يعتبر الأمريكيون العرب أن الحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة ستلعب دوراً مهماً في الانتخابات المقرر إجراؤها في شهر نوفمبر2024.
كانت هذه واحدة من الملاحظات الرئيسية التي أفرزها استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جون زغبي ستراتيجيز لصالح المعهد العربي الأمريكي في منتصف شهر سبتمبر، وشمل 500 ناخب عربي أمريكي مسجل.
لقد أدى عام كامل من هذا العدوان السافر الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة إلى إعادة تشكيل الناخبين العرب الأمريكيين، وهو ما تسبب في تدهور موقفهم تجاه الحزب الديمقراطي، وإضعاف حماسهم للتصويت في هذه الانتخابات، والتأثير سلبًا على ميلهم إلى التصويت لنائبة الرئيس كامالا هاريس لمنصب الرئيس.
منذ أن بدأنا استطلاع آراء العرب الأمريكيين أول مرة قبل 30 عاماً، كان المجتمع العربي الأمريكي يفضل باستمرار الحزب الديمقراطي، مع بقاء هامش هذا الدعم ثابتاً عند ما يقرب من اثنين إلى واحد على مدى العقد ونصف العقد الماضيين.
ومع ذلك، فإن تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع الأزمة في غزة أدى إلى تآكل هذا الدعم، ما أدى إلى انقسام العرب الأمريكيين الآن بالتساوي بين الحزبين – 38,5% لكل منهما.
ومن الأمور التي تكشف بنفس القدر حقيقة أن الناخبين في المجتمع يقولون بفارق طفيف (46% إلى 44%) إنهم يفضلون رؤية سيطرة الجمهوريين على الكونجرس المقبل.
وكانت نسبة إقبال الناخبين العرب الأمريكيين على الدوام في حدود 80%. لكن هذا العام، قال 63% فقط من المجتمع العربي الأمريكي إنهم متحمسون للتصويت في نوفمبر، وهو ما قد يؤثر على الأرجح على إقبال الناخبين في نوفمبر.
وقد أثر كل هذا على احتمالات فوز مرشحة الحزب الديمقراطي كمالا هاريس بأصوات الناخبين الأمريكيين العرب في منافستها مع الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.
في عام 2020، فاز الرئيس بايدن بنسبة 59% من أصوات العرب الأمريكيين مقارنة بـ35% لترامب. يُظهر استطلاع هذا العام أنه في المنافسة بين المرشحين المتعددين، يكون كلا المرشحين في حالة تنافس فعلي في نطاق 41-42%. والأمر الأكثر خطورة بالنسبة الى كمالا هاريس هو أنه عند النظر فقط إلى الناخبين المحتملين، يتقدم ترامب بنسبة 46% مقابل 42%.
وفي حين أشارت بعض «استطلاعات الرأي» غير العلمية إلى أن مرشح الطرف الثالث سيحصل على أغلبية أصوات الناخبين العرب الأمريكيين، إلا أن استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة جون زغبي ستراتيجيز لصالح المعهد العربي الأمريكي يظهر أن الأمر ليس كذلك.
ويحصل كل مرشحي الطرف الثالث مجتمعين على نسبة 12% فقط من أصوات الناخبين العرب الأمريكيين. وبدلاً من ذلك، فإن المرشح الجمهوري دونالد ترامب هو المستفيد من غضب المجتمع العربي الأمريكي، وربما أضيف، حتى اليأس من فشل إدارة جو بايدن في معالجة الأزمة في غزة.
قد يكون هذا مفاجئاً نظراً الى سجل دونالد ترامب وتصريحاته الأخيرة، ولكن هناك بعض العوامل التي قد تكون مسؤولة عن هذا التطور. فمن ناحية، قد تكون هناك رغبة في معاقبة الديمقراطيين، نتيجة لصدمة الحرب الإسرائيلية على غزة والتي بدأت قبل عام من الآن.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنه على الرغم من سجل ترامب السيئ فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني ودعمه الكامل لأهداف إسرائيل في الحرب، فإن البيانات الواردة من استطلاع المعهد العربي الأمريكي تظهر أن المجموعات الفرعية المتحالفة سابقًا مع الحزب الجمهوري ستصوت لمرشح ذلك الحزب.
كل هذا يؤكد الطريقة التي أثرت بها أزمة غزة على هذه الانتخابات الرئاسية الأمريكية. والدليل الآخر على الدور الذي تلعبه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هو أن 81% من العرب الأمريكيين يقولون إن غزة سوف تشكل عاملا مهماً في طبيعة تصويتهم.
على سبيل المثال، عندما طرح سؤال عما إذا كان على كمالا هاريس إما أن تطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتقديم مساعدات إنسانية من دون عوائق للفلسطينيين في غزة أو حجب الدعم الدبلوماسي ومساعدات الأسلحة لإسرائيل حتى تنفذ وقف إطلاق النار وتسحب قواتها من غزة، ارتفعت نسبة تصويت الناخبين العرب الأمريكيين لكمالا هاريس إلى حوالي 62%.
تستحوذ حصيلة هاريس الجديدة هذه على ثلث ناخبي ترامب، بينما تمحو فعليًا الأصوات التي ستذهب إلى مرشحي الطرف الثالث. وإذا قدم دونالد ترامب نفس المطالب لإسرائيل، فإنه سيستفيد أيضًا من زيادة نسبة أصواته إلى 56%.
يأتي هذا العدد المتزايد من الأصوات التي سيحصل عليها دونالد ترامب من ربع ناخبي مرشحة الحزب الديمقراطي كمالا هاريس، فيما يذهب نصف أصوات الناخبين العرب الأمريكيين إلى مرشحي الطرف الثالث.
وفي حين أن هذه التدابير ضرورية ومهمة لإنهاء الحرب، فإن إعلان مثل هذا التغيير في السياسة الأمريكية في خضم الحملة قد يعتبر بمثابة مجازفة كبيرة. وكان من الممكن اتخاذ خطوات أخرى أقل دراماتيكية لكسب المزيد من الدعم العربي الأمريكي.
وعلى سبيل المثال، فقد أضاعت كمالا هاريس فرصة مهمة لإرسال رسالة إلى الناخبين العرب الأمريكيين تظهر فيها الاهتمام بالفلسطينيين عندما رفضت حملتها ضم مواطن أمريكي من أصل فلسطيني تعيش عائلته في غزة للتحدث في مؤتمر الحزب الديمقراطي.
وعندما طرح سؤال آخر عما إذا كان سيُحدث هذا الأمر فرقًا في كيفية تصويتهم لو قامت حملة كمالا هاريس بدعوة أمريكي من أصل فلسطيني للتحدث، كان الرد «نعم» جوهريا.
ولو فعلت الحملة ذلك، لكانت نسبة الأصوات التي قد تحصل عليها هاريس من العرب الأمريكيين قد ارتفعت إلى 61%. لقد أهدرت مرشحة الحزب الديمقراطي تلك اللحظة، لكن قد تأتي لحظات أخرى، وإذا كانت هاريس لا تزال تريد الدعم العربي الأمريكي، فلا ينبغي تفويت هذه الفرص.
خلال 30 عاماً من عمليات استطلاع آراء الناخبين العرب الأمريكيين، لم نشهد أي شيء مثل الدور الذي تلعبه الحرب على قطاع غزة على سلوك الناخبين.
لقد أثرت الإبادة الجماعية التي استمرت مدة عام في غزة والكارثة التي يواجهها لبنان الآن على كل مجموعة فرعية مكونة داخل المجتمع العربي الأمريكي، مع وجود اختلافات طفيفة فقط بين المجتمعات الدينية وبلدان الأصل، والمهاجرين أو السكان الأصليين، والجنس والفئات العمرية.
ومع تبقي ما يزيد قليلاً على شهر واحد قبل الانتخابات، فإن العرب الأمريكيين، وكما أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريناها للناخبين الأمريكيين، فإن أولئك الذين يشاركونهم مخاوفهم (الناخبون الشباب وغير البيض) سوف يتابعون التطورات لمعرفة ما إذا كانت مخاوفهم العميقة بشأن غزة ولبنان ستلقى من يأبه لها ويحترم وعوده بإحداث التغيير اللازم.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك