نقف اليوم وقفة تدبر وتأمل لأثر النقاط ودلالاتها في كشف اللثام عن حقيقة الإبهام سواء بوضع النقاط على الحروف أو تحتها، وأيضًا سوف نقف نفس الوقفة حين تكون النقاط أصفارًا عن يمين الرقم أو عن شماله.
وهنا لنا موقف مع النقاط وموقف آخر مع الأصفار. هذا عن تعريف النقاط صفرًا كانت، أو نقاطًا على الحروف، أما عن تعريف كلمة «الإبهام» فهي الغموض والإخفاء (ويكيبيديا).
إذًا، فدعونا نبدأ بالأرقام، ودور الأصفار حين تكون عن الشمال أو اليمين، فهي إذا وضعت على شمال الرقم، فهي لا قيمة عددية لها، وقيمتها الحقيقية هي حين توضع على يمين الرقم، ولذلك حين يقول المتجادل عن منطق منافسه: إن كلامه أصفار على الشمال، أي لا قيمة له، أما حين تكون الأصفار على يمين الرقم تكون لها قيمتها الحقيقية ويعلو قدرها بقدر الأصفار، فصفر واحد على يمين الرقم يساوي عشرة، وحين نضع صفرين يكون الرقم مائة، وهكذا كلما ازدادت الأصفار عن يمين الرقم زاد الرقم مئاتا وقد يكون ألوفا، وربما ملايين.
أما عن كشف اللثام عن حقيقة الإبهام في الحروف والكلمات، فهذا يعتمد على مكان النقاط فالكلمة الواحدة من الممكن أن تحمل أكثر من معنى عن طريق وضع النقاط عليها أو تحتها، والقرآن الكريم حين نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن منقطًا وحفظه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالتلقي عن جبريل عليه السلام، فهو صلى الله عليه وسلم يقرأه بحسب ما سمعه من جبريل (عليه السلام)، ولما تلقاه المسلمون كانوا يجتهدون في تلاوته، فمنهم من يقرأ الكلمة بحسب وضع النقاط على حروفه، وسنضرب أمثلة على ذلك، فكلمة «صبغة» حين نزيل عنها النقاط، فمن الممكن أن نقرأها صبغة أو صنعة، واستقر الأمر على إثباتها «صبغة» في قوله تعالى: (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون) البقرة / 138.
أما كلمة «أشاء» فقد نقرأها بغير نقاط «أساء» وتعطي المعنى نفسه أو شيئًا قريبًا منه، وحين نضع النقاط على السين نقرؤها «أشاء» قال تعالى: (.. عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء) واستقر الأمر على أن نقرأها «أشاء» وليس «أساء». وهكذا حسمت النقاط الثلاث الأمر حين وضعت على السين، فكشفت اللثام عن حقيقة الإبهام في هذه الكلمة.
مثال آخر هو ما جاء في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) الحجرات/ 6. فكلمة «فتبينوا» من الممكن أن تقرأ من دون النقاط أو بتغيير مكان النقاط، من الممكن قراءتها «فتثبتوا» ومن الممكن قراءتها «فتبينوا» واستقر الأمر على «فتبينوا».
والتلاعب بالكلمات صنعة يجيدها السياسيون الحاذقون لأنهم يختبؤون خلف النقاط واعتادوا على ذلك، وحين يغلفون كلامهم بالغموض يقال لهم: ضعوا النقاط على الحروف!، فسيتبين موقف السياسي، وتضعف حجته التي كان يتوارى خلفها برفع النقاط عن كلماته الملتبسة.
إذًا، فالنقاط في حد ذاتها حين تكون مجردة لا تساوي شيئًا، ولا تحسم خلافًا، ولا تُقَوِّي موقف المتجادل سواء كان سياسيًّا أو غير سياسي إلا إذا التبست بالحروف عندها يكشف اللثام عن حقيقة الإبهام الذي يتوارى خلفه المسؤول أو ذاك في محاولة لكسب مزيد من الوقت يستطيع فيه أن يعيد ترتيب أوراقه، والمجيئ بحجج جديدة لا يمكن لخصمه أو لمن يظن فيه خيرًا أن يردها عليه، فيقول الخصم المجادل: للسياسي المعاند رجاءً ضع النقاط على الحروف، وبوضع النقاط على الحروف تستبان الحقيقة، ويرفع الإبهام، ويحسم الخلاف لأن الكلمات قد تحدد معناها، وكشفت عن دلالاتها، فلا يمكن أن تؤول، أو تحمل الكلمات على معنى مغاير. إذًا، فالنقاط وسيلة لإحكام الكلمات، وبلوغ مقاصدها، فلا يجد المجادل بدًا من أن يُقِرْ لخصمه بما كشفت النقاط عنه.
إذًا، فقد تحسم النقاط الموقف لأحد الطرفين على الآخر ويرتفع الالتباس، ويتضح المعنى، ولا يكون هناك حاجة إلى التأويل أو التردد، فالعبارة واضحة، ولا مجال إلى التكهن بمقصودها أو بغاياتها.
هذه هي وظيفة النقاط حين توضع على الحروف أو تحتها تكشف اللثام عن حقيقة الإبهام، وتتوحد السبل في سبيل واحد لا ثاني له فضلًا عن أن يكون له ثالث أو رابع، قال تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعام/ 153.
وأما وضع الأصفار على يمين الرقم، فهو للدلالة على قيمة الرقم ومنزلته بين آلاف أو أكثر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك