نحمد الله العلي القدير الرحيم الكريم الذي أكرمنا وأمة الإسلام قاطبة ببلوغ شهر رمضان المبارك، الشهر الذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن كتاب المسلمين ودستورهم الروحي ومصدر فكرهم وإعجازهم العلمي الذي لا يأتيه الباطل أبدا، فقد قال تعالى في كتابه العزيز (شهر رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185]. إنه شهر الطاعات والمكرمات، شهر التوبة والمغفرة والعمل الصالح. شهر نعجز أن نعدد مكارمه.
وبهذه المناسبة المباركة نقدم أطيب التهاني وأسمى التبريكات بالشهر المبارك لجلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد رعاه الله وسدد بالخير خطاه، ولصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء سلمه الله وأعانه للانطلاق بمسيرة النهضة والتنمية نحو آفاق المستقبل المنشود، ولشعب البحرين الوفي، ونسأل الله في علاه أن يعيده أعواما عديدة على الجميع والبحرين قيادة وشعبا ووطنا في عز ورفعة وأمن راسخ وبناء متواصل نحو المجد والتقدم، وأمتنا العربية والإسلامية وقد خرجت من كبوتها الراهنة. ويعد شهر رمضان المبارك في العالم الإسلامي فرصة مضافة لإذكاء القيم الروحية وترسيخ الشعائر الإيمانية، وإعمار المساجد بصلوات التراويح والقيام والذكر، بالإضافة إلى تعزيز قيم الترابط الاجتماعي، والتواصل بين الأهل والأصدقاء.
وفي مملكتنا الحبيبة لهذا الشهر الفضيل مكرمة أخرى، استلهمها المجتمع البحريني من جوهر الدين الإسلامي الحنيف، ومن القيم الوطنية الراسخة، حتى تجذرت في رحم التقاليد البحرينية الخالدة، ولعبت دورا مهما في ترسيخ التواصل الاجتماعي وروح الإخاء والمحبة، والتي حرص جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم على استمرارها ورعايتها، ألا وهي ظاهرة المجالس الرمضانية والتزاور بين روادها، حيث تنطلق جموع المواطنين والمقيمين بعد أداء صلاة التراويح نحو المجالس الرمضانية، وفي مقدمة تلك الجموع قيادة البلاد الرشيدة ممثلة بجلالة الملك المفدى ورئيس مجلس وزرائه الموقر، وولي عهده الأمين، وأفراد الأسرة الخليفية الكريمة، والوزراء والنواب والشوريين والمسؤولين على اختلاف مستوياتهم الإدارية والمهنية. وبعد تبادل التهاني والتبريكات تتحول تلك المجالس إلى مؤتمرات شعبية ريادية تناقش شتى المجالات والانشغالات الشعبية، إضافة إلى أنها محطات للذاكرة التاريخية للمواطنين، تعزز من صلتهم ببعضهم وبقيادتهم الوطنية، فقد كانت هذه المجالس إحدى أهم عوامل قوة مجتمعهم ولحمته منذ زمن طويل، فقد كانت منصة أجدادهم وآبائهم للقاء والتشاور واتخاذ القرارات. وزخرت المجالس بأعراف وتقاليد تجسد قيم أهل البحرين وموروثهم الحضاري، حتى أضحت بحق مدارس تتعلم منها الأجيال، ومن تلك الأعراف التي اعتاد عليها أصحاب المجالس وروادها أن يفتتحوا أحاديثهم بالإصغاء إلى إيجاز يقدمه كبار زوارهم من قيادة البلاد الرشيدة وشيوخ الأسرة الخليفية الكريمة، يمهد للمداخلات وتبادل المرئيات، وهو تذكير وتأكيد للثوابت الوطنية والتوجهات السياسية والاقتصادية المرحلية من جانب، ومن جانب آخر فإن شهر رمضان المبارك يمثل فرصة وطنية كبيرة للمواطنين لطرح وجهات نظرهم وانشغالاتهم أمام قيادة البلاد والمسؤولين الزائرين لتلك المجالس مباشرة، وسماع ردودهم ومرئياتهم حولها. من دون قيود أو بروتوكولات دبلوماسية أو غيرها من المحددات، سوى تلك التي تنبع من أخلاقنا وعرف مجالسنا، حوارات نابعة من القلوب المفعمة بالإيمان وحب الوطن والإخلاص والوفاء المتبادل بين الشعب والقيادة.
في هذا الشهر الكريم تتجلى أسمى قيم التواصل المجدي، والتكافل الاجتماعي الأصيل بين أبناء الوطن الواحد. حتى غدت مجالس البحرين مدرسة مميزة في التواصل والانفتاح بين القيادة والشعب، وآلية ديمقراطية جديدة تتفوق في كثير من معطياتها على الآليات الديمقراطية التقليدية، بما يعزز وحدتنا ويؤصل تاريخنا، ويعظم الفرحة والسرور في نفوسنا، ويشيع أجواء الزهو والازدهار في ربوع وطننا، حتى إن طقوسنا في هذا الشهر ودورها في ترسيخ وحدة أهلنا وسموهم وترابطهم وتكاملهم مثار إعجاب واعتزاز الأمة العربية والإسلامية، فما يذكر اسم البحرين حتى تذكر مجالسه الشعبية وتفاعل قيادته مع تلك المجالس وحرصها على استمرارها.
وعادة يبدأ مراسيم الاستقبالات في الشهر الفضيل صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم مساء اليوم الأول من غرة رمضان المبارك بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، مستقبلا كبار أفراد الأسرة الخليفية الكريمة والوزراء وكبار المسؤولين في الدولة، والمواطنين والسفراء العرب والأجانب حيث يبادلهم جلالته، أجمل التهاني والتبريكات وأطيب التمنيات بحلول شهر رمضان المبارك، ولا يفوت جلالته تأكيد تقديره واعتزازه بالجهود المخلصة لرجالات البحرين، ونسائها الماجدات، وأبنائها الكرام، وإسهاماتهم الفاعلة في دعم مساعي التنمية والبناء في كل مجالات العمل الوطني، حيث يرى جلالة الملك المعظم أن «أبناء البحرين كانوا دائمًا وسيبقون بعون الله تعالى مثالاً للأسرة الواحدة المتكافلة والمتضامنة، وستبقى مملكة البحرين واحة للأمن والاستقرار ووطنًا للتعايش والتسامح يمد جسور التواصل مع كل الحضارات والثقافات». حفظ الله سيدي جلالة الملك المعظم وولي عهده الأمين، وحفظ البحرين خليفية خليجية عربية مسلمة.
{ أكاديمي وخبير اقصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك