لم يعد موضوع الازدحام المروري في البحرين مجرد قضية عابرة مربوطة بلحظة معينة أو بفترة معينة مثل العودة المدرسية على سبيل المثال فقط وإنما أصبح ظاهرة يومية ما حدا بعديد من الزملاء الكتاب والصحفيين إلى إثارتها أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة وذلك لأن الجميع كبيرا وصغيرا مواطنا أو مسؤولا بات يعاني من هذه الظاهرة وذلك لثلاثة أسباب في تقديري:
الأول: إن الازدحام المروري المتزايد قد جاء نتيجة لعودة الحياة إلى طبيعتها بعد سنتين من الإغلاق الشامل أو الجزئي والذي تم خلال اتباع نظام العمل عن بعد بشكل واسع ونظام التعليم عن بعد بشكل أوسع حيث خفت حركة المرور خلال عام 2020 و2021 بشكل مريح ولافت للنظر وفجأة عادت الحياة إلى طبيعتها وعاد الازدحام بشكل مكثف ومقلق ولذلك بات الجميع يشكو من هذه الظاهرة.
الثاني: من الواضح أن النهضة التنموية وعودة الحياة الاقتصادية والتجارية وتحرك كل القطاعات الإنتاجية وتحسن أسعار النفط ووجود عديد من المشاريع التنموية الجديدة قد اسهم بشكل واضح في زيادة عدد السكان وما رافقه من زيادة وسائل التنقل المختلفة حيث تجوب البحرين مئات الآلاف من المركبات بكل أشكالها وأنواعها طوال النهار ووصولا إلى الليل أيضا ولذلك بات المواطن والمقيم يشعر بالازدحام كلما دخل الشارع وقاد سيارته للوصول إلى محل عمله أو لقضاء حاجة معينة أو مراجعة جهة حكومية أو خاصة أو غير ذلك من الأمور الحياتية.
وبالفعل فإنه من الملاحظ أن حجم الازدحام قد زاد ولا شك أن الجهات المسؤولة عن المواصلات والمرور لديها المعلومات والإحصاءات التي تكشف نسبة زيادة عدد المركبات المرخصة في البحرين في حين أن الطرقات لم تشهد تطورا كبيرا يواكب تطور حركة المركبات إلا في حدود ضيقة بالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة في بناء الجسور وتعديل الإشارات الضوئية بما يتناسب مع الوضع المستجد، ولكن مع ذلك فإن هذه الظاهرة أضحت صعبة خاصة بالنسبة إلى أولياء الأمور الذين ينقلون أبناءهم إلى المدارس والجامعات حيث تضيع ساعات في الشارع وسط التلوث والضجيج والتوتر ما يؤثر في الأعصاب والصحة والنفسية وهذا بدوره يؤثر في المردود الإنتاجي بالنسبة إلى السائقين، هذا دون أن ننسى الآثار الخطيرة للازدحام على البيئة بسبب التلوث المتصاعد لمئات الآلاف من السيارات التي تبث دخانها على مدار اليوم من دون توقف فضلا عن الخسارة الهائلة الناجمة عن الاستهلاك الكبير للبترول بسبب بقاء محركات السيارات تعمل مدة طويلة.
الثالث: من الواضح أن غياب التخطيط الشامل وربما قلة الموارد المالية تحديدا وراء هذا الازدحام المروري الذي لم تتمكن الجهات المعنية من القضاء على هذه الظاهرة بالرغم من بناء الجسور والأنفاق كما أسلفنا لأنها لم تقض على مسألة الازدحام بالكامل وربما يكون نقص الموارد المالية في سنوات سابقة وراء تأخر وتنفيذ الحلول الجذرية التي من شأنها حل هذه المشكلة مثل حفر الأنفاق وبناء المزيد من الجسور وإعادة تنظيم الحركة المرورية في المناطق التي تشهد ازدحامات كبيرة وإيجاد حل جذري لموضوع تكدس الخدمات التعليمية في مناطق متقاربة بحيث يكون الترخيص لفتح مدارس وجامعات في مناطق بعيدة عن المناطق الحالية التي أصبحت الحركة المرورية فيها صعبة جدا.
ولا شك أن هنالك حلولا ممكنة يمكن العمل على تنفيذها تدريجيا ووفقا للإمكانيات المالية المتاحة ولعل أهمها على الاطلاق هو البدء في إنشاء المترو الذي يربط أهم مناطق البحرين بالجامعات والمدارس بوجه خاص مع ملاءمته من حيث الشكل ومحطات الوقوف مع الوضع البحريني وتعدد القرى بحيث يتم التخلص من آلاف السيارات الخاصة عندما تتوفر هذه الخدمة مثلما هو الحال في أغلب الدول المتقدمة حيث إن ملايين الناس يستخدمون هذه الخدمة في الذهاب والعودة إلى العمل أو المدرسة ولعل موضوع الازدحام اليوم لما يشكله من ضغط على المجتمع سيكون دافعا جديدا للتعجيل بالبدء في هذا المشروع الحضاري الكبير لإنقاذ المجتمع من مشكلة الازدحام وهذا بالطبع يتطلب تخليص المجتمع تدريجيا من العقلية السائدة لدى كثير من الناس حول حتمية استخدام السيارة الخاصة بدلا من استخدام المواصلات العامة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك