في السادس عشر من مارس 2023 أعلن الجيش الوطني الليبي العثور على الأسطوانات التي تحتوي على 2,5 طن من اليورانيوم الطبيعي على بعد 5 كم من الحدود مع تشاد وذلك بعد إعلان المدير العام للطاقة الذرية أنه بتفتيش أحد المواقع التي كانت مخصصة لتخزين تلك الكمية من اليورانيوم جنوب البلاد اتضح أنه تمت سرقتها وأن هناك مخاوف من وقوعها في أيدي الجماعات الإرهابية، وتعود قصة تلك الكمية من اليورانيوم إلى أن ليبيا قد كشفت طواعية في عام 2003 عن برامجها السرية للأسلحة النووية وسمحت لمفتشي الوكالة بتفكيك تلك البرامج وبتفتيش كل المواقع التي بها يورانيوم وقد قامت الوكالة بالفعل بزيارات عديدة لليبيا كان آخرها عام 2020 وإغلاق الموقع المشار إليه الذي كان يحتوي على تلك الكمية من اليورانيوم، وعلى الرغم من إعلان ليبيا الرسمي استعادة اليورانيوم المسروق فإن تلك الحادثة قرعت أجراس الخطر مجدداً بشأن إمكانية نجاح الجماعات المسلحة في الحصول على كميات من اليورانيوم التي يمكن تخصيبها بدعم من بعض الدول التي تمتلك تكنولوجيا لهذا الغرض لإنتاج سلاح نووي، ويثير ذلك ثلاثة تساؤلات أولها: ما مسؤولية السلطات الوطنية عن تأمين كميات اليورانيوم؟ وثانيها: ما مخاطر امتلاك الجماعات المسلحة لكميات من اليورانيوم يمكن أن تستخدم في إنتاج قنبلة نووية؟ وثالثها: ما الدور المنوط بالوكالة الدولية للطاقة الذرية لتفتيش ومراقبة تلك المواقع؟ وبداية ينبغي تأكيد أن حماية وتأمين كميات اليورانيوم هو مسؤولية السلطات الوطنية حيث يتطلب ذلك إجراءات خاصة بالنظر إلى خطورة تلك المواد وما بها من إشعاعات لها تأثير بالغ الخطورة على صحة الإنسان وكذلك البيئة وتكمن خطورة الحادثة الليبية في أمرين الأول: هو أنه تم تصوير العثور على 19 برميلا في حين أن الوكالة الدولية أعلنت فقدان 10 فقط، والثاني: قدرة من قاموا بسرقة البراميل الوصول بها إلى مسافة 5 كم من الحدود مع تشاد بما يعني أنه كان بالإمكان تهريبها عبر تلك الحدود، ومع أن المسؤولية تقع على السلطات الوطنية فإن ذلك لا يعني إعفاء الوكالة الدولية من مسؤولياتها فوفقاً لبيان القيادة العامة للجيش الليبي أن الوكالة لم تقم بتزويد السلطات الوطنية الليبية بالملابس والكمامات الخاصة اللازمة لأفراد الحراسة بالنظر إلى طبيعة اليورانيوم والذي يسبب أمراضا بالغة الخطورة الأمر الذي اضطر معه أفراد الحراسة لحراسة ذلك الموقع من مسافات بعيدة خشية الإصابة بتلك الأمراض ما عرض اليورانيوم للسرقة، وتتمثل خطورة تلك الحادثة في أنها أثارت الجدل مجددا حول نجاح الجماعات المسلحة في الحصول على كميات من اليورانيوم تكفي لتصنيع قنبلة نووية، صحيح أنه وفقاً للخبراء أن الحد الأدنى اللازم لذلك هو عشرة أطنان على الأقل بالإضافة إلى شرط أن تكون نسبة التخصيب عالية بنسب أعلى حيث إن الكمية التي تم العثور عليها في ليبيا 2,5 طن فقط بالإضافة إلى أنها تعرف« بالكعكة الصفراء» أي المستوى المتوسط من التخصيب إلا أن ذلك لا يعني أن الحادثة ليست خطيرة لأن جوهر السلاح النووي هو اليورانيوم وبافتراض أن الجماعات المسلحة ليس لديها القدرات التكنولوجية فبإمكانها بيعها لدول لديها تلك القدرات، وهناك حوادث عديدة شهدها العالم تؤكد سعي الجماعات إلى الحصول على اليورانيوم ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر الجماعة الإرهابية اليابانية التي استخدمت غاز السارين في مترو أنفاق طوكيو1995، ما أسفر عن مقتل ثلاثة عشر شخصًا، وإصابة مئات آخرين حيث تشير المصادر إلى أنها سعت قبل ذلك إلى الحصول على يورانيوم خام من أستراليا، وتوجد أمثلة عديدة لمحاولات لم تنجح فيها الجماعات المسلحة من استخدام الأسلحة الكيمائية أو تطوير قنابل نووية بدائية ولكن لا يعني ذلك انتفاء الخطر ولكن التهديد لا يزال هائلاً وتكمن الخطورة في أن تلك الجماعات في ظل حاجتها إلى مصادر تمويل فإنه لا يعنيها لمن تبيع كميات اليورانيوم فالهدف هو الحصول على الأموال، وفي ظل استمرار الصراعات في عديد من مناطق العالم وعدم قدرة بعض الدول للسيطرة على حدودها فإن ذلك يتيح للجماعات المسلحة عمليات التهريب والاتجار بتلك المواد بالغة الخطورة، من ناحية ثانية فإنه حال نجاح تلك الجماعات في تطوير قنبلة نووية بدائية بدعم من إحدى الدول التي لديها التكنولوجيا اللازمة لذلك فإننا سوف نكون أمام مشهد بالغ التعقيد في ظل تحدي تلك الجماعات للدول وسعيها إلى هدم مفهوم الدولة الوطنية الموحدة. المجتمع الدولي لم يقف مكتوف الأيدي ومن ذلك تقارير الأمم المتحدة التي حذرت غير ذي مرة من امتلاك الجماعات المسلحة لأسلحة الدمار الشامل ومن بينها التقرير الذي أعده فلاديمير فورونكوف أحد مسؤولي المنظمة الأممية في مكتب مكافحة الإرهاب الذي جاء في مقدمته: «إن احتمال حصول الجهات الفاعلة من غير الدول، بما في ذلك الجماعات الإرهابية ومؤيدوها، على أسلحة ومواد الدمار الشامل واستخدامها يشكل خطراً جسيما على السلم والأمن الدوليين»، فضلاً عن استضافة الولايات المتحدة الأمريكية للقمة الرابعة للأمن النووي عام 2016 والتي أسفرت عن 260 التزاماً تقع على عاتق الدول المشاركة لتحقيق الأمن النووي وتأكيد التزامات الدول خلال القمم الثلاث التي سبقتها، وقد شارك في تلك القمة ممثلو خمسين دولة وكانت القضية الرئيسية هي «أفضل السبل لتأمين المواد النووية وجميع المواد التي تدخل في صنع قنابل قذرة، وإبقاء الأسلحة النووية بعيداً عن متناول الأنظمة السياسية الخطرة والجماعات الإرهابية»، ومع أهمية تلك الإجراءات فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يزال يقع عليها العبء الأكبر ليس فقط بالنسبة إلى الزيارات الدورية للمواقع التي يتم فيها تخزين كميات اليورانيوم وإنما في المسؤولية عن سبل تأمين تلك الكميات وما يتعلق بدعم السلطات الوطنية في الدول في هذا الإطار بالنظر إلى الطبيعة الخاصة لليورانيوم، وحتى بافتراض وجود صراعات محتدمة فإن هناك العديد من السبل التي يمكن انتهاجها من خلال التعاون مع الأطراف المحلية الفاعلة أو المنظمات الأممية الأخرى العاملة في تلك الدول لعدم تكرار ذلك السيناريو الذي آثار الرعب وجعل من سرقة اليورانيوم والاتجار فيه أمراً سهلاً بل إن تساؤلات كثيرة أثيرت بشأن إمكانية وجود كميات مماثلة في مناطق أخرى من دون حراسة كافية. إذا كنا نتحدث عن مخاطر التكنولوجيا الحديثة في الصراعات فإن نجاح الجماعات المسلحة في تخصيب اليورانيوم يعد ذروة تلك المخاطر بل إنه سوف يرسم مشهداً مغايراً لطبيعة الصراعات الإقليمية ومساراتها بما يتطلب حتمية وجود تعاون السطات الوطنية مع المنظمات الدولية المعنية من دون تأخير أو إبطاء.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك