العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

فضح حقيقة الغزو الأمريكي بعد 20 عاما من التدمير للعراق

بقلم: د. فاضل البدراني

الأربعاء ٢٢ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

علينا‭ ‬ألا‭ ‬نصف‭ ‬الوجود‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالعراق‭ ‬منذ‭ ‬2003‭ ‬بغير‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الحماقة‭ ‬المتعجرفة‮»‬‭ ‬لطالما‭ ‬دمر‭ ‬بلادا‭ ‬كاملة،‭ ‬وسرق‭ ‬آثارها،‭ ‬وحطم‭ ‬الثمين‭ ‬منها،‭ ‬ونهب‭ ‬ثرواتها،‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬قتل‭ ‬أبناءها‭ ‬وشرد‭ ‬الملايين‭ ‬منهم‭.‬

غزو‭ ‬عسكري‭ ‬شامل‭ ‬جاء‭ ‬بإدارة‭ ‬حكم،‭ ‬ربع‭ ‬منه‭ ‬مدني،‭ ‬وربع‭ ‬عسكري،‭ ‬وربع‭ ‬مخابراتي،‭ ‬وربع‭ ‬عبثي‭ ‬من‭ ‬لصوص‭ ‬العالم‭ ‬الهمج،‭ ‬يرأسها‭ ‬إنسان‭ ‬حاقد،‭ ‬هو‭ ‬بول‭ ‬بريمر،‭ ‬لكن‭ ‬المتنفذ‭ ‬منها‭ ‬هم‭ ‬عناصر‭ ‬المخابرات‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬لتطبيق‭ ‬رؤية‭ ‬أمريكية‭ ‬نطقت‭ ‬بها‭ ‬كوندليزا‭ ‬رايس‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬مستشارة‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وزيرة‭ ‬للخارجية،‭ ‬بإدخال‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة،‭ ‬ولأن‭ ‬حملة‭ ‬الغزو‭ ‬استندت‭ ‬إلى‭ ‬معلومات‭ ‬استخبارية‭ ‬كاذبة‭.‬

كانت‭ ‬خطة‭ ‬أمريكية‭ ‬نفذت‭ ‬ضمن‭ ‬طبخة‭ ‬غربية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬خطيرة،‭ ‬حاقدة‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬كله‭ ‬جانب‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬سماتها،‭ ‬إثارة‭ ‬الطائفية،‭ ‬كونها‭ ‬اختارت‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬محلي‭ ‬سمي‭ ‬بـ«مجلس‭ ‬حكم‮»‬،‭ ‬اختيرت‭ ‬شخصياته‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المذهب‭ ‬والعرق‭ ‬والدين،‭ ‬ودعم‭ ‬معارضة‭ ‬بعض‭ ‬منها‭ ‬يعاني‭ ‬كراهية‭ ‬للعراقيين‭ ‬بسبب‭ ‬العيش‭ ‬طويلا‭ ‬خارج‭ ‬البلاد،‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الادماج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يمنحها‭ ‬فرصة‭ ‬تفهم‭ ‬وضع‭ ‬العراق‭ ‬وطبيعته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬وحتى‭ ‬الوطنية،‭ ‬فإدارة‭ ‬واشنطن‭ ‬ولندن‭ ‬للعراق‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الغزو‭ ‬مطلع‭ ‬2003‭ ‬كانت‭ ‬أخطر‭ ‬إساءة‭ ‬تاريخية‭ ‬ضده،‭ ‬جاءت‭ ‬ضمن‭ ‬حلقات‭ ‬متعددة‭ ‬مورست‭ ‬فيها‭ ‬أسوأ‭ ‬حالات‭ ‬الافشال‭ ‬والتقزيم‭ ‬والتشويه‭ ‬والتدمير،‭ ‬والعبث‭ ‬الفكري،‭ ‬ومحاولة‭ ‬البناء‭ ‬عليها‭ ‬مستقبلا‭ ‬لتدمير‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين‭ ‬لغايات‭ ‬كلها‭ ‬سوء،‭ ‬تمثل‭ ‬تفاهما‭ ‬دوليا‭ ‬إقليميا‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬ارتبطت‭ ‬بها،‭ ‬وإقرار‭ ‬دستور‭ ‬ظاهري،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬مواده‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬نهج‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬بينما‭ ‬تختبئ‭ ‬في‭ ‬ثناياه‭ ‬ألغام،‭ ‬وقد‭ ‬حصلت‭ ‬عملية‭ ‬رفض‭ ‬جماهيري‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬تقاوم‭ ‬الاحتلال،‭ ‬لكن‭ ‬تم‭ ‬فرضه‭ ‬بأساليب‭ ‬القوة‭ ‬والتهديد‭ ‬والترغيب‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬سنتين،‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬اعتاد‭ ‬المحتل‭ ‬الأمريكي‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬والإرباك،‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬سابقتها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬السمات،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬تعد‭ ‬استكمالا‭ ‬لعمليات‭ ‬التدمير‭ ‬النفسي‭ ‬والفكري‭ ‬والبيئي،‭ ‬حتى‭ ‬أوصلوا‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬عندما‭ ‬احتل‭ ‬ثلث‭ ‬مساحة‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬التي‭ ‬تندرج‭ ‬مع‭ ‬صفحتي‭ ‬القاعدة‭ ‬والمليشيات‭ ‬وتوصف‭ ‬بـ«بندقية‭ ‬مأجورة‮»‬‭ ‬تقتل‭ ‬العراقيين‭ ‬وتشيع‭ ‬الفوضى‭ ‬والرعب‭ ‬وتوقف‭ ‬كل‭ ‬خطوات‭ ‬التنمية،‭ ‬هي‭ ‬حلقات‭ ‬لمسلسل‭ ‬التدمير‭ ‬للعراق‭ ‬غايتها‭ ‬قتل‭ ‬النموذج‭ ‬القيمي‭ ‬العراقي،‭ ‬ونهب‭ ‬الثروات‭ ‬وإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬التفكير‭ ‬الجمعي‭ ‬العراقي‭ ‬بالاتجاه‭ ‬الذي‭ ‬ترغب‭ ‬فيه‭ ‬واشنطن‭ ‬ولندن،‭ ‬إنه‭ ‬ملخص‭ ‬عبث‭ ‬غربي‭ ‬بزعامة‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬20‭ ‬عاما،‭ ‬تسبب‭ ‬بمقتل‭ ‬حوالي‭ ‬مليون‭ ‬عراقي‭ ‬وستة‭ ‬ملايين‭ ‬يتيم،‭ ‬وكان‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬هدف‭ ‬استراتيجي‭ ‬فكري،‭ ‬غايته‭ ‬الأساسية‭ ‬إحداث‭ ‬تحول‭ ‬فكري‭ ‬باتجاه‭ ‬ترسخ‭ ‬هيمنة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وإزالة‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬عقول‭ ‬العراقيين‭ ‬والعرب،‭ ‬وبالطبع‭ ‬ذلك‭ ‬درس‭ ‬غربي‭ ‬عنيف‭ ‬تجاه‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬وخارجها‭.‬

إنه‭ ‬احتلال‭ ‬زرع‭ ‬الموت‭ ‬والخوف‭ ‬والرعب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البيوت‭ ‬العراقية،‭ ‬وملأ‭ ‬الأرض‭ ‬العراقية‭ ‬مواد‭ ‬سامة‭ ‬وإشعاعات‭ ‬فتكت‭ ‬بالصحة‭ ‬العامة‭ ‬للعراقيين،‭ ‬وأصبح‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬المنتشر‭ ‬فيها‭ ‬الأمراض‭ ‬السرطانية،‭ ‬وصنف‭ ‬العراقيين‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المذهب‭ ‬والجهوية‭ ‬والقومية‭ ‬والدين،‭ ‬وهي‭ ‬ملوثات‭ ‬فكرية‭ ‬تمثل‭ ‬تأصيلا‭ ‬للتفرقة‭ ‬والتقزيم‭ ‬والبغضاء،‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الواحد،‭ ‬شعوبا‭ ‬متناثرة‭ ‬متناقضة،‭ ‬الهدف‭ ‬كله‭ ‬لكي‭ ‬يحققوا‭ ‬ضمان‭ ‬سطوة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ويفرضوا‭ ‬إرادتهم‭ ‬علينا،‭ ‬فمتى‭ ‬يرتقي‭ ‬العراقيون‭ ‬بوعي‭ ‬تبرز‭ ‬فيه‭ ‬هويتهم‭ ‬العراقية‭ ‬الجامعة‭ ‬كونها‭ ‬الرباط‭ ‬المتين،‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬يمكن‭ ‬تجاوز‭ ‬مفهوم‭ ‬الهويات‭ ‬الفرعية‭ ‬المعادية‭ ‬لبناء‭ ‬الدولة‭ ‬المنتجة،‭ ‬أو‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المتماسكة‭ ‬المستقرة؟‭ ‬

{ كاتب‭ ‬وأكاديمي‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا