العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المجتمع الدولي في مواجهة المأزق الصعب

بقلم: جميل مطر {

الجمعة ١٧ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

أحيانا‭ ‬تتعقد‭ ‬بدائل‭ ‬المستقبل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬يدفع‭ ‬بالمحللين‭ ‬في‭ ‬تحليلاتهم‭ ‬إلى‭ ‬الميل‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬التنظير‭ ‬قليلا‭ ‬سعيا‭ ‬نحو‭ ‬فهم‭ ‬أفضل‭ ‬أو‭ ‬ممكن‭. ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬عندما‭ ‬تتعقد‭ ‬الأمور‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬قصوى‭ ‬ويتصرف‭ ‬اللاعبون،‭ ‬وفي‭ ‬حالتنا‭ ‬اللاعبون‭ ‬الكبار‭ ‬هم‭ ‬دول‭ ‬نووية‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬شابه،‭ ‬تصرفات‭ ‬المراهقة‭ ‬أو‭ ‬اليأس‭ ‬أو‭ ‬تسلك‭ ‬عن‭ ‬عمد‭ ‬مسالك‭ ‬الاستهتار‭.‬

بعد‭ ‬مراجعة‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬في‭ ‬قاعات‭ ‬الخطب‭ ‬والمناقشات‭ ‬العلنية‭ ‬وما‭ ‬تسرب‭ ‬من‭ ‬أحاديث‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬وصالونات‭ ‬مغلقة‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬ميونيخ‭ ‬للأمن‭ ‬وبعد‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬متابعة‭ ‬تصرفات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬دول‭ ‬كبرى‭ ‬وصغرى‭ ‬وبعضها‭ ‬نووي‭ ‬التسلح‭ ‬ومقارنة‭ ‬هذه‭ ‬التصرفات‭ ‬بسلوك‭ ‬المراهقة‭ ‬أو‭ ‬بدت‭ ‬لنا‭ ‬هكذا‭ ‬كمعاصرين‭ ‬لها‭ ‬ولكثير‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬السياسة‭ ‬الذين‭ ‬سجلوا‭ ‬تفاقم‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬وأبحاث‭. ‬كشفت‭ ‬المقارنة‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬أن‭ ‬اللاعبين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬الراهنة‭ ‬يستخدمون‭ ‬درجة‭ ‬عليا‭ ‬من‭ ‬القسوة‭ ‬والبشاعة‭ ‬لا‭ ‬أجد‭ ‬تبريرا‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬لهؤلاء‭ ‬اللاعبين‭ ‬أغراضا‭ ‬وأهدافا‭ ‬لا‭ ‬يعلنون‭ ‬عنها‭. ‬لا‭ ‬أقصد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لم‭ ‬ترتكب‭ ‬حماقات‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬فبعضها‭ ‬ارتكب‭ ‬بالفعل‭ ‬جرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬إنما‭ ‬أقصد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬اتضح‭ ‬لنا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬يتجاوز‭ ‬في‭ ‬بشاعته‭ ‬أفظع‭ ‬ما‭ ‬ارتكبه‭ ‬الكبار‭ ‬كما‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬عشتها‭ ‬أنا‭ ‬وأبناء‭ ‬وبنات‭ ‬جيلي‭. ‬عشنا‭ ‬فظائع‭ ‬ارتكبت‭ ‬في‭ ‬بودابست‭ ‬وبراج‭ ‬عندما‭ ‬اقتحمتهما‭ ‬القوات‭ ‬السوفيتية‭ ‬في‭ ‬أزمتي‭ ‬1956‭ ‬و1968‭ ‬على‭ ‬التوالي‭. ‬عشنا‭ ‬فظائع‭ ‬أخرى،‭ ‬وإن‭ ‬أبشع،‭ ‬في‭ ‬حربي‭ ‬أمريكا‭ ‬ضد‭ ‬فيتنام‭ ‬والعراق‭ ‬وقبلهما‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬شنتها‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬ضد‭ ‬مصر‭. ‬اليوم‭ ‬نحن‭ ‬شهود‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬دمار‭ ‬شامل‭ ‬تشنها‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وحرب‭ ‬ليست‭ ‬أقل‭ ‬بشاعة‭ ‬تشنها‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬باستخدام‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وكيلا‭ ‬لها‭. ‬تجري‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا‭ ‬التضحية‭ ‬بشعبها‭ ‬وعمائرها‭ ‬ومصانعها‭ ‬وحقولها‭ ‬ومحطاتها‭ ‬النووية‭ ‬لهدف‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬ضد‭ ‬الكيان‭ ‬الروسي‭.‬

نحن‭ ‬شهود‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬جديد‭ ‬ابتدعته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وتطبقه‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬ومعها‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تسول‭ ‬لها‭ ‬نفسها‭ ‬التعاون‭ ‬معها‭. ‬نظام‭ ‬عقوبات‭ ‬متصاعدة‭ ‬ترقى‭ ‬أو‭ ‬تنحدر‭ ‬إلى‭ ‬هدف‭ ‬فرض‭ ‬العدم‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬الهزيمة‭ ‬على‭ ‬الخصم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬يذكر‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسببه‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬من‭ ‬أضرار‭ ‬جسيمة‭ ‬للبشرية‭ ‬بأسرها‭. ‬ففي‭ ‬أي‭ ‬مشهد‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬نعيش‭ ‬نحو‭ ‬أي‭ ‬مشهد‭ ‬نسير‭ ‬أو‭ ‬نساق؟

أولا‭: ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الأحادية‭ ‬القطبية،‭ ‬ومن‭ ‬أسمائه‭ ‬الأخرى‭ ‬اسم‭ ‬عصر‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإمبراطورية‭. ‬المحبون‭ ‬لهذا‭ ‬المشهد‭ ‬يعتقدون‭ ‬في‭ ‬قدرته‭ ‬الأسطورية‭ ‬على‭ ‬إحلال‭ ‬السلم،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬اختلقوا‭ ‬عبارة‭ ‬لحظة‭ ‬القطب‭ ‬الأوحد‭ ‬باعتباره‭ ‬عصر‭ ‬سعادة‭ ‬وأمن‭ ‬وحبور‭. ‬قيل‭ ‬إنه‭ ‬يأتي‭ ‬غالبا‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬قطبية‭ ‬ثنائية‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬اسبرطة‭ ‬وأثينا‭ ‬وبعد‭ ‬مرحلة‭ ‬هيمنة‭ ‬نسبية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬على‭ ‬صراعات‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وإن‭ ‬اختلطت‭ ‬الهيمنة‭ ‬الثنائية‭ ‬هناك‭ ‬بحالة‭ ‬توازن‭ ‬قوة‭ ‬أشبه‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬بمشهد‭ ‬التعددية‭ ‬القطبية‭.‬

ثانيا‭: ‬هؤلاء‭ ‬يعتبرون‭ ‬أن‭ ‬مرحلة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬مشهدا‭ ‬لقطبية‭ ‬ثنائية‭ ‬تدهورت‭ ‬في‭ ‬أواخرها‭ ‬أو‭ ‬ارتقت‭ ‬إلى‭ ‬مشهد‭ ‬القطبية‭ ‬الأحادية،‭ ‬المصير‭ ‬المتوقع‭ ‬لأي‭ ‬قطبية‭ ‬ثنائية‭. ‬بدأ‭ ‬مشهد‭ ‬الأحادية‭ ‬القطبية‭ ‬مع‭ ‬انفراط‭ ‬عقد‭ ‬القطب‭ ‬السوفيتي‭ ‬بعد‭ ‬جهود‭ ‬مكثفة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬القطب‭ ‬الأمريكي‭ ‬لدفع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬نحو‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬لم‭ ‬تقو‭ ‬موسكو‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬تكلفته‭ ‬الباهظة‭. ‬انتهى‭ ‬السباق‭ ‬بانفراد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالقيادة‭ ‬وأيضا‭ ‬بالهيمنة‭.‬

كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬استعانت‭ ‬بالعولمة‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬منظومة‭ ‬قيمها‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭. ‬كان‭ ‬للعولمة‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬انتقال‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬كمون‭ ‬طويل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬التحول‭ ‬الكلى‭ ‬نحو‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬للاستفادة‭ ‬مما‭ ‬يعرضه‭ ‬من‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬وأسواق‭ ‬وتكنولوجيات‭ ‬جديدة‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاندماج‭ ‬فيه‭.‬

تطور‭ ‬المشهد‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬لتصبح‭ ‬الصين‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تغييره،‭ ‬لو‭ ‬أرادت،‭ ‬نحو‭ ‬قطبية‭ ‬ثنائية‭. ‬امتنعت‭ ‬الصين‭ ‬عن‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لتتقدم‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لاختراق‭ ‬النظام‭ ‬تمهيدا‭ ‬لاستعادة‭ ‬مشهد‭ ‬القطبية‭ ‬الثنائية‭. ‬هكذا‭ ‬نشأت‭ ‬حالة‭ ‬قطبية‭ ‬ثنائية‭ ‬تحت‭ ‬الإنشاء،‭ ‬طرفاها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭. ‬الأولى‭ ‬رافضة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بما‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تثبته‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬مكانتها‭ ‬قطبا‭ ‬ثانيا‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬التأهب‭ ‬لوأد‭ ‬أي‭ ‬حلم‭ ‬تتعاطاه‭ ‬بكين‭ ‬عن‭ ‬أحقيتها‭ ‬بمكانة‭ ‬القطب‭ ‬الثاني‭ ‬أو‭ ‬الثالث‭.‬

لا‭ ‬تريد‭ ‬واشنطن‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬مشهد‭ ‬القطبية‭ ‬الأحادية‭ ‬الجديد،‭ ‬تريد‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬الإطالة‭ ‬فيه‭ ‬ليستحق‭ ‬صفة‭ ‬عصر‭ ‬السلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬لحظة‭ ‬أو‭ ‬مشهد‭. ‬تريد‭ ‬إزالة‭ ‬ما‭ ‬طرأ‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬شوائب‭ ‬مثل‭ ‬عودة‭ ‬روسيا‭ ‬وصعود‭ ‬الصين‭ ‬المفاجئ‭ ‬في‭ ‬سرعاته‭ ‬وتصميمه‭. ‬موسكو‭ ‬ترفض‭ ‬إحالة‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد‭ ‬وقد‭ ‬صارت‭ ‬واثقة‭ ‬أن‭ ‬حبل‭ ‬التقاعد‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬رقبتها‭ ‬بالتقدم‭ ‬الذي‭ ‬أحرزه‭ ‬حلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬المحكمة‭ ‬التنفيذ‭ ‬نحو‭ ‬حدود‭ ‬روسيا‭ ‬رغم‭ ‬الاتفاقات‭ ‬والتعهدات‭ ‬المعقودة‭ ‬بين‭ ‬الرئيسين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والسوفيتي‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬اختارت‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الحبل‭ ‬المقترب‭ ‬من‭ ‬رقبتها‭ ‬والترتيب‭ ‬لحرب‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬تبعد‭ ‬بها‭ ‬شبهة‭ ‬قابلية‭ ‬التقاعد‭.‬

ثالثا‭: ‬أما‭ ‬بكين‭ ‬وقد‭ ‬أدركت‭ ‬مبكرا‭ ‬نية‭ ‬واشنطن‭ ‬تعطيل‭ ‬أو‭ ‬وقف‭ ‬صعودها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬دمجها‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬الخصم‭ ‬الروسي‭ ‬اختارت‭ ‬وبكل‭ ‬العزم‭ ‬الابتعاد‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬اكتمال‭ ‬أهليتها‭ ‬لمكانة‭ ‬القطب‭ ‬الثاني‭ ‬والتزام‭ ‬توصية‭ ‬الزعيم‭ ‬الصيني‭ ‬دينج‭ ‬هيسياو‭ ‬بينج‭ ‬قائد‭ ‬الانفتاح‭ ‬بالتريث‭ ‬وعدم‭ ‬الهرولة‭ ‬نحو‭ ‬القمة‭. ‬عطلت‭ ‬بكين‭ ‬أو‭ ‬أحبطت‭ ‬خطة‭ ‬واشنطن‭ ‬لإدماجها‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الروسي‭ ‬عندما‭ ‬أطلقت‭ ‬مبادرة‭ ‬توسط‭ ‬وسلام‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭. ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬تماما‭ ‬ولكنها‭ ‬كسبت‭ ‬وقتا‭ ‬إضافيا‭ ‬وضروريا‭ ‬في‭ ‬سباقها‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تصحح‭ ‬فيه‭ ‬أخطاء‭ ‬اقتصادية‭ ‬مثل‭ ‬علاقة‭ ‬الحزب‭ ‬بشركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الكبرى‭ ‬أو‭ ‬تعالج‭ ‬آثار‭ ‬سياسات‭ ‬مكافحة‭ ‬الجائحة‭.‬

تدرك‭ ‬الصين‭ ‬ويشاركها‭ ‬هذا‭ ‬الإدراك‭ ‬عديد‭ ‬المحللين‭ ‬الأجانب‭ ‬أن‭ ‬الأمريكيين‭ ‬قرروا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬درسا‭ ‬قابلا‭ ‬للتكرار‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬عندما‭ ‬يحين‭ ‬دورها،‭ ‬وهو‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬اكتملت‭ ‬خطته‭ ‬ولكن‭ ‬عطلت‭ ‬تنفيذه‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كما‭ ‬تسميها‭ ‬موسكو‭. ‬يدركون‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬الشبكة‭ ‬الجديدة‭ ‬للأحلاف‭ ‬الغربية‭ ‬كادت‭ ‬تكتمل‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬الحلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬ــ‭ ‬الباسيفيكي،‭ ‬وعند‭ ‬اكتمالها‭ ‬سوف‭ ‬تجد‭ ‬الصين‭ ‬نفسها‭ ‬مجبرة‭ ‬على‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬طموحها‭ ‬المعلن‭ ‬وهو‭ ‬إنهاء‭ ‬عصر‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭. ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يقلل‭ ‬البعض‭ ‬منا‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬قرار‭ ‬الفلبينيين‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬حلقة‭ ‬أصيلة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬المحيطة‭ ‬بالصين‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكي‭ ‬الياباني‭ ‬بعسكرة‭ ‬اليابان‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬تجنيد‭ ‬أستراليا‭ ‬عدوا‭ ‬مناسبا‭ ‬للصين‭ ‬وقريبا‭ ‬منها‭.‬

رابعا‭: ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬تبرز‭ ‬حاجة‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬دولي‭ ‬إقليمي‭ ‬موازٍ‭ ‬للنظام‭ ‬الدولي‭ ‬ولنسميه‭ ‬مجموعة‭ ‬المائة‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭. ‬يعلم‭ ‬قادة‭ ‬الجنوب‭ ‬أن‭ ‬استقلال‭ ‬بلادهم‭ ‬ورفاهية‭ ‬شعوبهم‭ ‬إنما‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬مشهد‭ ‬دولي‭ ‬مختلف‭ ‬كلية‭ ‬عن‭ ‬مشهد‭ ‬الهيمنة‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬قوى‭ ‬أو‭ ‬مصالح‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬فرضه‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬النظام‭ ‬أحادي‭ ‬القطبية‭. ‬نعرف‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬الجنوبي‭ ‬حجم‭ ‬الظلم‭ ‬والحروب‭ ‬التي‭ ‬مولتها‭ ‬أو‭ ‬نظمتها‭ ‬أو‭ ‬أنشبتها‭ ‬دولة‭ ‬الهيمنة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬العالم‭. ‬هنا‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسطية‭ ‬عانينا‭ ‬ونعانى‭ ‬من‭ ‬عواقب‭ ‬حماية‭ ‬دولة‭ ‬الهيمنة‭ ‬للمشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭.‬

لن‭ ‬تكون‭ ‬هيمنة‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭. ‬لا‭ ‬يبالغ‭ ‬من‭ ‬يتصور‭ ‬معارك‭ ‬كسر‭ ‬عظام‭ ‬تسبق‭ ‬ولادة‭ ‬المشهد‭ ‬القادم،‭ ‬أولها‭ ‬وليس‭ ‬آخرها‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الناشبة‭ ‬حاليا‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬وأحد‭ ‬ضحاياها‭ ‬غير‭ ‬المباشرين‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬أبشع‭ ‬علامات‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وفي‭ ‬صدارتها‭ ‬عمليات‭ ‬التجويع‭ ‬وفي‭ ‬ركابها‭ ‬إطلاق‭ ‬سباق‭ ‬استعماري‭ ‬جديد‭ ‬لنزف‭ ‬البقية‭ ‬الباقية‭ ‬من‭ ‬ثروة‭ ‬إفريقيا‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬يبدو‭ ‬أننا‭ ‬سنكون‭ ‬شهودا‭ ‬على‭ ‬تصدع‭ ‬محتمل‭ ‬في‭ ‬البنيان‭ ‬الغربي‭ ‬نتيجة‭ ‬تطورات‭ ‬مثيرة‭ ‬بسبب‭ ‬ماضيه‭ ‬الأغبر‭. ‬أوروبا‭ ‬نراها‭ ‬‮«‬تتعسكر‮»‬‭ ‬وأبناء‭ ‬جيلنا‭ ‬وأجيال‭ ‬أخرى‭ ‬تسبقه‭ ‬شهود‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬التضحيات‭ ‬البشرية‭ ‬والمادية‭ ‬التي‭ ‬تحملتها‭ ‬شعوب‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬نتيجة‭ ‬عسكرة‭ ‬مماثلة‭ ‬حدثت‭ ‬مرارا‭ ‬وخلفت‭ ‬دمارا‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬ثالثة‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬نتجاهل‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬شاخ‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬أحواله‭ ‬يشيخ‭ ‬بتدرج‭ ‬متسارع،‭ ‬أو‭ ‬نتجاهل‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬الغربية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مرغوبة‭ ‬أو‭ ‬محبذة‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬‮«‬رسالة‭ ‬الرجل‭ ‬الأبيض‮»‬‭ ‬تجد‭ ‬أذنا‭ ‬صاغية‭ ‬أو‭ ‬متفهمة‭.‬

أربعة‭ ‬عناصر‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬المأزق‭ ‬الراهن‭ ‬وتعميقه‭. ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬أراها‭ ‬كالتالي‭: (‬1‭) ‬الصين‭ ‬مستفيدة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬لانشغال‭ ‬أمريكا‭ ‬بالحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬عنها‭. (‬2‭) ‬أمريكا‭ ‬تزداد‭ ‬مع‭ ‬الصعوبات‭ ‬إصرارا‭ ‬على‭ ‬التمسك‭ ‬بهيمنتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استمرار‭ ‬نظام‭ ‬القطبية‭ ‬الأحادية‭. (‬3‭) ‬روسيا‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬الأزمة‭ ‬الدولية‭ ‬مهددة‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬ومن‭ ‬الداخل‭ ‬بالتفتيت‭ ‬الكبير‭ ‬الثاني‭. (‬4‭) ‬أوروبا‭ ‬تعود‭ ‬مستودعا‭ ‬للأزمات‭ ‬ومنجما‭ ‬للمتاعب‭ ‬وبخاصة‭ ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬ألمانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬تفقدان‭ ‬المكانة‭ ‬واستمرت‭ ‬بريطانيا‭ ‬تفقد‭ ‬القوة‭ ‬والثروة‭ ‬والاستقرار‭ ‬السياسي‭.‬

 

‭ ‬{ كاتب‭ ‬ومحلل‭ ‬سياسي‭ ‬مصري

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا