التي تهدد سلامتهم الفكرية، وخصوصًا في ظل التقنيات الحديثة التي أصبحت في متناول الجميع. فالأسرة تلعب دورًا مهمًا في توعية الأبناء وتحصينهم ضد هذه التيارات، مع توجيههم نحو ما ينفعهم، ليكونوا قوة إيجابية في بناء الوطن.
ومن المسؤوليات الوطنية الكبرى الالتفاف حول القيادة الحكيمة، وتعزيز الولاء والانتماء لها. فقائدنا جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة هو قدوة في الأخلاق ونموذج في التفاني لخدمة الوطن. فهو يسعى دائمًا إلى توفير أرقى سبل العيش لشعبه، وقد تجلى ذلك في تحقيق المملكة لمكانة متقدمة في كافة المؤشرات الاقتصادية العالمية.
ومازالت قيادة هذا الوطن العريق تعمل من دون كلل أو ملل لرفع اسم مملكة البحرين إلى آفاق جديدة من التميز في مختلف المجالات. فواجبنا أن نكون عوناً لقيادتنا ونعمل جميعًا بروح الفريق الواحد، لمواصلة النجاح وتعزيز المستقبل.
الولاء للوطن أولا
إن الانتماء للوطن هو شعور فطري يكبر مع الإنسان منذ لحظة ولادته، حيث يرتبط الفرد بالأرض التي ينتمي إليها وبثقافتها وتاريخها وقيمها. ومع ذلك، هناك بعض الأفراد الذين لا يشعرون بالانتماء إلى وطنهم، بل يحملون ولاءً لأوطان أخرى. فهؤلاء الذين يفضلون الولاء لأوطان أخرى غالبًا ما يكونون مدفوعين بعدة عوامل، منها الأيديولوجيات المختلفة، أو المصالح الشخصية، أو التأثيرات الخارجية التي تمارس ضغوطًا على هويتهم الوطنية. وقد يكون البعض منهم ضحية لتضليل فكري أو تأثير دعايات سياسية وإعلامية موجهة تجعلهم يرون في أوطانهم الأخرى بديلاً أفضل أو أكثر تطابقًا مع أفكارهم. ومع الوقت، يتحول هذا الانتماء إلى خيانة واضحة للوطن، حيث يضعون مصالح الدول الأجنبية فوق مصالح وطنهم الذي نشأوا وترعرعوا فيه.
فهذه الفئة من الناس غالبًا ما تتبنى أفكارًا تخالف مصلحة وطنهم، وقد يدعمون مشاريع سياسية أو اقتصادية تسعى للإضرار بالدولة التي ينتمون إليها، في حين أن ولاءهم الحقيقي يذهب لدول أخرى. مثل هذه الولاءات تكون غالبًا محط استغلال من قبل القوى الخارجية المعادية، التي تجد في هؤلاء الأشخاص أدوات لتنفيذ أجنداتها، سواء عبر نشر الفوضى أو التآمر على الاستقرار الداخلي للدولة.
إن خيانة الولاء الوطني هي أعظم الخيانات التي تضر بالتماسك الاجتماعي وتروج لثقافات وقيم دخيلة تتعارض مع القيم الوطنية. إن خطر هؤلاء الأشخاص الذين يحملون ولاءً لأوطان أخرى لا يتوقف عند الأذى المباشر الذي قد يلحقونه بوطنهم، بل يمتد إلى تأثيرهم السلبي على الجيل الجديد، حيث ينقلون إليه تلك الأفكار المغلوطة والولاءات المزدوجة. وهذا يشكل تهديدًا كبيرًا على الهوية الوطنية وعلى وحدة المجتمع.
المحافظة على الوطن
والالتفاف حول القيادة
إن النظر إلى بعض المجتمعات التي تعاني من الويلات والكوارث يجعلنا ندرك أهمية المحافظة على الوطن. فبالاستقرار والأمان ينعم الإنسان، وينجو من الفتن والحروب، فالوطن هو السفينة التي تقل الجميع، ومن واجب الجميع الحفاظ عليها لتبحر بسلام نحو مستقبل مشرق.
إن أعداء الأمة يسعون بكل الطرق لهدم القيم الوطنية للشعوب العربية والاسلامية، مستخدمين شعارات براقة كالثورات التي تدمر البلدان تحت غطاء شعارات الحرية والكرامة. وعندما تشتعل هذه الثورات التي تحركها وتوجهها جهات خارجية في معظم الحالات، لا تترك خلفها سوى الدمار. كذلك التنظيمات المتطرفة تحاول خلق أوطان زائفة، وتخدع الأتباع لتزج بهم في أعمال إرهابية، كما أن الشائعات والأكاذيب المدمرة تشكل خطرًا كبيرًا على المجتمعات.
وقد قدمت مملكة البحرين قيادة وشعبًا نموذجًا رائعًا في الوفاء للوطن، بتكاتفها ووحدتها. فقد أثبتت للعالم أنها حصن منيع، متقدمة في مسار الحضارة، وكل فرد في هذا الوطن جندي مخلص له، لا يتردد في التضحية بالغالي والنفيس من أجله.
إن النعم التي نعيشها في بلادنا تتطلب منا شكرها والحفاظ عليها. فإشاعة الفتن وزعزعة الأمن والاستقرار هي من أشكال الجحود بنعم الله. نحن نشهد اليوم الحروب والاضطرابات التي تعصف بالمنطقة من حلولنا وكيف أن أرواح العديد من الأبرياء قد زهقت دون ذنب أو جريرة.
لكننا في وطننا البحرين، الذي أيقظ الضمير العالمي بصموده وتماسكه، أصبح مثالًا يحتذى به في مواجهة الأزمات والالتفاف حول قيادته في أصعب اللحظات.
نعم، وطننا العزيز هو جوهرة ثمينة، ولؤلؤة نفيسة، تضيء عقول الضالين وترشدهم، وتكون مصدر أمان وإلهام لهم. نسأل الله أن يحفظ مملكة البحرين الغالية من كل شر، وأن يبارك فيمن يحمل أمانة الحكم، جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة -حفظه الله- وأن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار، ويرد كيد الأعداء إلى نحورهم.
حمد المليك الفذ صانع مجدنا
وإمامنا المعطاء سيد عربنا
أرسى التسامح منهجا في موطني
حتى سرى الحب العظيم بأرضنا
الشعب كل الشعب خلف قراركم
يا درعنا الحامي ومصدر أمننا
تفديك منا الروح يا أغلى الورى
يا والدًا بالحب يُعلي صرحنا
قد جاء عن خير البرية نصه
اطع الإمام لخيرنا ولمجدنا
سمعا أطعنا يا رسول الله ما شرعته
هذا من الدين الحنيف وربنا
سأظل ألهج بالدعاء لخالقي
أن يحفظ الملك المهيب وشعبنا
{ أكاديمي متخصص في العلوم
الشرعية وتنمية الموارد البشرية
Dr.MohamedFaris@yahoo.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك