العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لعنات حروب أمريكا تنزل على صحة الجنود

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الاثنين ٠٣ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

لعنات‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬تخوضها‭ ‬أمريكا‭ ‬ضد‭ ‬الشعوب‭ ‬المستضعفة‭ ‬تنزل‭ ‬عليها‭ ‬فتفتك‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬الحرب‭ ‬أوزارها‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬أمراض‭ ‬مستعصية‭ ‬وغامضة‭ ‬لم‭ ‬يعرفها‭ ‬الأطباء‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ولا‭ ‬يجدون‭ ‬لها‭ ‬تفسيرا‭ ‬علميا‭ ‬منهجيا‭ ‬موثوقا،‭ ‬فكل‭ ‬مرضٍ‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬يصيب‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬غزو‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬والاعتداء‭ ‬عليها‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬باسم‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬غزوها،‭ ‬مثل‭ ‬فيتنام،‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬والعراق‭.‬

ولذلك‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬تداعيات‭ ‬وتأثيرات‭ ‬ظلم‭ ‬أمريكا‭ ‬للشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬بغزوها‭ ‬واحتلالها‭ ‬وإذلالها‭ ‬تنعكس‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬جنودها‭ ‬نفسيا‭ ‬وعضويا‭ ‬وعقليا‭ ‬وعلى‭ ‬أفراد‭ ‬أسرهم‭ ‬والمجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه،‭ ‬فتظهر‭ ‬عليهم‭ ‬هذه‭ ‬المعاناة‭ ‬الأليمة‭ ‬القاسية،‭ ‬والأعراض‭ ‬المرضية‭ ‬المعقدة‭ ‬والمستمرة‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭. ‬وهذه‭ ‬السنوات‭ ‬العجاف‭ ‬المظلمة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الجنود‭ ‬تكون‭ ‬أشد‭ ‬وطأة‭ ‬وتنكيلاً‭ ‬بكامل‭ ‬صحتهم‭ ‬من‭ ‬معاناتهم‭ ‬أثناء‭ ‬فترة‭ ‬عدوانهم‭ ‬على‭ ‬الشعوب،‭ ‬فالمعاناة‭ ‬تكون‭ ‬مزدوجة‭ ‬وطويلة،‭ ‬فهم‭ ‬أولاً‭ ‬يقاسون‭ ‬من‭ ‬أهوال‭ ‬المرض‭ ‬نفسه‭ ‬وافتراسه‭ ‬تدريجياً‭ ‬لأعضاء‭ ‬أجسادهم،‭ ‬وثانياً‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يعانون‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬عصيبة‭ ‬من‭ ‬تجاهل‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وإغفالها‭ ‬لمرضهم‭ ‬وآلامهم‭ ‬وعدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالمرض‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يعانون‭ ‬منه‭ ‬كمرض‭ ‬عضوي‭ ‬مستقل‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته،‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬داخلية‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لاسترداد‭ ‬حقوقهم‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬معاناتهم‭.‬

وهناك‭ ‬عدة‭ ‬أمثلة‭ ‬عن‭ ‬الأمراض‭ ‬الغامضة‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬الجنود‭ ‬الأمريكيين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رجعوا‭ ‬إلى‭ ‬ثكناتهم‭ ‬في‭ ‬دولهم،‭ ‬وسأقدم‭ ‬لكم‭ ‬مثالين‭ ‬فقط‭. ‬أما‭ ‬الأول‭ ‬فهو‭ ‬المرض‭ ‬العصيب‭ ‬المرتبط‭ ‬بغزو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لفيتنام‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوفمبر‭ ‬1955‭ ‬واستمر‭ ‬مدة‭ ‬20‭ ‬عاماً،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬العدوان‭ ‬انتهى‭ ‬وتوقف‭ ‬كلياً‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬أبريل‭ ‬1975‭. ‬ولمعرفة‭ ‬هول‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬برمته،‭ ‬وتجذر‭ ‬تداعياتها‭ ‬عليهم‭ ‬جميعاً،‭ ‬فستجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬كتاب‭ ‬صدر‭ ‬حول‭ ‬فيتنام،‭ ‬يشرح‭ ‬كل‭ ‬الجوانب‭ ‬المتعلقة‭ ‬بهذه‭ ‬الحرب‭ ‬الغاشمة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬هوليود‭ ‬والأفلام‭ ‬الوثائقية‭ ‬التي‭ ‬يعرض‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬جانبا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬ويتناول‭ ‬بعداً‭ ‬خفيا‭ ‬ومجهولا‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬نشر‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬والدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تُركز‭ ‬على‭ ‬سبر‭ ‬غور‭ ‬الحالة‭ ‬المرضية‭ ‬الغريبة‭ ‬التي‭ ‬نزلت‭ ‬على‭ ‬الجنود،‭ ‬فتحاول‭ ‬تفسير‭ ‬الأعراض‭ ‬المرضية‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬يتعرضون‭ ‬لها‭ ‬يوميا،‭ ‬وأُطلق‭ ‬عليها‭ ‬مرض‭ ‬فيتنام،‭ ‬أو‭ ‬مرض‭ ‬العميل‭ ‬البرتقالي‭. ‬وكان‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬الإصدارات‭ ‬كتابا‭ ‬نُشر‭ ‬تزامناً‭ ‬مع‭ ‬خروج‭ ‬آخر‭ ‬جندي‭ ‬من‭ ‬فيتنام‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬مارس‭ ‬1973،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬مارس‭ ‬2023‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬الحرب‭.‬

هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الجديد‭ ‬قام‭ ‬بتأليفه‭ ‬إعلامي‭ ‬عايش‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وذاق‭ ‬مرارتها‭ ‬وشاهد‭ ‬آلامها،‭ ‬واسمه‭ ‬جورج‭ ‬بلاك(George Black)،‭ ‬ونُشر‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الحساب‭ ‬الطويل‭: ‬قصة‭ ‬الحرب‭ ‬والسلام‭ ‬والخلاص‮»‬ ( The Long Reckoning: A Story of War, Peace, and Redemption in Vietnam). وهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬أبعاد‭ ‬للحرب‭ ‬منها‭ ‬المحاسبة‭ ‬الشعبية‭ ‬المستدامة‭ ‬للفوضى‭ ‬التي‭ ‬خلقتها‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الأبعاد‭ ‬أيضاً‭ ‬استخدام‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬خاصة‭ ‬صرح‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬جون‭ ‬كنيدي‭ ‬في‭ ‬1961‭ ‬واستمرت‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬وعُرفت‭ ‬بـ«عملية‭ ‬رانش‭ ‬هاند‮»‬ (Operation Ranch Hand)،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬أمريكا‭ ‬برش‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الجالونات‭ ‬براً‭ ‬وبحراً‭ ‬وجواً‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬مبيدات‭ ‬الأعشاب‭ ‬من‭ ‬أخطرها‭ ‬وأكثرها‭ ‬سمية‭ ‬هو‭ ‬‮«‬العميل‭ ‬البرتقالي‮»‬‭ ‬(Agent Orange).‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬الخبيثة‭ ‬هو‭ ‬تدمير‭ ‬الغطاء‭ ‬النباتي‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬المقاومين‭ ‬من‭ ‬فيتنام‭ ‬الجنوبية‭ ‬من‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬المدمر،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬الموارد‭ ‬والمصادر‭ ‬الغذائية‭ ‬النباتية‭ ‬لهؤلاء‭ ‬المستضعفين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬البعيدة‭ ‬ويدافعون‭ ‬عن‭ ‬أرضهم‭ ‬ووطنهم‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يعرفه‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المبيد‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬الأمريكيين‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬أشد‭ ‬مركب‭ ‬كيميائي‭ ‬سام‭ ‬أنتجه‭ ‬الإنسان‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬الديكسين‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬علماء‭ ‬جامعة‭ ‬هارفرد‭ ‬‮«‬ماثيو‭ ‬مسلسون‮»‬ (Matthew Meselson)‭ ‬واصفاً‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭: ‬‮«‬حتى‭ ‬العبقري‭ ‬الشرير‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬إنتاج‭ ‬سم‭ ‬له‭ ‬خصائص‭ ‬شريرة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬السم‮»‬‭.‬

ولذلك‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السم‭ ‬العقيم‭ ‬أحدث‭ ‬ضرراً‭ ‬وتدميراً‭ ‬شاملاً‭ ‬وأهلك‭ ‬الحرث‭ ‬والنسل‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الغابات‭ ‬في‭ ‬فيتنام،‭ ‬فقد‭ ‬انتقل‭ ‬هذا‭ ‬السم‭ ‬بسرية‭ ‬تامة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬إلى‭ ‬أجسام‭ ‬الجنود،‭ ‬سواء‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬ينقلون‭ ‬ويشحنون‭ ‬البراميل‭ ‬في‭ ‬الشاحنات،‭ ‬أو‭ ‬الطائرات،‭ ‬أو‭ ‬السفن،‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬مباشرة‭ ‬برش‭ ‬المبيدات‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬والزرع‭ ‬والحجر،‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬ينقلون‭ ‬مخلفات‭ ‬البراميل‭ ‬الفارغة،‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بدفنها‭ ‬والتخلص‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬منها‭ ‬فيتنام،‭ ‬واليابان،‭ ‬وغيرهما‭. ‬فجميع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجنود‭ ‬الذين‭ ‬بلغ‭ ‬عددهم‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬تعرضوا‭ ‬لهذا‭ ‬العميل‭ ‬البرتقالي،‭ ‬وسقطوا‭ ‬في‭ ‬أهوال‭ ‬الشعور‭ ‬بأعراض‭ ‬مرضية‭ ‬مُركبة‭ ‬ومعقدة‭ ‬تخفى‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الطبي،‭ ‬وخاضوا‭ ‬مع‭ ‬أنفسهم‭ ‬معارك‭ ‬صحية‭ ‬قاسية‭ ‬أشد‭ ‬من‭ ‬معارك‭ ‬الحروب،‭ ‬فالآلام‭ ‬لا‭ ‬تفارقهم،‭ ‬والصداع‭ ‬المزمن‭ ‬رفيقهم‭ ‬ليلاً‭ ‬ونهاراً،‭ ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬تعرضوا‭ ‬لنحو‭ ‬20‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬السرطان،‭ ‬وداء‭ ‬السكري‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الثاني،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ولادة‭ ‬أجنة‭ ‬معوقة‭ ‬ومشوهة‭.‬

وأما‭ ‬المرض‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬سقط‭ ‬فيه‭ ‬الجنود‭ ‬الأمريكيون‭ ‬هو‭ ‬المرض‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬حيث‭ ‬أصيبوا‭ ‬بأعراضٍ‭ ‬مرضية‭ ‬نادرة،‭ ‬ومعاناة‭ ‬جسدية‭ ‬ونفسية‭ ‬مزمنة‭ ‬لا‭ ‬طاقة‭ ‬لهم‭ ‬بها‭ ‬وتتمثل‭ ‬في‭ ‬الصداع‭ ‬المزمن،‭ ‬وحساسية‭ ‬وحرقة‭ ‬في‭ ‬العينين‭ ‬والجهاز‭ ‬التنفسي،‭ ‬ومشكلات‭ ‬مزمنة‭ ‬في‭ ‬الجيوب‭ ‬الأنفية،‭ ‬والتهابات‭ ‬وجروح‭ ‬في‭ ‬الرئتين،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬نادر‭ ‬من‭ ‬سرطان‭ ‬الرئة‭. ‬وبعد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الألم‭ ‬العضوي‭ ‬والنفسي‭ ‬والعقلي‭ ‬الثقيل‭ ‬والمهلك‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجنود‭ ‬وأسرهم،‭ ‬أكد‭ ‬الأطباء‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأعراض‭ ‬الغريبة‭ ‬ناجمة‭ ‬عن‭ ‬تعرض‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬لخليط‭ ‬سام‭ ‬ومسرطن‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭ ‬التي‭ ‬انبعثت‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬ودخلت‭ ‬في‭ ‬أجسامهم‭ ‬نتيجة‭ ‬لحرق‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬المخلفات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنتج‭ ‬عن‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية،‭ ‬والطبية،‭ ‬والقمامة‭ ‬المعروفة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأعضاء‭ ‬المبتورة‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬المصابين‭ ‬والمخلفات‭ ‬المشعة‭ ‬والبيولوجية‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الجنود‭ ‬يحرقون‭ ‬مخلفاتهم‭ ‬في‭ ‬‮«‬حُفر‭ ‬الحرق‮»‬‭ (‬burn‭ ‬pits‭) ‬فيتعرض‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحفر،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعسكرات‭ ‬والقرى‭ ‬القريبة‭ ‬منها،‭ ‬ونُشرت‭ ‬عدة‭ ‬دراسات‭ ‬أكدت‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الحفر‭ ‬وإصابة‭ ‬الجنود‭ ‬بالأعراض‭ ‬المرضية‭ ‬الغامضة‭ ‬والسرطان،‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬دراسة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬انكشاف‭ ‬جديد‭ ‬لمرض‭ ‬الربو‭ ‬بين‭ ‬الجنود‭ ‬الذين‭ ‬خدموا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وأفغانستان‮»‬‭ ‬والمنشورة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2010‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬وقائع‭ ‬حساسية‭ ‬الربو‮»‬‭ ‬‭(‬Allergy‭ ‬Asthma‭ ‬Proceeding‭)‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الدراسة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬أعراض‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفسي‭ ‬التي‭ ‬تستلزم‭ ‬قياس‭ ‬التنفس‭ ‬بين‭ ‬الجنود‭ ‬المصابين‭ ‬في‭ ‬الرئة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وأفغانستان‮»‬،‭ ‬والمنشورة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الطب‭ ‬المهني‭ ‬والبيئي‮»‬‭ ‬(Occupational and Environmental Medicine)‭. ‬وهذه‭ ‬الدراسات‭ ‬أكدت‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأعراض‭ ‬المرضية‭ ‬التنفسية،‭ ‬أو‭ ‬حالات‭ ‬الربو‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تنكشف‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2004،‭ ‬والتعرض‭ ‬للملوثات‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬حرق‭ ‬المخلفات‭ ‬الخطرة‭ ‬وغير‭ ‬الخطرة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬في‭ ‬حفرة‭ ‬واحدة‭ ‬معرضة‭ ‬مباشرة‭ ‬للهواء‭ ‬الجوي‭.‬

وبشكلٍ‭ ‬عام‭ ‬فإن‭ ‬الحروب‭ ‬دائماً‭ ‬تكون‭ ‬مدمرة‭ ‬لكل‭ ‬الأطراف،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تبقي‭ ‬ولا‭ ‬تذر،‭ ‬ومهلكة‭ ‬للحرث‭ ‬والنسل،‭ ‬وتداعياتها‭ ‬الحزينة‭ ‬والمؤلمة‭ ‬تبقى‭ ‬خالدة‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الشعوب‭ ‬سنواتٍ‭ ‬طويلة‭ ‬بعد‭ ‬انتهائها،‭ ‬وبصماتها‭ ‬الكئيبة‭ ‬تتجذر‭ ‬في‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬مخلفات‭ ‬وذخائر‭ ‬حربية‭ ‬لم‭ ‬تنفجر‭ ‬في‭ ‬البر‭ ‬والبحر،‭ ‬وسفن‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭ ‬المظلمة،‭ ‬وهذه‭ ‬المخلفات‭ ‬الحربية‭ ‬مازالت‭ ‬باقية‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬خاضت‭ ‬الحروب،‭ ‬مثل‭ ‬البيئة‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬وستمكث‭ ‬في‭ ‬بيئتهم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يشاء‭ ‬الله‭.   ‬

bncftpw@batelco‭.‬com‭.‬bh

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا