دخلت الحرب الروسية المدمرة في أوكرانيا عامها الثاني، مع عدم وجود نهاية في الأفق. يجب طرح أسئلة جادة حول كيفية المضي قدمًا. في نهاية العام الأول، تروي الحصيلة دموية القصة، حيث تقدر مصادر حكومية أمريكية أن أكثر من 130 ألف جندي أوكراني قتلوا أو أصيبوا بجروح بالغة.
وبالمقابل، تتراوح تقديرات الخسائر العسكرية الروسية ما بين 150.000 و 200.000، مع ما لا يقل عن 60.000 من هذا العدد الإجمالي من القتلى - وهو ما يمثل أكثر من ضعف عدد الجنود الروس الذين قتلوا في أفغانستان والشيشان مجتمعين.
كان التأثير في الشعب والاقتصاد الأوكرانيين أكثر وقعا، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني بمقدار الثلث، كما أنهم فقدوا أكثر من 40% من قدرتهم على توليد الطاقة الكهربائية.
كذلك اضطر أكثر من 8.5 ملايين أوكراني إلى الفرار من بلادهم إلى الغرب، مع نزوح عدد أكبر من الأوكرانيين داخليًا نتيجة الدمار الواسع النطاق الذي لحق بالمنازل والبنى التحتية. نتيجة لذلك، أصبحت أوكرانيا تعتمد على الغرب ليس فقط في الأسلحة، ولكن أيضًا في الإعانات الاقتصادية لتأمين الحاجات الأساسية.
وبما أن الحرب لم تتجاوز الحدود الأوكرانية، فقد نجا الروس من الموت والدمار الذي ألحقوه بجيرانهم. كان للعقوبات التي فرضها الغرب تأثير، لكن حكومة الرئيس فلاديمير بوتين تمكنت من الاعتماد على الاحتياطيات لدعم اقتصادها ووجدت طرقًا للالتفاف على العقوبات للحفاظ على مستوى مربح من الصادرات والواردات، وإن كان متناقصًا.
ونتيجة لذلك، فقد كانت درجة انكماش الاقتصاد الروسي أقل بكثير مما كان متوقعًا في عام 2022، بل إن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يحقق الاقتصاد الروسي بعض النمو الطفيف في عام 2023. وبدلاً من تعبئة العالم ضد العدوان الروسي، زادت الحرب من الانقسام القائم مسبقًا بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.
يجب ملاحظة العديد من التطورات المهمة على الساحة الدولية، لكن الأهم من كل ذلك أن هذه الحرب قد تحولت إلى ما يمكن أن نسميه صراعًا وجوديًا لجميع الأطراف، حيث أظهرت القومية الأوكرانية أنها أقوى بكثير مما كان متوقعًا.
بدافع من هذا البعد القومي، وبتشجيع من الدعم العسكري والسياسي الغربي، يتعهد القادة الأوكرانيون الآن بمواصلة القتال حتى يتم إخراج القوات الروسية من «كل بوصة مربعة» من أراضيهم. توقعت روسيا في البداية وجهة النظر القائلة إن أوكرانيا بلد مصطنع وسعت إلى إسقاط قيادتها من خلال هجوم مدمر شعاره «الصدمة والرعب».
عندما أصبح هذا الهدف بعيد المنال، استقر رأي الروس على تأكيد حقهم في ضم الأراضي في الجزء الشرقي من أوكرانيا والذي يتحدث سكانه اللغة الروسية على نطاق واسع.
بعد أن اضطر الروس إلى التخلي عن السيطرة عن بعض المناطق التي احتلوها في البداية، أصبحوا الآن يتراجعون في قتال مميت على عدة جبهات، مع استعار المعارك في مناطق أخرى.
أما الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون فقد حفروا لأنفسهم حفرة خطابية دعائية. ففي وقت مبكر من هذا النزاع العسكري، بدا الرئيس الأمريكي جو بايدن وكأنه مزيج من ونستون تشرشل ورونالد ريجان، حيث حشد الرأي الأمريكي والأوروبي الغربي للانضمام إلى هذه المعركة لإنقاذ الديمقراطية والتحرر من العدوان الاستبدادي وطمأن الجميع ليس فقط أن النصر سيتحقق في الحرب في أوكرانيا، بل إنه لا خيار سوى تحقيق النصر.
الآن وبعد مرور عام على اندلاع هذه الحرب العسكرية المدمرة، لم يتحقق النصر الذي تحدث عنه بايدن في المعركة، إذ إن كل الدلائل تشير إلى استمرارها. فيما تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بإرسال أسلحة جديدة أكثر فتكًا إلى أوكرانيا.
وهكذا، فإن الأوكرانيين يستعدون لشن هجوم جديد. ويتمسك الروس بأسلوبهم الخاص، وهم مصممون على مواصلة الحرب.
وبطبيعة الحال فإن المشكلة تتمثل في أن المزيد من الأسلحة والمزيد من الخسائر في ساحة المعركة لن ينهي هذه الحرب، حيث لا تزال جميع الأطراف تعتقد أنه بإمكانها الانتصار، بل ويجب عليها ذلك. وبالتالي، يمكننا توقع المزيد من الموت والدمار والآلام في هذا العام الثاني.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك