يروي الموقع الإلكتروني (المرسال) أنه ذات يوم ارتكب أحد المديرين الناشئين خطأ رهيبًا كلف الشركة (IBM) حوالي 10 ملايين دولار؛ فتم استدعاء المدير الصغير إلى مكتب (توم واطسون، وهو الرجل الثاني في المؤسسة)، حيث نظر المدير الصغير إلى رئيسه وقال له: «أعتقد أنك تريد مني تقديم استقالتي، أليس كذلك؟»، عندها نظر إليه واطسون، وقال له: «بالطبع لا، لا يمكن للشركة أن تستغني عنك الآن، لقد أنفقنا للتو 10 ملايين دولار في تدريبك».
هل كان (توم واطسون) محقًا في قراره؟ دعونا نتعرف على ذلك.
قلنا في مقال سابق إن الخطأ البشري أمر متوقع في العمل المؤسسي، فليس من المعقول ألا تقع أي أخطاء أثناء العمل، بل على العكس فإن وجد المسؤول الإداري القائد عدمية وجود الأخطاء فإنه عليه أن يتحرى الأسباب التي تدعو إلى ذلك، لا أن يفرح ويهلل، فعدم وقوع الأخطاء ربما يعني أنه لا أحد يعمل، ويمكننا أن نستعيد بضع كلمات من الفنان محمد صبحي الذي يقول «اعمل قليلا تخطئ قليلا، تعمل كثيرا تخطئ كثيرا»، وهذا هو المنطق.
حسنٌ، ولكن السؤال هنا، ماذا يمكن أن نفعل؟ هل نترك الأخطاء تقع من غير أي ردة فعل، ولا نعاقب، وإنما نعفو على كل خطأ؟ أم ماذا نفعل؟
نجد أنه يجب أن توجد استراتيجية أو دستور مكتوب لإدارة الخطأ في أي مؤسسة سواء كانت صغيرة أو كبيرة، على أن يكون هذا الدستور واضحًا لجميع المنخرطين في هذه المؤسسة منذ اللحظات الأولى حتى تكون الأمور واضحة، حسنٌ، ماذا يجب أن يحوي هذا الدستور؟ وكيف يعمل؟
نعتقد أن إدارة الخطأ تنقسم حسب هذا الدستور إلى ثلاثة أقسام، وهي كالتالي:
أولاً: منع وقوع الخطأ
وقد يعترض البعض على أنه لا يمكن منع الخطأ، وهذا حق، وإنما نحن في هذا الدستور سنحاول أن نقلل – بقدر الإمكان – من وقوع الخطأ، ولكن كيف يمكن ذلك؟
فهرس تصنيف أنواع الخطأ وعواقب وقوعها
نجد أنه من المهم أن تقوم الإدارة المسؤولة بتصنيف كل الأخطاء التي من الممكن أن تقع، وهذه تسمى في علم الإدارة (الخطوة الاستباقية)، بمعنى أن نمنع وقوع الخطأ قبل وقوعه وذلك بتعريف الأفراد بأنواع الأخطاء المقبولة والأخطاء غير المقبولة، والأخطاء التي يجرم عليها، والأخطاء العفوية، وهكذا.
يحوي هذا الدستور تحليل متكامل للأخطاء وعواقب وقوعها، والعوامل التي تؤدي إلى وقوع الخطأ، بالتفصيل، وما الأخطاء التي يجب أن يعاقب عليها الفرد حال وقوعها، ليس ذلك فحسب وإنما ما العقوبة التي تقتضي الوقوع في مثل هذا الخطأ، فليس من الحكمة أن نعاقب الموظف الفلاني بعقوبة وقف عن العمل ثلاثة أيام، ويأتي شخص آخر فيقع في الخطأ نفسه ونعفو عنه.
يشمل هذا الدستور أيضًا:
{ استراتيجية واضحة للإدارة في إدارة الخطأ قبل أن يقع وأثناء وبعد وقوعه
{ أن يتعرف الموظف على مهام وظيفته وأبعاد التوصيف الوظيفي منذ اليوم الأول.
{ تدريب الموظف على مهام الوظيفة وخاصة إن كان يتعامل مع الجمهور، تدريبه على التعامل مع الخطأ قبل أن يقع، وإن وقع، وكيف يتعامل مع كل هذا الأمور، مع تعليمه أن الخطأ جزء أصيل من العمل، وهذا يعني أن يكون للموظف الأمان النفسي للتعامل مع الخطأ.
{ يتدرب وأن يتعرف الموظف مع هذا الدستور، وكيف يتعامل معه، ومتى يسأل ومتى يعمل، وهكذا.
وهذا هو دستور، لذلك يجب أن يحوي الكثير من الأمور، وأن يعرف الجميع أن يتعامل مع هذا الدستور، وأن توجد نسخة منه في درج كل موظف أيًا كان مركزه.
رؤية واستراتيجية
من ضمن أبرز الأخطاء التي تواجه الإدارة ولا يجب إغفالها هو عدم وضع توقعات واضحة لأعضاء الفريق، وعدم اطلاعهم على ما تتوقعه الإدارة منهم على نحو واضح؛ فمن شأن خطأ كهذا أن يؤدي إلى فريق عمل منهك من كثرة العمل، وخاصة إذا كانوا يبذلون جهدًا شاقًا من دون أن يعرفوا أنهم حققوا ما طُلب منهم، لذلك فمن المحتمل أن يقعوا في كثير من الأخطاء.
عدم وضوح الرؤية وغياب التوقعات والاستراتيجية سوف يؤدي إلى تدني الروح المعنوية، وإلى غياب أي حافز؛ فمن شأن الهدف أن يحفز الموظفين على بذل جهد مضاعف من أجل تحقيق هذا الهدف. وفي حالة غياب الهدف والتوقعات الواضحة فلن يعمل الموظفون سوى من أجل الحصول على الراتب الشهري، وهذا في حد ذاته أحد أبرز الأخطاء التي تواجه الإدارة.
تقدير الموظفين
قد لا يكون مفاجئا القول إن الحصول على المال ليس هو الهدف الوحيد من العمل؛ إذ يريد الناس أن يشعروا بأهمية ما يقومون به، وأن ما يقومون به من عمل وما يبذلونه من جهد يُلاحظ، ويجب أن يكافؤوا عليه، وبالتالي فإن عدم تقدير الموظفين أحد أبرز الأخطاء التي تواجه الإدارة؛ إذ ستؤدي معاملة الموظفين بشكل عادل والاعتراف بإنجازاتهم إلى قطع شوط طويل في تقليل معدل دوران الموظفين وتحسين الإنتاجية وتقليل الخطأ.
والمؤسف أن مواجهة هذا الخطأ وعدم السماح له بالوقوع من الأساس أمر ميسور جدًا؛ كلمة (شكرًا) تساوي الكثير، وتحمل معاني محفزة للمجدين من الموظفين، على الرغم من أن السلبيات التي تنجم عن هذا الخطأ الإداري وخيمة جدًا.
ثانيًا: اكتشاف الخطأ
على الرغم من ذلك الدستور، إلا إنه من المستحيل منع وقوع الخطأ، لذلك كيف نكتشف وقوع الخطأ؟
1. الأمان النفسي للموظف، من المهم جدًا أن يشعر الموظف بالأمان النفسي إن وقع في خطأ حتى يمكنه أن يعترف بالخطأ وأن يتعامل معه بطريقة منهجية، فإن كانت المؤسسة تتعامل مع الأخطاء بطريقة سيئة وبشعة، بحيث لا يشعر فيها الموظف بالأمان النفسي، فإنه من المستحيل أن يقر الموظف بالخطأ حتى وإن تم إثبات أن الخطأ وقع.
2. وجود استراتيجية واضحة للتعامل مع الخطأ، كما أشرنا سابقًا أن التعامل مع الخطأ وإدارته يجب ألا تتم وفق الأهواء، فتارة تعاقب وتارة تعفو عن الزميل الآخر الذي عمل نفس الخطأ، فالمساواة مطلوبة في التعامل مع الخطأ، فالمساواة تعني أن نتعامل مع الجميع بنفس المنهجية.
3. استفسر عن الخطأ إن وقع، مع إحسان الظن والتثبت، كمسؤول إداري قائد وعندما يبلغك أن فلان من الموظفين قد أخطأ فتثبت منه، واستفسر عنه مع إحسان الظن به، فأنت بهذا تشعره بالاحترام والتقدير والأمان، كما يشعر في الوقت نفسه بالخجل وأن هذا الخطأ لا يليق بمثله.
4. آلية ومنهجية واضحة لاكتشاف الأخطاء، ولا يعني أبدًا أن يكون لك جواسيس من الموظفين يأتونك وبالأحرى يبحثون عن الأخطاء الصغيرة التي يقع فيها زملاء العمل، وإنما عندما نطبق في العمل (الهندسة الإدارية) وأنظمة (فرق العمل) فإن الأخطاء عادة ما تكون واضحة للعيان، وخاصة للمسؤول الإداري القائد، فالمنهجية تقول إنه لابد من وجود مؤشرات واضحة لتحديد الخطأ وتصنيفه حال وقوعه، فمثل هذه الآليات تقلل من الأخطاء وتسهم بصورة كبيرة في إدارتها.
ثالثًا: إدارة الخطأ
الهدف من إدارة الخطأ هو التقليل من الآثار السلبية التي يمكن أن تقع على المؤسسة، سواء من الناحية المالية أو الصورة الذهنية والمجتمعية أو خلاف ذلك، لذلك فإن إدارة الخطأ تحتاج إلى عقلية تستطيع أن تتعامل مع الإنسان قبل أن تتعامل مع آلة، فالموظف إنسان وليس آلة، والإنسان يقع في الخطأ مهما كان حريصًا، وهذا أول أمر يجب أن يؤمن به المسؤول الإداري القائد، وبعد ذلك تأتي الأمور التالية؛
1. العدالة في التعامل مع الخطأ، تحدثنا قبل لحظات أنه يجب أن تكون هناك مساواة في التعامل مع المخطئين، وهنا نضيف أنه يجب أن نتعامل مع الأفراد بطريقة عادلة، إذ يجب أن نتعرف على حيثيات الخطأ، فلكل خطأ أسباب ومسببات، لذلك فإنه يجب على المسؤول الإداري القائد أن يتعامل بحذر مع الأفراد، فقد يكون الخطأ غير مقصود، وإنما قد يكون سبب أدى إلى سبب، فإن من الحري بالمسؤول الإداري القائد أن يتحرى عن الأسباب الحقيقة التي أدت إلى حدوث الخطأ.
2. الخسائر المترتبة على الخطأ، من المهم على الإدارة والمسؤول الإداري القائد أن يعرف وبلغة الأرقام نقول (أن يحسب قيمة الخطأ الذي وقع)، فبعض الأخطاء تقدر بالملايين حتى وإن لم تكن أخطاء مادية، فالصورة الذهنية لمؤسسة –في بعض الأحيان– تقدر بالملايين حتى وإن لم يشعر الموظف بذلك، ووفاة ولي أمر أطفال وهو عائلهم الوحيد بسبب خطأ طبي لا تقدر بثمن، لذلك هذا أمر يجب أن يحسب بالأرقام.
3. التعويض، إن وقع خطأ في حق إنسان أو عميل أو زميل عمل أو أيًا كان فإنه يجب أن يعوض فهذا حقه، ويجب ألا تتهرب المؤسسة من المسؤولية.
4. المعالجة وليس الكراهية، إن وقع خطأ، وجلسنا مع الموظف المخطئ، فتبين لنا أنه بالفعل وقع في الخطأ وذلك حسب الدستور الموجود مسبقًا في المؤسسة، فإن كان يستحق العقوبة فإنه يعاقب حسب الدستور أيضًا، فقد قلنا إن لكل خطأ العقوبة المناسبة، ليس أكثر ولا أقل. ولكن بعد ذلك يعود الموظف إلى عمله من غير أي كراهية شخصية له، أو تهميش أو أي إجراء آخر. وإنما يجب أن يتعلم الدرس من خلال توضح كل الأمور له وألا يترك من غير ألا يعرف ماذا وكيف؟
عمومًا، هذه بعض الأمور المتعلقة بإدارة الخطأ في العمل المؤسسي، وإن كان الموضوع كبير إلا أنه سوف نكتفي بذلك، وقبل أن نترككم اليوم، نعود إلى سؤال البداية (في رأيك، هل كان توم واطسون على حق في التعامل مع الخطأ الذي وقع على المؤسسة؟).
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك