مع تشكيل حكومة إسرائيلية ائتلافية يمينية متطرفة، بقيادة «بنيامين نتنياهو»، وتركيز نهجها وسياساتها على «قمع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة»، و«دعم المستوطنات في الضفة الغربية، وضم الأراضي»، و«التعديلات السياسية المناهضة للديمقراطية»؛ توقع عديد من المحللين الغربيين، ومن بينهم «شايندي رايس»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن هذه السياسات سوف تؤدي إلى «تعقيد» الدعم السياسي والاقتصادي القوي الذي تقدمه «الولايات المتحدة»، منذ فترة طويلة لإسرائيل.
علاوة على ذلك، أشارت «نيري زيلبر»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إلى أنه «حتى لو تم تنفيذ جزء بسيط من الوعود التي قطعها على أنفسهم الوزراء اليمينيون»، فإن اتجاه الحكومة الائتلافية «لإعادة صياغة» سيادة القانون، جنبًا إلى جنب مع «موقف أكثر عدوانية تجاه الفلسطينيين»، قد تحقق بالفعل في الأشهر الثلاثة الأولى التي تولى فيها هذا الائتلاف السلطة. وبالإضافة إلى توسيع اعترافها بالبؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية، قامت حكومة نتنياهو، بتطوير خططها لتقليص الاستقلال السياسي للمحكمة العليا الإسرائيلية، ما أشعل احتجاجات كبيرة في أنحاء البلاد.
وعلى الرغم من أن «إدارة بايدن»، قد ردت على تصعيد العنف في الأراضي المحتلة، والإصلاحات السياسية للحكومة، بإدانات صريحة من كبار المسؤولين؛ إلا أن تقاعسها عن الاستفادة من دعمها السياسي والاقتصادي لإسرائيل للضغط على تقليل الخطاب التصعيدي، وتأجيج السياسات المتشددة، قد أثار «انتقادات شديدة»، فضلا عن دفاعها في أواخر فبراير 2023 عنها ضد قرار مجلس الأمن، الذي يدين توسعاتها الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية.
وانعكاسًا لهذا النهج، دعا عديد من المعلقين «الولايات المتحدة»، إلى إعادة تقييم علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل. وأشار «ستيفن كوك»، في مجلة «فورين بوليسي»، إلى أن العلاقة الإسرائيلية الأمريكية «لم تعد منطقية»، بالنسبة إلى الأخيرة على أساس أن إسرائيل أضحت «أكثر تشددًا أمنيًا، وأقل ديمقراطية». مضيفا أنه إذا كانت إسرائيل، وأنصارها في الغرب «يريدون استمرار تلقي سخاء الولايات المتحدة»؛ فإنهم سيحتاجون إلى «الخروج برواية جديدة»، لتبرير الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي الأمريكي.
واستكمالا لعرض أفكاره، أشار إلى الخطاب المشترك بين صانعي السياسة في واشنطن وخارجها، بأن إسرائيل منخرطة في «صراع دائم من أجل البقاء وسط منطقة معادية». ومع عدم موافقته على هذه الرواية والاعتقاد السائد بأن ضمان «الأمن الإسرائيلي»، ضد المنافسين الإقليميين، يمثل «مصلحة أساسية للولايات المتحدة»، فقد أوضح أنه في حين أن هذه الفكرة كانت «ربما» صالحة أحيانا في الماضي، ففي الوقت الحاضر فإن «مقولة إن إسرائيل بحاجة إلى مساعدة أمريكية لتأمين وجودها»، هي فكرة يمكن دحضها بسهولة.
وبدلاً من ترديد المزاعم السابقة؛ اعتبر «كوك»، أن إسرائيل «في وضع استراتيجي أفضل من أي وقت مضى»، مكنها تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع عديد من الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من التوسع في العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع عديد من الدول العربية، في حين أن منافسيها الإقليميين التقليديين هم حاليًا إما «غير مستقرين» سياسيا، أو «منشغلين داخليًا»، أو «بعيدين جدًا وغير قادرين» على تعريض أمنها القومي للخطر بشكل مؤثر.
وبينما اعترف الباحث أن «إيران»، هي استثناء لذلك، وتمثل بالفعل «تحديًا كبيرًا»، استنادًا إلى نشاطها الإقليمي الضار، فقد أصر مع ذلك على أن الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، «أثبتت أنها بارعة» في معالجة التهديدات الأمنية الصادرة عن طهران. وفي حين أقر الخطر النووي المتزايد على الأمن الإقليمي من جراء سعي إيران للحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع سلاح نووي، فقد أكد أيضًا حقيقة أن إسرائيل هي نفسها قوة مسلحة نوويًا، مع ما يصل إلى «90 سلاحًا ومخزونًا من البلوتونيوم الكافي لصنع 100 إلى 200 قنبلة نووية»، ما يعني أنه حتى لو حصلت طهران على قدرات أسلحة نووية سيكون لدى إسرائيل القدرة على الحفاظ على ميزة واضحة في سباق التسلح معها.
وإلى جانب التشكيك في الأهمية المستمرة لالتزام الولايات المتحدة بالأمن القومي الإسرائيلي، انضم «كوك»، إلى عديد من المحللين في الإشارة إلى اتساع الهوة السياسية والأيديولوجية بين أمريكا وإسرائيل، مؤكدين أن فكرة «مشاركة الدولتين في مجموعة مشتركة من المبادئ الديمقراطية»، باتت «غير منطقية».
وتأكيدًا لهذا التحليل، تمت الإشارة إلى قيام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بـ«ترهيب جماعات حقوق الإنسان»، وسن تشريعات «تضفي أساسًا على معاملة اليهود مواطنين من الدرجة الأولى، واعتبار العرب مواطنين من الدرجة الثانية»، فضلا عن أن التعديلات القانونية -المذكورة أعلاه- تعمل بشكل واضح على «إضعاف الضوابط والتوازنات في النظام السياسي الإسرائيلي».
وبعيدًا عن السياسات، أثارت طبيعة الحكومة اليمينية الحالية أيضًا الكثير من الذعر لدى المراقبين الغربيين. وأشار «جوش ليدرمان»، من شبكة «إن بي سي»، إلى أن التحالف «يعج بالقوميين المتطرفين». وأعرب «كوك»، عن أسفه من أن الائتلاف، الذي يقوده «نتنياهو»، يضم وزراء «فاشيين وعنصريين صريحين»، في مناصب مؤثرة لديهم أجندة واضحة «لتحديد الهوية الإسرائيلية على أسس دينية».
وحتى وسط المحللين المؤيدين لدعم الولايات المتحدة المستمر لإسرائيل، كان هناك اعتراف بأن تصاعد العنف في الأراضي المحتلة، ومحاولات الدفع نحو التعديلات السياسية المناهضة للديمقراطية؛ قد قوبلت برد فعل عنيف محلي ودولي. وأشار «ماثيو كرونيغ»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن حكومة نتنياهو «تلطخ» سمعة إسرائيل كدولة كان يحكمها القانون، «وتقوض ادعاءاتها» بأنها الدولة الوحيدة الديمقراطية في الشرق الأوسط».
وكان القاسم المشترك للتعليقات حول انتقاد سياسات إسرائيل الحالية؛ هو رفض ردود الفعل التي اتخذتها «إدارة بايدن»، في الوقت الذي اتجهت فيه الدول الغربية الأخرى، نحو ضرورة محاسبة إسرائيل جراء انتهاكاتها في الأراضي المحتلة، والتدابير السياسية المناهضة للديمقراطية، وهي أفعال من شأنها أن تثير أقوى ردود فعل ممكنة إذا ما ارتكبتها دول أخرى.
وفي تأكيد لهذا، أشار «كوك»، إلى أن الإجراءات الاستفزازية للحكومة الإسرائيلية «قد تم تجاهلها إلى حد كبير من قبل «واشنطن»، منذ فترة طويلة»، مكتفية ببعض التعليقات، «التي وردت في تقارير وزارة خارجيتها، والتي لم يقرأها سوى القليل». وأشارت «إيما أشفورد»، من «مركز ستيمسون»، إلى الطريقة التي وفرت بها واشنطن لها «غطاء في الأمم المتحدة»، من خلال «الاعتراض عن عمد، أو منع القرارات»، التي كان من شأنها أن تعرضها للمساءلة الدولية عن الانتهاكات في الأراضي المحتلة. ومع ذلك، أشار إلى أن حجم الضجة حول طبيعة سياسات حكومة نتنياهو في الوقت الحالي، جعلت الآن «الإخفاقات الديمقراطية في البلاد من الصعب تجاهلها» بالنسبة إلى صانعي السياسة الأمريكيين.
وبالفعل، استنكر المعلقون طريقة معاملة إسرائيل للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وعدم وجود رد فعل أمريكي ملموس، أو الضغط على نتنياهو لوقف تصعيد عنف المستوطنين اليهود، وكذلك الخطاب الاستفزازي لوزراء حكومته. وأكد «كوك»، أن السيادة الإسرائيلية «بات لا يمكن المساس بها»؛ حيث نجحت حكومة نتنياهو، بالتعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا، في «تهميش القضية الفلسطينية وأسسها ودعائمها». مشيرا إلى أنه على الرغم من حصول المواطنين اليهود وغير اليهود في إسرائيل رسميًا، على نفس الحقوق دون تمييز، فمن الواضح أن المواطنين العرب «محرومين من كل هذه الحقوق»، حيث يظل الفلسطينيون «أفقر وأقل تعليما»، ولديهم «فرص أقل من نظرائهم الإسرائيليين اليهود».
وعلى الرغم من «الارتفاع الكبير في وتيرة العنف» ضد الفلسطينيين، و«التطرف المتزايد» من جانب الحكومة الإسرائيلية، فقد أكد «آشفورد»، أن سياسة الولايات المتحدة، حيال هذه السياسات «لم تتغير» كليًا، ومازالت «تواصل تسليحها، والتغاضي عن انتهاكاتها» على الرغم من الاعتراف بمحاولات نتنياهو «تقويض القضاء الإسرائيلي»، ودعوة وزير المالية «بتسلئيل سموتريتش»، إلى القيام بـ«تطهير عرقي مدعوم من الدولة».
ونتيجة لذلك، حثت مجموعة من 90 عضوًا بالكونجرس الأمريكي «بايدن»، على «استخدام جميع الأدوات الدبلوماسية لمنع الحكومة الإسرائيلية من إلحاق المزيد من الضرر بالمؤسسات الديمقراطية في البلاد»، كما كانت أيضًا هناك مجموعة متزايدة من الأصوات في السياسة الأمريكية والأكاديمية وتعليقات الخبراء المطالبة بوضع قيود على دعمها الاقتصادي لإسرائيل؛ بهدف الحفاظ على ديمقراطية البلاد، والحد من وتيرة العنف ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
ووفقا لـ«مركز أبحاث الكونجرس»، كانت إسرائيل «أكبر متلقٍ للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية»؛ حيث حصلت على 158 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية، والتمويل العسكري بواقع 3.8 مليارات دولار سنويًا، كجزء من مذكرة تفاهم تم إبرامها عام 2016، بشأن حجم المساعدات العسكرية المقدمة لها طيلة عشر سنوات قادمة بعد هذا التاريخ.
وفي إطار هذا الواقع، طالبت «آشفورد»، «البيت الأبيض»، بـ«فرض مزيد من الشروط والقيود أمام مساعدته العسكرية وغيرها» لإسرائيل». وفي السياق ذاته، طالب المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة «بيرني ساندرز»، الإدارة الأمريكية، بخلق «اشتراطات»، مقابل الدعم المستقبلي لها من أجل إحباط آلية وجود «حكومة عنصرية»، تنوي «التقليل من الشعب الفلسطيني»، وتدير ظهرها لخيار حل الدولتين.
من جانبه، أوضح «كرونيغ»، أن عملية «كيل الاتهامات»، ضد الوزراء الإسرائيليين من المسؤولين الأمريكيين لن تساعد «إدارة بايدن»، في تحقيق أهدافها، كما دافع عن نقطة، أنه في السنوات الماضية، «كان نفوذ واشنطن على إسرائيل عادة أكبر «عندما تُبقي أمريكا الحكومة الإسرائيلية» على مقربة منها دون إبعادها»، وأصر على أنه سيكون من الأفضل لإدارة بايدن التعبير عن اعتراضها على سياسة إسرائيل «خلف الأبواب المغلقة».
وعلى الرغم من أن انتقادات سياسات الحكومة الإسرائيلية وأفعالها أضحت منتشرة بين المعلقين الغربيين، إلا أن «ليدرمان»، أشار إلى أنه لا توجد حتى الآن «مؤشرات» على أن «إدارة بايدن، سوف تغير من وتيرة دعمها طويل الأمد لإسرائيل، ولا حتى مجرد ممارسة الضغط على التحالف الذي يقوده «نتنياهو»، لتهدئة التوترات في الأراضي المحتلة، أو حتى فرض مزيد من السيطرة على المستوطنين الذين ينفذون اعتداءات بحق مواطنين فلسطينيين، أو الحد من الطبيعة المناهضة للديمقراطية عبر الإصلاحات القانونية التي تريد الحكومة الإسرائيلية تنفيذها، وهي الأمور التي دفعت الخبير الأمني الدولي «كيري أندرسون»، إلى أن يرى أن هذه الأمور تعد «تقاعسا» من قبل إدارة بايدن التي «لا تجيد التعامل مع حقائق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني»، ونمو التطرف داخل أروقة السياسة الإسرائيلية.
على العموم، فإن دفاع الولايات المتحدة عن الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية غير مقنع لكثير من المحللين، نظرًا إلى أن لديها «جيشًا كبيرًا ومتطورًا وفعالاً»، وعلاقات مع كثير من الدول العربية، غير أن التغييرات السياسية الإسرائيلية المناهضة للديمقراطية وحدها هي ما قد تثير الشكوك حول العلاقة المستقبلية بين إسرائيل وبين الدول الغربية.
وعليه، خلص «كوك»، إلى أن الاحتجاجات المستمرة في جميع أنحاء البلاد ضد الحكومة الإسرائيلية، لا يمكن أن تحبط التغييرات القانونية المقترحة، حيث لا يبدو أن «نتنياهو»، وحلفاءه السياسيين «قد يتراجعون» عن سياساتهم. كما خلص أيضا إلى أنه ليس أمام «إدارة بايدن»، سوى «التظاهر»، بأنها تشارك قيمها الديمقراطية مع نظيرتها الإسرائيلية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك