أبرز الكتاب الموسوم «من أسرار الصيام وحكمه» لمؤلفه فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالكريم العمري أن الصيام ليس فريضة دينية فحسب, بل إنه أيضا مدرسة تربوية وقيمة اجتماعية عليا، وأسلوب وقائي وعلاجي للروح والنفس والبدن، وآلية ديناميكية لتفعيل الاقتصاد، على مستوى الأفراد والدولة. وهو رحمة من الله جل في علاه للأمة الإسلامية. وذلك عبر مقدمة وأربعة عشر فصلا، وقد عرضنا بإيجاز شديد للمقدمة والفصلين الأول والثاني في مقالنا السابق في صحيفتنا الغراء أخبار الخليج، وفي هذه المقالة نعرض لأربعة فصول أخرى منه. فقد حمل الفصل الثالث عنوان «الصيام والتقوى» يبدأ بالتذكير بقوله تعالى في سورة البقرة (يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (آية :183). حيث نجد في هذه الآية الكريمة فريضة الصيام، والهدف من الصيام متمثلا في التقوى، والتقوى من أسمى مراتب عبادة الله تعالى، اذ يجعل الإنسان بينه وبين غضب وسخط وعذاب ربه وقاية، فالصيام الصحيح يقي الإنسان مما يوجب عذاب الله من معاص وسيئات وتغليب للشهوات، وجاءت كلمة لعلكم بمعنى رجاء الإنسان ربه بأن يغفر له خطاياه ويمنعه من تكرارها، من خلال ما توفره فريضة الصيام من حواجز تقي وتزكي البدن وتضيق مسالك الشيطان . وبالتالي فإن التقوى هي أول القيم التربوية للصيام، فكلما جاء رمضان جدد التقوى وعززها في نفس المؤمن، طاعة لله وطمعا في رضوانه وجزائه، وهو القائل في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به»، فما أروعه من فرض وما أعظمه من جزاء.
وجاء الفصل الرابع بعنوان: «بركة السحور»، والسحور خاصية مميزة للأمة الإسلامية، فقد قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا، وصيام أهل الكتاب، أكلة السحور». وأكد عليه في أحاديث أخرى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بالقول: «تسحروا فإن السحور بركة»، «لاتزال أمتي بخير ما أخروا السحور»، وإن الحكمة من ذلك هي تقليل فترة الإمساك، وبالتالي تمكين الإنسان من أن يحافظ على قوته ونشاطه في أداء أعماله اليومية ولا يركن إلى النوم والكسل بحجة الصيام، وإذا ما نظرنا إلى ذلك على صعيد الاقتصاد فإن الصيام لن يخفض النشاط الاقتصادي للأفراد، بل ينبغي أن يزيده مدفوعا بقوة الإيمان، وتقوى الله خوفا من التقصير في أداء الأعمال وهضم حقوق الآخرين الذين ينتظرون إنجاز معاملاتهم. كما أن له آثارا صحية في تنشيط الأمعاء وتعزيز الصحة العامة.
وتناول الفصل الخامس الموسوم بـ«الصيام والتوازن والاعتدال» مسألة مهمة تتمثل في أن التوازن والاعتدال والوسطية سمة رئيسية للشريعة الإسلامية، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تقصير في جميع الأوامر والتشريعات الإسلامية بدءا من الطعام والشراب ومرورا بالعمل والمعاملات ووصولا إلى العبادة وغيرها الكثير. وفي مجال علاقة ذلك بالصيام، ينبغي تأكيد ضرورة ألا يتحول الصيام إلى موسم للتوسع المبالغ فيه لشراء المأكولات والطلب على المنتجات الغذائية المختلفة، والتباهي في الموائد الرمضانية، بحيث تسهم في ارتفاع الأسعار، ويحرم ذوو الدخل المحدود من القدرة على شراء ما يكفي أسرهم منها. كما ينبغي ألا يكون إفطار الصائم مدعاة للمزيد من الإفراط في الأكل والشراب وأن تتحول أمسيات رمضان إلى موائد مفتوحة وأكل متواصل على غير ما اعتاد عليه الصائم قبل رمضان، وما لذلك من أضرار صحية عديدة. ومظاهر غير مستساغة اجتماعيا كظاهرة التجشؤ نتيجة الشبع الزائد، وقد ورد عن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن عاتب أحد الأشخاص تجشأ عنده بالقول: «كف عنا جشاءك، فإن أكثرهم شبعا في الدنيا، أطولهم جوعا يوم القيامة». فيا من لديكم المزيد من الطعام وتبسطون الموائد العامرة بما طاب ولذ، ادخروا جزءا منه لآخرتكم بتوزيعه في الدنيا على من لا يجد طعاما يكفي أسرته.
وفي الفصل السادس الموسوم «السر في تعجيل الإفطار» أوضح مؤلف الكتاب جزاه الله خيرا، الحكمة الكامنة في تعجيل الإفطار منطلقا من أمرين الأول الاستجابة إلى أوامر الله جل في علاه، وتوجيهات نبينا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في تحديد موعد الإفطار عند غروب الشمس ودخول الليل، والثاني رأفة الله بعباده ومحبته لهم والتخفيف عنهم والتيسير عليهم، ومكافأتهم بعد تنفيذ أمره في الصيام، فقد جاء عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله تعالى «إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا». كما أن المبادرة في الإفطار مبكرا عند غروب الشمس مخالفة وتمييزا عن اليهود والنصارى الذين يؤخرون الإفطار إلى ظهور النجوم في السماء, وفي ذلك قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الدين ظاهرا، ما عجل الناس الفطر، إن اليهود والنصارى يؤخرون».
كما يرى بعض العلماء أن الحكمة من تعجيل الفطور ألا يزاد في وقت النهار من الليل والله أعلم.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك