مثلما كان الحال في العواصم الأوروبية الأخرى التي زارها بنيامين نتنياهو، منذ عودته إلى السلطة على رأس حكومة ائتلافية يمينية تضم قوميين متطرفين في مناصب وزارية؛ استُقبلت رحلته في مارس 2023 إلى لندن، لإجراء محادثات مع نظيره البريطاني، ريشي سوناك، باحتجاجات كبيرة، والملاحظ أنها أتت من يهود بريطانيين وإسرائيليين، ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين على حد سواء.
ومع إشارة أليكس ماكدونالد، من موقع ميدل إيست آي، إلى أن زعيم حزب الليكود قُوبل بـ «السخرية والهتافات»، التي صدرت عن عديد من المعارضين لإصلاحاته القانونية المناهضة للديمقراطية، وكذلك القمع المتصاعد للفلسطينيين في الأراضي المحتلة؛ فقد أثارت زيارته إلى لندن، واستقباله من قبل الحكومة، انتقادات واسعة من الأكاديميين والخبراء، ونشطاء حقوق الإنسان، وكذلك من النواب البريطانيين.
وعلى الرغم من أن لقاء نتنياهو، مع نظيره البريطاني، استمر أقل من ساعة، فإن الرمزية الأوسع لدعوة حكومة المملكة المتحدة، لزعيم سياسي تضم حكومته شخصيات تنتهج سياسات تتناقض بشكل صارخ مع القيم البريطانية العتيقة، بشأن التسامح، والديمقراطية، وحقوق الإنسان؛ يُثير الحديث حول الحماية المستمرة التي تتلقاها الحكومة الإسرائيلية من حلفائها الغربيين.
وفي حين أشار باتريك وينتور، في صحيفة الجارديان، إلى أن هناك ضغطًا متزايدًا على سوناك، ووزارة الخارجية البريطانية؛ لبذل المزيد من الجهود للنأي عن تطرف التحالف الإسرائيلي القومي؛ يبدو أن مسؤولين بريطانيين عازمون على توسيع نطاق دعمهم لحكومة نتنياهو. وقبل زيارته، تم التوقيع على اتفاقية شراكة استراتيجية جديدة -لا تشير إلى محنة الفلسطينيين، ولا القلق بشأن التراجع الديمقراطي الإسرائيلي- تُظهر فيها بريطانيا دعمها القوي لإسرائيل لدى المؤسسات الدولية؛ ما أثار قلقا من إمكانية تمادي القوميين الإسرائيليين في التصعيد بحق الفلسطينيين؛ نتيجة لردود الأفعال الضعيفة على أعمالهم.
ومع الاستقبال الفاتر لـ«نتنياهو» في لندن، وانتقاد الدعوة التي قدمتها الحكومة البريطانية؛ وقيام تحالفه السياسي مع القوميين المتطرفين الذين يروجون لتعديلات قضائية مناهضة للديمقراطية، بالإضافة إلى تصعيد قمع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة؛ رأى المركز العالمي لمسؤولية الحماية، أن الحكومة الإسرائيلية قامت بإضفاء الطابع المؤسسي، على تصرفاتها، فضلًا عن ممارستها أفعالا غير إنسانية، والتي تعكس نظام الفصل العنصري. ووفقًا لتقدير المركز، من المحتمل أن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
وعلى نطاق واسع، تمت الإشارة إلى الاحتجاجات داخل إسرائيل على التعديلات السياسية والقضائية المقترحة في وسائل الإعلام الغربية، بما في ذلك كيف أثرت في صورتها الدولية، وعقَّدت رحلات رئيس الوزراء إلى الخارج. وأوضح وينتور، أن حديث نتنياهو، قبل الشروع في رحلته إلى المملكة المتحدة، وأن إصلاحاته القانونية، لم تكن مصممة لتحييد القضاء، ولكن إعادة توازن السلطة داخل المؤسسات الإسرائيلية؛ لم تفعل شيئًا يذكر لتهدئة الاضطرابات في البلاد، والمعارضة في الخارج.
علاوة على ذلك، ذكرت جابرييلا سويرلينج، و جيمس روثويل، في صحيفة التليغراف، أنه تم الإبلاغ عن وجود تهديد لزيارة رئيس الوزراء إلى لندن، وتأخيرها لاحقًا؛ لأن العديد من الطيارين الإسرائيليين رفضوا التحليق به. وبمجرد وصوله، تجمع المتظاهرون خارج مقر الحكومة البريطانية. وأشارت وكالة رويترز، إلى أنها تشبه تلك التي شهدتها برلين، في وقت سابق من هذا الشهر عند لقاء نتنياهو، بقادة سياسيين ألمان.
وبالنسبة إلى طبيعة محادثات لندن، فبينما زعمت الحكومة البريطانية أن سوناك، أثار مخاوف الدول الغربية، بشأن تدهور حالة المؤسسات الديمقراطية في إسرائيل؛ كتب وينتور، عن هدف نتنياهو، في التركيز على التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني على أمن العالم، مضيفًا أن الزيارة وُصفت في الأصل على أنها فرصة لعرض مطلبه بدعم الغرب لبلاده إذا شعرت بضرورة القيام بعمل عسكري، ضد طهران.
وبدلاً من استخدام نفوذها كحليف جيوسياسي، وشريك أمني لإسرائيل للتخفيف من تطرف الحكومة الحالية؛ سعت بريطانيا، إلى توثيق العلاقات السياسية، بما في ذلك رفضها الإدانة الدولية للانتهاكات الإسرائيلية. ومع تأكيد جيمس كليفرلي، وزير الخارجية -قبل أيام من الزيارة- أن المملكة المتحدة وإسرائيل متحدان، ويقفان معًا، ضد النفوذ الضار لإيران في الشرق الأوسط؛ جرى التوقيع على اتفاقية شراكة استراتيجية بين البلدين؛ بهدف تعزيز العلاقات الثنائية في مجالات الدفاع والأمن والتكنولوجيا حتى عام 2030.
وبينما أصرت الخارجية البريطانية، على أنها ستدعم علاقة حديثة ومبتكرة وذات نظرة متطلعة، رأى وينتور، أن توقيتها يُنظر إليه على أنه علامة موافقة من قبل البرلمان على ما تقوم الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، بغض النظر عما إذا كانت شروط الاتفاقية قد تم الاتفاق عليها العام الماضي، مشيرا إلى أن الاتفاق على تعزيز العلاقات الثنائية خلال الزيارة لم يتطرق إلى ضرورة تبني خيار حل الدولتين، أو حتى حماية حقوق الفلسطينيين بالأراضي المحتلة.
وفي حين علق سام بلويت، في صحيفة الاندبندنت، أن سوناك، لا يمكنه أن يتحدى أو يناقش نتنياهو، بشكل قوي، بشأن إصلاحاته القضائية والوضع المستقبلي للفلسطينيين؛ فقد وصف ريتشارد ستانفورد، من منظمة أوكسفام الخيرية، دعوة المملكة المتحدة له، بأنها غير معقولة، بالنظر إلى ارتكاب حكومة إسرائيل انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان بصورة منتظمة، مضيفا أن هذه الانتهاكات تحدث دون أدنى عقاب. وبالمثل، انتقد كريستيان بنديكت، من منظمة العفو الدولية، حكومة سوناك؛ لغضها الطرف عن فظائع الفصل العنصري الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وعلق كذلك على أن عدم رفضها لهذا الواقع لن يؤدي إلا إلى ترسيخ النظام العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
في غضون ذلك، وصف كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني، اتفاقية الشراكة بأنها مخيبة للآمال، بالنظر إلى كيفية تجاهلها للتوسعات الاستيطانية المستمرة لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وأنها كذلك تقوض بالكامل احتجاجات عشرات الآلاف الذين اعترضوا على إصلاحات نتنياهو القضائية. وأشار دويل إلى أنه في حين أن التزام الاتفاق بمعالجة معاداة السامية هو التزام جدير بالثناء، إلا أن الحكومة البريطانية تتعاون في مبادرات مناهضة للتمييز مع حكومة يتبنى وزراؤها أعمالا عدائية معادية للعرب والفلسطينيين، وهو الأمر الذي يُظهر سياسة الكيل بمكيالين في سياستها الخارجية.
وحول حالة الاستياء بين السياسيين في لندن حيال نهج بريطانيا المتصف بالمحاباة للحكومة الإسرائيلية المتطرفة؛ لاحظ وينتور، أن عددا متزايدا من السياسيين البريطانيين قد حثوا الحكومة على عدم القيام ببسط السجادة الحمراء لنتنياهو. وكتبت مجموعة من أعضاء البرلمان إلى سوناك، لتحذيره من أن دعوته تخاطر بإرسال إشارة خاطئة بأن بلاده تدعم تصرفات إسرائيل ضد الفلسطينيين.
ومع ذلك، أوضح وينتور، أن رئيسة لجنة حزب المحافظين في مجلس العموم إليشيا كيرنز، أشارت إلى أنه رغم أن لإسرائيل العديد من الأصدقاء الموالين في البرلمان، فإن مواقف لندن قد تتغير بشكل مختلف، مع اشتداد وتيرة العنف في الأراضي المحتلة، وتمرير سياسات الحكومة الائتلافية المناهضة للديمقراطية، فضلاً عن مواصلة وزرائها أقوالهم وأفعالهم الاستفزازية. وعليه، حثت النائب، بريطانيا على أن تصبح أكثر صدقًا في انتقاداها لإسرائيل، وتحميلها مسؤولية أكبر على المستوى الدولي، بنفس الطريقة التي قد تفعلها حيال أي منافس جيوسياسي مهما كان نفوذه.
وبالنسبة إلى القادة السياسيين البريطانيين، فإن عدم القدرة على انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية التي تُرتكب في الأراضي المحتلة، أو الإصلاحات السياسية المناهضة للديمقراطية؛ يعكس التقاعس الملحوظ من جانب صانعي السياسة في واشنطن وأوروبا عن فعل الشيء نفسه. كما أنه لا يمكن إنكار وجود اختلافات أيديولوجية واضحة بين الحكومتين البريطانية والإسرائيلية، فيما يتعلق بملف الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي.
وعلى الرغم من أن كليفرلي، حاول تهدئة النواب البريطانيين المنتقدين لسياسات نتنياهو، من خلال الإصرار على أنه لن يتعامل مباشرة مع الوزير العنصري، المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يشغل منصب وزير الأمن القومي الإسرائيلي؛ فقد أوضح وينتور، أن مثل هذا الالتزام يضع وزارة الخارجية في مأزق لأنه بالكاد يمكن أن يجعله يتعامل مع نصف الحكومة الإسرائيلية، وبالتالي فهو التزام غير عملي تمامًا.
علاوة على ذلك، أدت ردود الفعل الرسمية الفاترة من قبل بريطانيا حيال الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، إلى تصنيفها ضمن أسوأ الدول، وأقلها محاسبة ومساءلة لإسرائيل على خلفية انتهاكاتها للقانون الدولي. وفي الآونة الأخيرة، جاء رد فعلها تجاه إلغاء الكنيست الإسرائيلي لنص القانون الأصلي، الذي تم إقراره عام 2005، والمعني بإخلاء 4 مستوطنات يهودية في شمال الضفة الغربية إلى جانب فك الارتباط بين إسرائيل وقطاع غزة، في شكل توبيخات طفيفة، وتحديدًا وصف الإلغاء بأنه يقوض احتمالية فرض خيار حل الدولتين، وتم حث الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ خطوات نحو تقليل حدة التوتر مع الجانب الفلسطيني.
من جانبه، أوضح وينتور، أن حالة الضعف الراهنة للحكومة البريطانية حيال سياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، هو الذي يجعل استجابة إدارة بايدن، تبدو قوية، بالمقارنة معها. وأوضح ديفيد هيرست، من موقع ميدل إيست أي، أن البيت الأبيض يرغب بشدة في تلاشي السياسة الإسرائيلية الحالية لتجنيبه إصدار أي توبيخ رسمي من جانبه ضد حليف. ويقوض هذا الاستنتاج بقوة رؤية بريطانيا لنفسها كحامية للديمقراطية، وحقوق الإنسان في العالم، لاسيما مع رفضها -وكذلك واشنطن- تحميل إسرائيل، مسؤولية الانتهاكات والسياسات الموثقة التي باتت تقوض الأمن الإقليمي.
على العموم، مع توقع توم بيتمان، من شبكة بي بي سي، حدوث مزيد من التوتر بين إسرائيل، وفلسطين، في الأسابيع المقبلة، وسط عطلة عيد الفصح اليهودي، وشهر رمضان، وهو ما يحتمل أن يشهد توافد مئات الآلاف من المصلين على القدس الشريف، لا يمكن أن يثير الترحيب الحار من قبل المسؤولين البريطانيين أي أمل في وقوع أدنى مساءلة من قبل الحكومة البريطانية لسياسة إسرائيل العدائية، وخطابها التحريضي، لاسيما مع ترحيبها الواضح بنتنياهو وتوقيعها اتفاقية شراكة استراتيجية، قبل وقت قصير من زيارته، وهو ما قوبل بإدانة شديدة من قبل المعلقين والنشطاء والسياسيين في المملكة المتحدة!!.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك