أوضح «معهد الولايات المتحدة للسلام»، أنه خلال العامين الأولين من رئاسة «جو بايدن»، لم يكن الشرق الأوسط منطقة «ذات أولوية قصوى»، مقارنة بقضايا «مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، وتصعيد التوترات مع الصين»؛ بيد أن التصعيد العنيف الأخير في فلسطين، إلى جانب المخاوف بشأن تطلعات إيران النووية، قد أدى إلى «لفت انتباه الإدارة الأمريكية»، إلى المنطقة، وتجدد الجهود الدبلوماسية من قبل المسؤولين الأمريكيين.
وبشكل ملحوظ، انعكس هذا الاهتمام المتجدد بالشرق الأوسط في سلسلة الزيارات الرفيعة المستوى، التي قام بها مسؤولون أمريكيون لإجراء محادثات مع حلفاء وشركاء إقليميين. وعقب زيارة «بايدن»، لإسرائيل وفلسطين والسعودية في يوليو 2022؛ توجه في شهر يناير 2023، «جيك سوليفان»، مستشار الأمن القومي و«ويليام بيرنز»، مدير وكالة المخابرات المركزية، و«أنطوني بلينكين»، وزير الخارجية إلى المنطقة؛ بهدف تهدئة التوترات المتصاعدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي أحدث زيارة، قدِمَ «لويد أوستن»، وزير الدفاع، في مطلع شهر مارس؛ لعقد سلسلة اجتماعات مع المسؤولين الرسميين في الأردن، ومصر، وإسرائيل.
جاءت مداولات «أوستن»، وسط إخفاقات متكررة من قبل زملائه لتهدئة التوترات والخروج من تلك اللقاءات بنتائج ذات مغزى. وأوضح «أوليفر هولمز»، في صحيفة «الجارديان»، أن زيارة «بلينكين»، في أواخر شهر يناير، «لم تقدم أي اختراق للأوضاع». وأشار «خليل جهشان»، من «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات»، إلى أنه في حين تم التوصل إلى اتفاق بمدينة العقبة الأردنية بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ لتقليل التوترات في نهاية فبراير2023، ساعد هجوم من قبل المستوطنين الإسرائيليين في بلدة «حوارة» بالضفة الغربية على «الإجهاز» السريع على هذا الاتفاق.
وعلى الرغم من كون الزيارة موجهة ضد عمليات التصعيد بين الإسرائيليين والفلسطينيين، التي تهدد مرة أخرى «بالخروج عن السيطرة»، كما كتب «جون ألترمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»؛ فقد ذكر «إدريس علي»، من وكالة «رويترز»، أن الهدف الأساسي منها يتبلور حول المأزق الآخر للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط؛ والمتمثل في «طمأنة شركاء أمريكا الأمنيين»، بأنها لا تزال «ملتزمة بأمن المنطقة على الرغم من تركيزها مؤخرًا على روسيا والصين».
وبهذا المعنى، ركزت تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، خلال زيارته على «المخاطر الأمنية المتبادلة المنبثقة من إيران». مع إشارة «فيليسيا شوارتز»، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إلى أن «واشنطن»، وحلفاءها «قلقون بشأن الروابط الدفاعية بين روسيا وإيران»، في ظل قيام الأخيرة، بتزويد «موسكو»، بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية. وبعد استخدام الأسلحة الإيرانية لشن هجمات ضد البنية التحتية المدنية في أوكرانيا؛ حذر «أوستن»، من احتمال قيام تحالف عسكري «لا يمكن تصوره» بين روسيا وإيران، مشددًا على تداعياته السلبية على صعيد المنطقة والعالم. وفيما يتعلق بمسألة طموحات إيران النووية، أكد النهج الذي تمسكت به «واشنطن»، منذ فترة طويلة، وهو الاعتقاد بأن «الدبلوماسية هي أفضل طريقة لمنعها من الحصول على سلاح نووي»، وفي الوقت ذاته «عدم السماح لها بامتلاكه».
وحول كيفية تحويل «الولايات المتحدة»، كلمات وتصريحات «أوستن»، إلى أفعال تعزز مشاركتها المستقبلية في الأمن الإقليمي؛ أوضح «ديون نيسنباوم»، و«دوف ليبر»، و«ستيفن كالين»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن «أحد الخيارات قيد المناقشة» في «واشنطن»، الآن هو اختيار «الرياض»، حليفا رسميًا للولايات المتحدة من خارج الناتو»، مثل قطر، والأردن، الأمر الذي يسهل وصولها إلى الأسلحة الأمريكية».
إلى جانب ذلك، تسعى «واشنطن»، من الزيارة إلى تهدئة مخاوف شركائها بشأن عملية الانسحاب الاستراتيجي من المنطقة.
ورأى «علي» أنه من المتوقع أيضًا أن «أوستن» سلم «رسائل صريحة» بهذا الشأن إلى القادة في المنطقة، وعلى الأخص إسرائيل. وخلال الأسابيع الأخيرة، صعد المسؤولون الأمريكيون من انتقاداتهم العلنية لسياسة الحكومة الإسرائيلية وأفعالها. وجاءت تصريحات «نيد برايس»، المتحدث باسم «الخارجية الأمريكية»، الأكثر صراحة في هجومه على «بتسلئيل سموتريتش»، وزير المالية الإسرائيلي، بشأن تصريحاته التحريضية للمستوطنين حول «حوارة»، التي وصفها بـ«المقيتة».
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية المقترحة من قبل «نتنياهو»، لخنق استقلال القضاء وتقويض سلطاته؛ دافع «أوستن»، بشكل غير مبرر عن «عبقرية الديمقراطية الأمريكية والإسرائيلية»، التي تعتبر «مؤسساتها القضائية قوية وذات استقلالية». وأشارت صحيفة «الجارديان»، إلى أن «تصريحات» كل من «أوستن»، والرئيس الإسرائيلي «إسحاق هرتسوغ»، جاءت لتصف التغييرات والإصلاحات القضائية المقترحة، بأنها «خاطئة»، بل و«تقوض أسسنا الديمقراطية»، وهو ما «يؤكد عمق القلق غير المعتاد»، تجاه تصرفات الحكومة الإسرائيلية.
ومع أن «لورا كيلي»، في مجلة «ذا هيل»، قد أشارت إلى أن إسرائيل قادرة على الحفاظ على «دعم الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس؛ فقد رفضت شخصيات مؤثرة من كلا الحزبين علنًا التحالف الإسرائيلي اليميني المتطرف. ووصف السيناتور الديمقراطي، «كريس كونز»، الوضع الراهن بـ«المتوتر»، وأنه يشكل «أزمة حقيقية للديمقراطية الإسرائيلية»، كما أشار عضو لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس «بريان شاتز»، إلى أن «نتنياهو»، يعتقد أنه «يمكنه التصرف دون عقاب، وتجاهل الأعراف الديمقراطية»، و«إلحاق الضرر بالفلسطينيين دون مساءلة».
وفيما يتعلق بوضع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، أكد «أوستن»، أن الولايات المتحدة، «تعارض بشدة أي أعمال يمكن أن تؤدي إلى مزيد من انعدام الأمن وزعزعة الاستقرار»، مشيرًا إلى خطورة «توسيع المستوطنات» والخطاب التحريضي من قبل الإسرائيليين. وفي حين أشار إلى أنه «منزعج بشكل خاص من عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين»؛ فقد أصر مرة أخرى على «التزام واشنطن بأمن إسرائيل بشكل صارم»، وتأكيده على استمرارها بتمويل أمني لإسرائيل بمبلغ 3.3 مليارات دولار أمريكي سنويًا.
وحول ردود الفعل تجاه زيارة وزير الدفاع وتأثيراتها على سمعة ومكانة «واشنطن»، في الشرق الأوسط، والجهود الدبلوماسية المبذولة لتهدئة التوترات الإقليمية؛ رأى قائد القيادة المركزية الأمريكية السابق بين عام 2019 و2022، «فرانك ماكنزي»، أن الزيارة «مثال ممتاز لإخبار الكثيرين في المسرح السياسي بالمنطقة أنهم سيظلون مهمين بالنسبة إلينا»، بالإضافة إلى زيادة الانتباه إلى التحدي الذي يواجه الدور الأمريكي في المنطقة والمنبثق من الصين.
ومع ذلك، وصف «بيتر إيساكسون»، من موقع «فير أوبزرفر»، الزيارة بـ«المسرحية الهزلية»؛ حيث إن تأكيدها على إصرار «الولايات المتحدة»، الالتزام بأمن المنطقة، يتناقض بشكل ملحوظ، مع «تراجع الاهتمام» بالقضايا الإقليمية، مثل إيران، أو القضية الفلسطينية. علاوة على ذلك، أفادت «لوسي إيلينبوجن»، من «معهد الولايات المتحدة للسلام»، بأنه ردًا على زيارة «بلينكين»، السابقة، والتي كانت «تبدو بعيدة كل البعد عن الواقع المروع الذي تكشف على الأرض»، يمكن بسهولة استنتاج الشيء ذاته من مناقشات «أوستن»، والتعليقات العامة التي أدلى بها خلال جولته إلى الشرق الأوسط.
من جانبها، علقت «إيما أشفورد»، في مجلة «فورين بوليسي»، بأنه «على الرغم من تصاعد وتيرة العنف وتزايد التطرف من جانب حكومة إسرائيل في السنوات الأخيرة»، فإن سياسة البيت الأبيض «لم تتغير»، ومازالت مستمرة في «تسليحها وتمويلها مع رفضها العلني لتصريحات وزرائها المتطرفين. وفيما يتعلق بما يجب فعله لمعالجة هذا الأمر، رأت أن على «الولايات المتحدة»، «اشتراط مساعدتها لإسرائيل»، بـ«منع ارتكاب المزيد من الانتهاكات في الأراضي المحتلة»، وتجنب خلق «بيئة تسمح لها بالإقدام على ذلك». وأوضح «مايكل بارنيت»، من جامعة «جورج واشنطن»، أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تقترب من «حافة إبادة جماعية» في الأراضي المحتلة، وبيّن أن واشنطن بصفتها «الداعم الأساسي لإسرائيل والمدافعة عنها، ساعدتها وشجعتها على «انجرافها» إلى هذا الموقف.
على العموم، مع التأكيد المتكرر لـ«أوستن»، خلال زيارته للشرق الأوسط على أن «الولايات المتحدة»، ستظل ملتزمة بأمن المنطقة على «المدى الطويل» -وهو ما تم ترديده في الأشهر الماضية على لسان «بايدن»، و«بلينكين»، و«سوليفان»- يظهر بوضوح أنها «فضلت استمرار غياب القيادة، والإجراءات الإقليمية ذات الصلة»، وبدلاً من ذلك اعتمدت على الكلمات والخطابات الرنانة، وعليه تؤكد بالفعل عدم وجود قوة أو دافع ما يجبرها على تغيير ما أشار إليه «آرون ميللر»، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، من «إلغاء عام للأولويات»، من قبلها للقضايا الإقليمية بالمنطقة.
وفي حين أدى تدهور الوضع الأمني في الأراضي المحتلة، إلى جانب الذعر من مسألة تعيين السياسيين المتطرفين كوزراء بالحكومة، والسعي وراء أجندة سياسية معادية للديمقراطية؛ إلى تراجع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فقد رأى «ميللر»، كيف أن «إدارة بايدن»، في نهاية المطاف «لا تبحث عن صدام مع نتنياهو»؛ الأمر الذي أشار إليه «أوستن» خلال زيارته من إعادة تأكيده الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك