عاما بعد عام يحيي الفلسطينيون في الثلاثين من مارس في فلسطين التاريخية وفي مناطق اللجوء والشتات والمهاجر يوم الأرض الخالد باعتباره يجسد من خلال المعاناة والتضحيات الجسام تلك العلاقة المصيرية، التي لا انفصام فيها ولا انقطاع بين الشعب والأرض والتاريخ، الذي تحاول حكومات إسرائيل وقيادات الحركة الصهيونية تزويره وتوظيفه كأداة لفبركة تاريخ وهمي لهذه البلاد وفبركة وعي زائف يستمد روايته من الأساطير وأقوال العرافين والمؤرخين الكذابين، كما يفعل بتسلئيل سموتريتش وغيره من الفاشيين العبثيين في دولة الاحتلال، في خدمة سياستها العدوانية التوسعية والعنصرية الكريهة، وهو عنوان صمود أسطوري أعطى لفلسطين هويتها الوطنية والتاريخية الحقيقية إلى الأبد، وصخرة على صدور قادة إسرائيل والحركة الصهيونية، كصخرة سيزيف، يعيشون معها عذابا أبديا يلاحقهم على أكاذيبهم وأساطيرهم وجرائمهم.
فالأرض كانت وما زالت جوهر الصراع مع الاحتلال ومشروعه الاستيطاني الاستعماري القائم على سياسة الإحلال والإقصاء وتشريد شعب فلسطين عن أرض آبائه وأجداده وما يرافق ذلك من انتهاكات وجرائم كانت في قلب مشاريع الحركة الصهيونية بدءا بجرائم الاستيطان في ظل الانتداب وجرائم التطهير العرقي التي رافقت نكبة عام 1948، مرورا بمشاريع وزارة الداخلية الإسرائيلية ومخططاتها التي تستهدف إفراغ الجليل من سكانه الأصليين والاستيلاء على أراضيهم وتهويدها وصولا إلى يومنا هذا وما نشهده من سياسات وإجراءات حكومة نتنياهو لتكثيف الاستيطان ونهب الأرض وتدمير مقومات وأسس قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
على أن إحياء هذه الذكرى الخالدة ليس فقط للوقوف أمام المعاني العظيمة لأحداث الثلاثين من مارس عام 1976 بقدر ما هي مناسبة لاستنهاض القوى في مواجهة الحرب المفتوحة، التي تشنها إسرائيل لفرض تسوية تصفوية للقضية الفلسطينية من خلال مشاريع التهويد والأسرلة لمدينة القدس (10) بالمئة من مساحة الضفة الغربية، والتنازل عن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وحل وكالة الغوث، التي تقدم الخدمات لأكثر من خمسة ملايين لاجئ في الأراضي الفلسطينية والأردن ولبنان وسوريا، في أكثر من 711 مدرسة و143 عيادة صحية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على فلسطين من النهر إلى البحر وضم الكتل الاستيطانية وما يسمى المستوطنات المعزولة والبؤر الاستيطانية بمجال حيوي يتراوح بين 15 – 20 بالمئة من مساحة الضفة الغربية ليرسو الحل كما يخطط قادة تل أبيب على كيان فلسطيني مقطع الأوصال، أشبه بالمعازل في قطاع غزة وفي مناطق (أ + ب) وبعض الجيوب في مناطق ( ج ) لا سيادة له على الأرض مع بقاء المياه الإقليمية والأجواء والموجات الكهرومغناطيسية تحت السيطرة الكاملة لدولة الاحتلال .
وعندما يكون الأمر كذلك، وهو كذلك فعلا، فلا بد من رد وطني فلسطيني مناسب على سياسة الاحتلال يخرج من أسر السياسة الانتظارية والمراهنة على ما يمكن المراهنة عليه في ضوء تجارب مرة ومريرة على امتداد سنوات ما بعد أوسلو الأولى الطويلة، وذلك بالعودة إلى قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الأخيرة عام 2018، وقرارات المجلس المركزي في دوراته المتعاقبة ، التي أرست أساسا سياسيا صالحا لخارطة طريق وطنية وبرنامج مواجهة وطنية واسعة وشاملة مع الاحتلال، وحددت سلسلة من الإجراءات والخطوات التي ينبغي القيام بها والبدء بمعالجة ما نحن فيه من انقسام مدمر أفسد الحياة السياسية والدستورية لنخطو موحدين، ما أمكن ذلك، نحو فك ارتباط مع سلطات الاحتلال على جميع المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والإدارية بخطوات مدروسة نضع من خلالها أقدامنا على أرض صلبة تحملنا نحو عصيان وطني شامل تحميه انتفاضة شعبية عارمة وقيادة وطنية موحدة، عصيان يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل والضغط على دولة الاحتلال ودفعها إلى الكف عن التصرف كدولة استثنائية فوق القانون الدولي والشرعية الدولية.
وذلك جنبا إلى جنب مع دفع ملف الاحتلال والاستيطان في محكمة العدل الدولية نحو نهاياته، بما في ذلك إنشاء سجل للأضرار الناجمة عن الاحتلال الدائم وعن الاستيطان، كما كان الحال مع فتوى المحكمة في يوليو من عام 2004 حول جدار الفصل العنصري، والعودة إلى نقل ملف الاستيطان إلى مجلس الأمن الدولي باعتباره وفق القانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977، ووفق نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 في مادته الثامنة جريمة حرب ، ومطالبته تحمل مسؤولياته في دفع إسرائيل إلى احترام قراراته والامتثال لها بما فيها القرار 2334 لعام 2016 ودعوة السيد كريم خان المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق قضائي فوري في جرائم الاستيطان والشروع من دون تردد في مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم في الكنيست الإسرائيلي، الذي بات المستوطنون يحتلون 12 بالمئة من مقاعده ، وفي جهاز القضاء والحكومة وأذرعها المختلفة بدءا بالإدارة المدنية ومكتب منسق المناطق وانتهاء بمجالس المستوطنات وجلبهم إلى العدالة الدولية.
{ عضو المكتب السياسي للجبهة
الديمقراطية لتحرير فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك