كما هو الحال في الحروب الطويلة، قامت الأطراف المتحاربة ووسائل الإعلام التابعة لها في الصراع الروسي الأوكراني برسم بعضها البعض باستخدام لغة حادة لا هوادة فيها، ما يجعل من المستحيل تقريبًا تقديم رؤية غير منحازة للمواجهات التي قتلت وجرحت وشردت الملايين.
وفي حين أنه من المفهوم أن الحروب التي تنطوي على مثل هذا الرعب والتجاهل شبه التام لأبسط حقوق الإنسان غالبًا ما تزيد من إحساسنا بما نعتبره أخلاقيًا وعادلاً، فإن الأطراف المشاركة والمستثمرة في مثل هذه النزاعات غالبًا ما تتلاعب بالأخلاق لأسباب سياسية وجيوسياسية.
لا شك أن نفس هذا المنطق جار في أوكرانيا، حيث يصر الطرفان على أنه لا يمكن قبول ما هو أقل من نصر كامل. فمن جهة أولى نجد وجهة النظر الأوكرانية المدعومة بالكامل من قبل الدول الغربية قولًا وفعلًا - كما هو الحال في عشرات المليارات من الأسلحة الحديثة التي لم تفعل شيئًا يذكر، بصرف النظر عن تفاقم الصراع الدموي بالفعل.
ومن الجهة الأخرى نجد أن معظم الروس يرون أن حربهم في أوكرانيا هي حرب ضد أوكرانيا نفسها. في خطابه الذي ألقاه في الذكرى الأولى للحرب، قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب على أنها عملية دفاع عن النفس.
وقال بوتين في جلسة مشتركة للبرلمان الروسي ومسؤولي الكرملين: «إنهم من بدأوا هذه الحرب، ونحن نستخدم قواتنا لوضع حد لها». وصف أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أنفسهم الحرب باستخدام لغة مماثلة، أي عملية دفاع عن النفس.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك: «نحن نحارب روسيا». وعلى الرغم من سحب البيان في وقت لاحق، إلا أن بربوك كانت صادقة بالفعل فدول حلف الناتو وروسيا في حالة حرب بالفعل.
ومع ذلك، فإن روايات كلا الجانبين معقدة للغاية ولكنها تسبب حالة من الاستقطاب الحاد، ناهيك وأنه حتى محاولة تقديم وجهة نظر ثالثة حول الحرب، أو حتى الاقتراب من الموضوع بطريقة تحليلية بحتة، يحول المرء على الفور ليكون «متحيزًا» إلى هذا الجانب أو ذاك.
يعتقد كل جانب أن روايته للحقيقة أخلاقية ويمكن الدفاع عنها تاريخيًا ومتسقة مع القانون الدولي. نتيجة لذلك، يجد عديد من الأشخاص العقلاء أنفسهم يتراجعون في صمت.
لكن هل الصمت في حد ذاته موقف غير أخلاقي، خاصة في أوقات الحرب والمعاناة الإنسانية؟ يجب أن يكون. من المقبول في الفقه الإسلامي أن «كل من يمتنع عن قول الحق فهو شيطان أخرس».
تشترك في هذا المبدأ معظم الفلسفات والأيديولوجيات السياسية الحديثة. من بين العديد من التصريحات التي تتناول هذه المسألة، فإن أحد أقوى تأكيدات الزعيم والواعظ الأمريكي من أصل أفريقي مارتن لوثر كينغ جونيور هو «اليوم الذي نرى فيه الحقيقة ونتوقف عن الكلام هو اليوم الذي نبدأ فيه الموت».
ومع ذلك، لا توجد حقيقة واحدة بشأن حرب أوكرانيا يمكن أن تظل صادقة تمامًا بعد وضعها في سياق أكبر. إن الحرب على أوكرانيا تظل تثير الكثير من التساؤلات والنقاشات. لكن الحرب الأهلية السابقة في دونباس واتفاقيات مينسك المنتهكة بناءً على طلب القوى الغربية - كما اعترفت بذلك المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل - كانت أيضًا غير أخلاقية وغير قانونية. في الواقع، لا يمكن تحليل أي من هذه الأفعال بدقة أو فهمها بشكل عادل، دون النظر إلى الأعمال والمواقف الأخرى.
بعد مرور أكثر من عام على اندلاع شرارة الحرب، أضيف المزيد من الوقود إلى النار، وكأن الهدف الأساسي للحرب هو إطالة أمدها. في الوقت نفسه، تم تقديم أو النظر في عدد قليل جدًا من المقترحات الخاصة بمحادثات السلام. وحتى الاقتراح الذي قدمه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، وهو بالكاد من محبي السلام، قوبل بالرفض على الفور تقريبًا من قبل المعسكر المؤيد لأوكرانيا.
عندما يتم اتهام أمثال كيسنجر بأنهم مساومون، يمكننا أن نكون على يقين من أن الخطاب السياسي حول الحرب قد وصل إلى درجة كبيرة من التطرف، لم يسبق له مثيل منذ عقود.
بصرف النظر عن أخلاقية التحدث علنًا ضد استمرار الحرب، أو عدم أخلاقية الصمت، هناك أمر آخر يستحق اهتمامنا: الحرب ليست فقط نزاعًا داخليًا بين روسيا وحلفائها من ناحية، وأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي من ناحية أخرى. إن هذه الصراع يؤثر اليوم فينا جميعًا وستكون تداعياته المستقبلية وخيمة.
فحصت دراسة شاملة أجراها باحثون من جامعات برمنغهام وخرونينجن وماريلاند التأثير المحتمل للحرب في دخل الأسرة في 116 دولة مختلفة.
أرست هذه الدراسة الأخيرة نموذجًا للمستقبل، بناءً على ما يعاني منه بالفعل ملايين الأشخاص حول العالم، خاصةً في الجنوب العالمي. يبدو قاتما. فمجرد حقيقة أن أسعار الطاقة يمكن أن تجبر الأسرة الفردية على إنفاق ما بين 2.7 إلى 4.8 في المائة أكثر يكفي لدفع 78 إلى 114 مليون شخص إلى الفقر المدقع.
نظرًا إلى أن مئات الملايين يعيشون بالفعل في فقر مدقع، فإن قسمًا هائلاً من الجنس البشري لن يكون قادرًا بعد الآن على توفير الغذاء المناسب أو مياه الشرب أو التعليم أو الرعاية الصحية أو المأوى اللائق.
لذا، فإن صمتنا عن وحشية الحرب وعدم جدواها ليس فقط غير أخلاقي، وفي هذه الحالة يشكل أيضًا خيانة لمصير مئات الملايين من الناس حول العالم.
يجب أن تنتهي الحرب في أوكرانيا، حتى لو لم يتم هزيمة أحد الأطراف بشكل كامل، وحتى لو لم يتم تحقيق المصالح الجيوسياسية لحلف الناتو، وحتى لو لم تتحقق جميع أهداف روسيا، أيا كانت طبيعة هذه الأهداف.
يجب أن تنتهي الحرب لأنه، بغض النظر عن النتيجة، فإن عدم الاستقرار طويل الأمد في تلك المنطقة لن يتوقف تمامًا في أي وقت قريب؛ ولأن ملايين الأبرياء يعانون وسيستمرون في المعاناة حول العالم. ولأن التسويات السياسية فقط من خلال مفاوضات السلام هي التي يمكن أن تضع حداً لهذا النزاع.
أما من الناحية الأخرى عمليًا، فهذا يعني أن الفلسطينيين ليس لديهم خيار آخر سوى الاستمرار في مقاومتهم، غير مبالين - ولهم ما يبرر ذلك – بمنظمة الأمم المتحدة وتصريحاتها «المخففة».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك