خلال سفرتي الأخيرة إلى موسكو زرت جامعة الصداقة بين الشعوب هذه الجامعة التي احتضنتني مع مئات الطلبة من البحرين تلقوا تعليمهم العالي في مختلف التخصصات العلمية والأدبية كما احتضنت الآلاف من طلبة الدول النامية من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية توافدوا على هذه الجامعة التي تم تأسيسها قبل 65 عاما من الزمان لإعداد كوادر وطنية لدول العالم الثالث في إطار النهج الأممي الذي انتهجه الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت انطلاقا من واجبه الأممي تجاه الدول الفقيرة والتي تحتاج إلى كوادر وطنية للنهوض بالمسيرة التنموية لبلادهم من خلال البعثات الكثيرة التي خصصتها الدول السوفيتية لأبناء الدول النامية حتى تحولت المنطقة الجامعية بموسكو إلى حي يختزل الكرة الأرضية ويحتضن طلابا من أكثر من 120 دولة.
وبمجرد وصولي إلى الجامعة عادت بي الذاكرة إلى أكثر من أربعين سنة للوراء فتذكرت أيام الشباب والدراسة الجامعية وما أحلى أيام الدراسة الجامعية ففي كل خطوة خطوتها في الحي الجامعي تذكرني بذكريات زملاء الدراسة الذين درسوا معي القانون أو درسوا في تخصصات أخرى من مختلف البلدان والتي انتهت علاقتنا مع انتهاء الدراسة ومغادرة الاتحاد السوفيتي والعودة إلى الأوطان.
إلا أنه ما يحز في النفس أن أغلب الأساتذة والمعلمين الذين تلقينا علومنا على أيدهم قد غادروا الحياة الدنيا بعد أن أدوا واجبهم تجاهنا بكل إخلاص وتفانٍ ولم يبقَ منهم إلا القليل لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين.
وخلال جولتي في الجامعة طفت على الفصول الدراسية التي تلقيت على مقاعدها تعليمي العالي فوجدتها قد تغيرت وتم تحديثها وتجديدها لتتناسب مع المرحلة الجديدة ومع التطورات التي حدثت على الساحة التعليمية خلال السنوات الأخيرة فصول مجهزة بأحدث الوسائل التعليمية وبالتقنيات المتطورة المرتبطة بالتعليم، وأنا أطوف بين جدران الجامعة وقع نظري على جريدة الجامعة الشهرية جريدة «الصداقة» وإذا بها خصصت عدد شهر أغسطس 2024 للاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد رئيس الجامعة الأسبق أثناء دراستي في الجامعة فلاديمير فرانسيفيج ستانيس فتذكرت هذه الشخصية الأكاديمية المرموقة وتذكرت كلماته المبدئية والنصوحة والتي وجهها لنا خلال حفل التخرج ونحن نتسلم شهادة الماجستير في تلك القاعة التي لا تزال تحتضن الطلاب عندما قال لنا ناصحا إن هذه الشهادة التي حصلتم عليها نعلم أنها سوف تؤهلكم للحصول على مناصب رفيعة قد تكون مديرا أو وكيل وزارة أو وزيرا أو سفيرا أو حتى رئيس وزراء ورئيس دولة نحن لسنا ضد تقلدكم مثل هذه المناصب بل نفرح بكم ونفتخر بانتمائكم وتخرجكم في هذه الجامعة ولكن أرجو ثم أرجو ألا يكون تقلدكم لهذه المناصب على حساب الفقراء فإذا حدث ذلك لا تعتبروا أنفسكم خريجي جامعة باتريس لومومبا للصداقة بين الشعوب لأن هذه الجامعة تخرج فقط مناصري الفقراء.
أما المتاجر ومحلات بيع المواد الغذائية فقد اختفت بعد أن تم إزالتها وبناء مطاعم ومحلات بيع الوجبات السريعة لتقدم مختلف أنواع الأطعمة تعمل على مدار الساعة حيث للعرب نصيب الأسد منها من الذين فضلوا البقاء في روسيا بعد التخرج فتذكرت كيف كنا نعاني من عدم الحصول على محلات بيع المواد الغذائية أو مطاعم بعد الساعة التاسعة مساء وهو موعد إغلاق هذه المحلات.
أما الجامعة فقد تغيرت هي الأخرى وأصبحت ثالث أقوى جامعة في روسيا الاتحادية بعد جامعة موسكو الحكومية وجامعة سانت بيترسبورغ الحكومية وبعد أن كانت الدراسة فيها بالمجان أصحبت برسوم فقد انتهى زمن المجانية وبعد أن كان غالبية الطلبة من الأجانب أصبح غالبية الطلبة من الروس وأصبح الأجانب يشكلون أقلية ومع ذلك تحافظ الجامعة على نسبة معينة من الأجانب من خلال تخصيص بعض المنح الدراسية للدول النامية وفي هذا الإطار حاول كاتب هذه السطور خلال اجتماعه مع عميد كلية الحقوق تخصيص منحتين لطلبة البحرين فوعد بدراسة الموضوع، وبعد أن كان عدد طلابها لا يتجاوز 6000 طالب يدرسون في 7 تخصصات أصبح عدد طلابها أكثر من 27000 طالب يدرسون عشرات التخصصات بعد أن تم توسعة المنطقة التعليمية وبناء المزيد من المباني لاستيعاب الزيادة في عدد الطلبة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك