مع انضمام مئات الآلاف، في جميع أنحاء إسرائيل، إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة، بدأت الأسئلة تثار بشأن الكيفية التي ستؤثر بها هذه الحركة في النضال الأوسع ضد الاحتلال العسكري الإسرائيلي وسياسة الفصل العنصري في فلسطين.
تداولت وسائل إعلام مؤيدة لفلسطين، بحماس واضح، أنباء حول تصريحات أدلى بها مشاهير هوليوود، أمثال مارك روفالو، حول الحاجة إلى معاقبة الحكومة اليمينية المتشددة الجديدة بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يقود حزب الليكود.
لقد وجد بنيامين نتنياهو صعوبة كبيرة - الذي يجد نفسه في قلب هذه العاصفة من الاحتجاجات الساخطة على حكومته- لإيجاد طيار واحد يقبل بقيادة الطائرة التي كانت تقله إلى روما في 9 مارس في زيارة تستغرق ثلاثة أيام يجري خلالها محادثات مع الحكومة الإيطالية.
وجد زعيم حزب الليكود اليميني المتطرف ورئيس أكثر الحكومات اليمينية تطرفا في تاريخ إسرائيل في إيطاليا استقبالا باهتا بنفس برودة الطقس. وبحسب ما ورد في التقارير الإخبارية فقد رفضت المترجمة الإيطالية، أولغا داليا بادوا، ترجمة خطاب نتنياهو، الذي كان من المقرر أن يلقيه يوم 9 مارس 2023 في كنيس يهودي في روما.
يمكن للمرء أن يقدّر الحاجة إلى توظيف هذه الاضطرابات المتنامية بشكل استراتيجي ويوجهها ضد حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة لفضح مزاعم إسرائيل المزورة بالديمقراطية الحقيقية، التي يُفترض أنها «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط».
ومع ذلك، يجب على المرء أن يكون حريصًا بنفس القدر على عدم إضفاء الشرعية على المؤسسات الإسرائيلية العنصرية بطبيعتها، والتي كانت موجودة منذ عقود قبل وصول نتنياهو إلى السلطة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي متورط في قضايا الفساد منذ سنوات. على الرغم من أن بنيامين نتنياهو ظل يتمتع بشعبيته، إلا أنه فقد منصبه على رأس السياسة الإسرائيلية في يونيو 2021، بعد ثلاثة انتخابات شهدت تنافسًا مريرًا.
ومع ذلك، فقد نجح في 29 ديسمبر 2022 في العودة إلى السياسة الإسرائيلية، لكنه عاد هذه المرة بمزيد من الفساد - حتى وفقًا لتعريف إسرائيل - شخصيات مثل أرييه درعي وبتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، وهما الأخيران يشغلان حاليًا منصب وزير المالية والأمن القومي على التوالي.
كان لكل واحد من هذه الشخصيات سبب مختلف للانضمام إلى التحالف الحكومي المتطرف الجديد. فأجندة كل من سموتريش وبن غفير تشمل ضم المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية وترحيل السياسيين العرب الذين يعتبرون «غير موالين» للدولة الإسرائيلية.
أما رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو، وعلى الرغم من كونه عقائديًا يمينيًا، فإنه يهتم أكثر بالطموحات الشخصية مثل الحفاظ على السلطة لأطول فترة ممكنة، مع حماية نفسه وعائلته من المشاكل القانونية والملاحقات القضائية.
إنه يريد ببساطة البقاء خارج السجن. للقيام بذلك، يحتاج بنيامين نتنياهو أيضًا إلى تلبية المطالب الخطيرة لحلفائه، الذين أطلقوا العنان لعنف الجيش والمستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، كما كان الحال في مناطق حوارة ونابلس وجنين وأماكن أخرى.
لكن حكومة نتنياهو، التي تعتبر أيضا الأكثر استقرارًا منذ سنوات، لديها أهداف أكبر من مجرد «محو» البلدات الفلسطينية من الخريطة. إنها تريد تغيير النظام القضائي الذي يسمح لها بتغيير المجتمع الإسرائيلي نفسه.
سوف يمنح الإصلاح القضائي المثير للجدل، والذي أجج موجة من المظاهرات والاحتجاجات الغاضبة، الحكومة الإسرائيلية، سيطرة على التعيينات القضائية من خلال الحد من سلطة المحكمة العليا الإسرائيلية في ممارسة دورها في المراجعة القضائية.
يجب أن نوضح في هذا الصدد أن الاحتجاجات الراهنة في إسرائيل لا علاقة لها بالاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري، ولا تهتم كثيرًا بحقوق الفلسطينيين. يتزعم العديد من القادة الإسرائيليين السابقين - أمثال رئيس الوزراء السابق إيهود باراك والوزيرة السابقة تسيبي ليفني ورئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة يائير لابيد هذه الاحتجاجات.
خلال فترة نفتالي بينيت ويائير لبيد في السلطة على رأس الحكومة الإسرائيلية ما بين يونيو 2021 وديسمبر 2022، قُتل مئات الفلسطينيين في الضفة الغربية. وصف منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينيسلاند، عام 2022 بأنه «الأكثر دموية» في الضفة الغربية منذ عام 2005. خلال ذلك الوقت، توسعت المستوطنات اليهودية غير القانونية بسرعة كبيرة، في حين تم قصف غزة بشكل روتيني.
ومع ذلك، واجهت حكومة بينيت - لابيد رد فعل محدود من المجتمع الإسرائيلي لأعمالها الدموية وغير القانونية في فلسطين. كما واجهت المحكمة الإسرائيلية العليا، التي وافقت على معظم الإجراءات الحكومية في فلسطين المحتلة، احتجاجات قليلة أو معدومة على التصديق على الفصل العنصري والمصادقة على الشرعية المفترضة للمستعمرات اليهودية، وكلها غير قانونية بموجب القانون الدولي.
كما تم منح ختم الموافقة من قبل المحكمة العليا عندما أقرت إسرائيل قانون الدولة القومية، الذي عرّفت نفسها حصريًا كدولة يهودية، وهو ما يعني بالتالي طرد مجمل السكان العرب المسلمين والمسيحيين الذين يتقاسمون نفس الكتلة من الأرض بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.
نادرًا ما انحاز النظام القضائي الإسرائيلي إلى جانب الفلسطينيين وقضاياهم، وعندما سُجّلت «انتصارات» صغيرة بين الحين والآخر، فإنها بالكاد غيرت الواقع العام. على الرغم من أنه يمكن للمرء أن يتفهم يأس أولئك الذين يحاولون محاربة الظلم الإسرائيلي باستخدام «نظام العدالة» الخاص بالدولة، فقد أسهمت هذه اللغة في الارتباك فيما يتعلق بما تعنيه الاحتجاجات الإسرائيلية المستمرة للفلسطينيين.
في الواقع، هذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الإسرائيليون إلى الشوارع بأعداد كبيرة. ففي شهر أغسطس 2011، شهدت دولة إسرائيل ما وصفه البعض بـ«الربيع العربي» لإسرائيل. لكن هذا أيضًا كان صراعًا طبقيًا ضمن حدود إيديولوجية محددة بوضوح ومصالح سياسية نادراً ما تتداخل مع نضال موازٍ من أجل المساواة والعدالة وحقوق الإنسان.
توجد صراعات اجتماعية واقتصادية مزدوجة في العديد من المجتمعات حول العالم، والخلط بينها ليس غير مسبوق، لكن في حالة إسرائيل، يمكن أن يكون هذا الارتباك خطيرًا لأن نتيجة الاحتجاجات الإسرائيلية، سواء كانت ناجحة أو فاشلة، يمكن أن تحفز التفاؤل الذي لا أساس له أو تحبط معنويات أولئك الذين يناضلون من أجل الحرية الفلسطينية.
تمت المصادقة على جميع هذه الأعمال بشكل كامل من قبل المحاكم الإسرائيلية، بما في ذلك المحكمة العليا في البلاد. وهذا يعني أنه حتى لو فشل نتنياهو في هيمنة النظام القضائي، فإن المدنيين الفلسطينيين سيستمرون في محاكمة أمام المحاكم العسكرية، التي ستنفذ روتينية الموافقة على هدم المنازل، ومصادرة الأراضي بشكل غير قانوني وبناء المستوطنات.
إن الانخراط المناسب مع الاحتجاجات المستمرة هو الكشف عن كيفية استخدام تل أبيب للنظام القضائي للحفاظ على الوهم بأن إسرائيل هي دولة القانون والنظام والديمقراطية، وأن جميع الأعمال والعنف في فلسطين، مهما كانت دموية ومدمرة، لها ما يبررها تمامًا، وفقًا للإطار القانوني للدولة.
نعم، يجب معاقبة إسرائيل، ليس بسبب محاولة نتنياهو استمالة القضاء، ولكن لأن نظام الفصل العنصري ونظام الاحتلال العسكري يشكلان تجاهلًا تامًا وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وسواء أحب الإسرائيليون ذلك أم أبوا، فإن القانون الدولي هو القانون الوحيد الذي تواجه به دولة الاحتلال والاضطهاد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك