العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الصعود السياسي الدولي للقوة الصينية

بقلم: صادق الشافعي {

الأربعاء ١٥ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كان‭ ‬تدخل‭ ‬أمريكا‭ ‬ومعها‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬الحلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬الأوروبية‭ ‬شديد‭ ‬الوضوح،‭ ‬شديد‭ ‬السخاء،‭ ‬وشديد‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬تامة‭ ‬وكاملة‭ ‬‮«‬بالمعتدي‭ ‬الروسي‮»‬‭.‬

ومنذ‭ ‬البداية‭ ‬كان‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬العملي‭ ‬والواقعي‭ ‬المباشر‭ ‬واسع‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬وأولها‭ ‬التسليح‭.‬

وكان،‭ ‬وما‭ ‬زال،‭ ‬التأييد‭ ‬والتشجيع‭ ‬والدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬قائماً‭. ‬ومازال‭ ‬الضغط‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬قائماً‭ ‬للدخول‭ ‬المباشر‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬مجريات‭ ‬الحرب‭ ‬اليومية‭ ‬والتنسيق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬وعلى‭ ‬مستويات‭ ‬عالية‭ ‬ومتنوعة‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬والتنسيق‭ ‬وعلى‭ ‬جميع‭ ‬الصعد‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬والاقتصادية‭.‬

في‭ ‬أساس‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬ومعه‭ ‬دول‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬الأوروبية،‭ ‬ضرورة‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬عسكرية‭ ‬بالدولة‭ ‬الروسية‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬توظيفه‭ ‬لإسقاط‭ ‬صفتها‭ ‬وكونها‭ ‬أحد‭ ‬القطبين‭ ‬العالميين‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وبحيث‭ ‬تنفرد‭ ‬الأخيرة‭ (‬الولايات‭ ‬المتحدة‭) ‬بصفة‭ ‬القطب‭ ‬العالمي‭ ‬الأوحد‭.‬

هذه‭ ‬الخلفية‭ ‬والأساس‭ ‬تشكل‭ ‬مقوماً‭ ‬مهماً‭ ‬وأساسياً‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬ومعه‭ ‬الأوروبي‭ ‬الأطلسي‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬المبادرة‭ ‬إلى‭ ‬التقدم‭ ‬بأي‭ ‬مشروع‭ ‬حل،‭ ‬ولا‭ ‬الدفع‭ ‬بأي‭ ‬من‭ ‬أصدقائهم‭ ‬للتقدم‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭. ‬ويترافق‭ ‬أيضاً‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬التشجيع‭ ‬ولا‭ ‬التجاوب‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬مقترحات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أفكار‭ ‬أولية‭ ‬لصالح‭ ‬الحل‭ ‬التفاوضي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬دولة‭.‬

كما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬معارك‭ ‬مكملة‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬غير‭ ‬عسكرية‭ ‬ولكنها‭ ‬مؤثرة‭ ‬وفاعلة،‭ ‬مثل‭ ‬المعارك‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتمويلية‭ ‬والبنكية‭ ‬والتجارية‭ ‬وحتى‭ ‬الثقافية‭ ‬والرياضية‭ ‬والفنية‭.‬

وبالمقابل،‭ ‬وفي‭ ‬الفترات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بدأت‭ ‬الصين‭ ‬تفرض‭ ‬وجودها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬كبلد‭ ‬أساسي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله‭ ‬ولا‭ ‬تجاهل‭ ‬تأثيره‭ ‬ودوره،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬محيطه‭ ‬الجغرافي‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬فرض‭ ‬الوجود‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يرجع‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬عامل‭ ‬قوة‭ ‬الصين‭ ‬العسكرية،‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬التحالفات‭ ‬أو‭ ‬المساعدات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬ويقوم‭ ‬فرض‭ ‬وجودها‭ ‬على‭ ‬أساسها،‭ ‬وإنما‭ ‬يبدأ‭ ‬الوجود‭ ‬أولاً‭ ‬في‭ ‬التطور‭ ‬والانفتاح‭ ‬الذي‭ ‬تشهده‭ ‬دولة‭ ‬الصين‭ ‬نفسها‭ ‬مقترناً‭ ‬ومنسجماً‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬وتقدم‭ ‬اقتصادي‭ ‬لافت،‭ ‬ومقترناً‭ ‬أيضاً‭ ‬مع‭ ‬الاتساع‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬الصين‭ ‬ونجاحها‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬حضور‭ ‬واسع‭ ‬ومؤثر‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬السياسة‭ ‬النشطة‭ ‬والمتوازنة،‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬التعاون‭ ‬والتبادل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬العادل‭ ‬والمنصف‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وبالذات‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭.‬

وقد‭ ‬عبر‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬حضور‭ ‬قوي‭ ‬للصين‭ ‬عبر‭ ‬تعاون‭ ‬تجاري‭ ‬استثماري‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬استثمارية‭ ‬ثابتة‭ ‬وطويلة‭ ‬الأجل‭ ‬تراعي‭ ‬حاجة‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬إليها،‭ ‬ويقبل‭ ‬أهلها‭ ‬وحكوماتها‭ ‬بالتعاون‭ ‬معها‭ ‬بالترحيب‭ ‬بها‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬وغيره‭ ‬ما‭ ‬فرض‭ ‬للصين‭ ‬حضوراً‭ ‬قوياً‭ ‬وثقلاً‭ ‬مؤثراً‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬بمستطاع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تجاهل‭ ‬هذا‭ ‬الحضور‭ ‬وتجاوزه‭.‬

وقد‭ ‬اعتبرت‭ ‬استراتيجية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬الصين‭ ‬مصدر‭ ‬تهديد‭ ‬للنظام‭ ‬العالمي‭ ‬الحالي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬موسكو‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬بدأ‭ ‬ويستمر‭ ‬الحديث‭ ‬والتعاطي‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬للصين‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭. ‬ويأخذ‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬والتعاطي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تعبير‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬شكل‭ ‬معتمداً‭ ‬بدرجة‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يرجوه‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬او‭ ‬ذاك‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬حديثه‭. ‬

وتصل‭ ‬الأمور‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬توابع‭ ‬الطرف‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الاتهام‭ ‬للصين‭ ‬بأنها‭ ‬أقرب‭ ‬في‭ ‬رؤيتها‭ ‬ومواقفها‭ ‬إلى‭ ‬الطرف‭ ‬الروسي،‭ ‬ويصل‭ ‬التطرف‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تحالف‭ ‬روسي‭ ‬صيني‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭. ‬كما‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مبادرة‭ ‬صينية‭ ‬لمعالجة‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وأنها‭ ‬مبادرة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الطرف‭ ‬الروسي‭.‬

لكن‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬ولا‭ ‬ظهرت‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬تعبيراته‭ ‬وتفاصيله‭ ‬المحددة‭.‬

بالمحصلة‭ ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬فإن‭ ‬الأزمة‭ ‬والصراع‭ ‬الدموي‭ ‬القائم‭ ‬والمستمر‭ ‬حول‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وبعض‭ ‬مقاطعاتها‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬مازال‭ ‬مستمراً،‭ ‬ومازالت‭ ‬عناوين‭ ‬الصراع‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬ومازال‭ ‬الوضع‭ ‬العام‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الحسم‭ ‬لصالح‭ ‬أي‭ ‬طرف،‭ ‬ومازال‭ ‬التدخل‭ ‬الصيني‭ ‬مطلوباً‭ ‬بمبادرة‭ ‬تملك‭ ‬إمكانية‭ ‬قبول‭ ‬أفضل‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭.‬

ومازال‭ ‬ثقل‭ ‬الوزن‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬توازنات‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬تزايد‭ ‬باتجاه‭ ‬واحتمال‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬الصين‭ ‬نفسها‭ ‬كقطب‭ ‬عالمي‭ ‬ثالث‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬ومع‭ ‬روسيا‭ ‬وفي‭ ‬توازن‭ ‬بينهما‭ ‬يصعب‭ ‬تجاوزه‭ ‬وتخطيه‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا