العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

التحولات العالمية والتفكير الاستراتيجي

بقلم: د. أشرف محمد كشك {

الأربعاء ١٥ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

مع‭ ‬التسليم‭ ‬بأن‭ ‬نظريات‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬قد‭ ‬ظهرت‭ ‬نتيجة‭ ‬تطور‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬ذاتها‭ ‬وهي‭ ‬عديدة‭ ‬منها‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬والواقعية‭ ‬والواقعية‭ ‬الجديدة‭ ‬والليبرالية‭ ‬ولكل‭ ‬منها‭ ‬رواد‭ ‬كثيرون،‭ ‬فإن‭ ‬التساؤل‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬ذاته‭ ‬وبشدة‭ ‬هل‭ ‬مازالت‭ ‬تلك‭ ‬النظريات‭ ‬تصلح‭ ‬لتفسير‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬العالم‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬تطورات‭ ‬تتسارع‭ ‬وتيرتها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬مسبوق؟‭ ‬تساؤل‭ ‬توارد‭ ‬إلى‭ ‬ذهني‭ ‬ليس‭ ‬لأنني‭ ‬أحد‭ ‬باحثي‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬أجده‭ ‬من‭ ‬مأزق‭ ‬حقيقي‭ ‬أمام‭ ‬باحثي‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الآن‭ ‬وتأثيراته‭ ‬على‭ ‬الأقاليم‭ ‬المختلفة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬إقليم‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والخليج‭ ‬العربي،‭ ‬ذلك‭ ‬المأزق‭ ‬الذي‭ ‬تعبر‭ ‬عنه‭ ‬ثلاثة‭ ‬تساؤلات‭ ‬مشروعة‭ ‬أولها‭: ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬بصدد‭ ‬ظهور‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬مغاير‭ ‬لما‭ ‬استقر‭ ‬عليه‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬انتهاء‭ ‬حقبة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي؟‭ ‬وثانيها‭: ‬هل‭ ‬بدأت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثالثة‭ ‬بالفعل،‭ ‬وليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مواجهات‭ ‬عسكرية‭ ‬مباشرة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى؟‭ ‬وثالثها‭: ‬هل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يمثل‭ ‬فرصة‭ ‬للدول‭ ‬الصغرى‭ ‬والمتوسطة‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬معضلتها‭ ‬الأمنية؟

تلك‭ ‬التساؤلات‭ ‬وغيرها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نمط‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬ببساطة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬خارج‭ ‬الصندوق‭ ‬كما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه،‭ ‬ولكنه‭ ‬يؤسس‭ ‬على‭ ‬خبرات‭ ‬الماضي‭ ‬وتفاعل‭ ‬الحاضر‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يحمله‭ ‬المستقبل،‭ ‬وهي‭ ‬حلقات‭ ‬ثلاث‭ ‬تشكل‭ ‬مفهوم‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬لكل‭ ‬دولة‭.‬

ففي‭ ‬محاولة‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬التساؤل‭ ‬الأول‭ ‬لن‭ ‬أحاول‭ ‬الإثبات‭ ‬أو‭ ‬النفي‭ ‬وفقاً‭ ‬لنمط‭ ‬التفكير‭ ‬التقليدي،‭ ‬ففي‭ ‬النهاية‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬فروع‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تخضع‭ ‬لأطر‭ ‬أكاديمية‭ ‬تتفق‭ ‬أحياناً‭ ‬وتختلف‭ ‬أحايين‭ ‬أخرى،‭ ‬ولكن‭ ‬دعونا‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬المسألة‭ ‬بمنظور‭ ‬واقعي،‭ ‬لماذا‭ ‬قررت‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬حل‭ ‬الأزمات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مواجهات‭ ‬عسكرية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬إدارتها،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الماضي؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬يلجأ‭ ‬طرف‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ظهور‭ ‬أزمة‭ ‬صواريخ‭ ‬كوبية‭ ‬جديدة‭ ‬رغم‭ ‬احتدام‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬يقم‭ ‬الناتو‭ ‬بضم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬عضويته؟‭ ‬التساؤلات‭ ‬الثلاثة‭ ‬إجابتها‭ ‬واحدة،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وضعت‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬محك‭ ‬الاختبار،‭ ‬وكذلك‭ ‬ممارسة‭ ‬الردع‭ ‬المتبادل‭ ‬ولكن‭ ‬حال‭ ‬إطالة‭ ‬أمدها‭ ‬وحسمها‭ ‬لغير‭ ‬صالح‭ ‬الغرب،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬توافق‭ ‬عليه‭ ‬الباحثون‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬مستويات‭ ‬هي‭ ‬دول‭ ‬كبرى‭ ‬لديها‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬هيكل‭ ‬ومسار‭ ‬النظام‭ ‬ودول‭ ‬كبرى‭ ‬ولكنها‭ ‬غير‭ ‬مؤثرة‭ ‬وثالثة‭ ‬متوسطة‭ ‬وصغرى‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬ذلك‭ ‬النظام،‭ ‬سيكون‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬محل‭ ‬مراجعة،‭ ‬لأن‭ ‬المسألة‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬روسيا‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو‭ ‬فحسب،‭ ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الكوبية‭ ‬دروس‭ ‬مستفادة،‭ ‬فبعد‭ ‬انفراج‭ ‬تلك‭ ‬الأزمة‭ ‬قال‭ ‬روبرت‭ ‬ماكنمارا‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكي‭ ‬آنذاك‭: ‬‮«‬لن‭ ‬يدور‭ ‬الحديث‭ ‬بعد‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬الإدارة‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬ولكننا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬القادم،‭ ‬فإن‭ ‬أطرافه‭ ‬يتعين‭ ‬عليها‭ ‬الاستعداد‭ ‬لإدارة‭ ‬أزمات‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع،‭ ‬يأخذنا‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬الثاني‭: ‬التحذيرات‭ ‬بشأن‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مجرد‭ ‬اجتهادات‭ ‬أكاديمية‭ ‬تؤسس‭ ‬على‭ ‬حالات‭ ‬قياس‭ ‬سابقة‭ ‬ولكنها‭ ‬جاءت‭ ‬ضمن‭ ‬تحذير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مسؤولي‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬سيرجي‭ ‬لافروف‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسي‭ ‬الذي‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬خطر‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭ ‬جدّي‭ ‬وحقيقي‮»‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬كتابات‭ ‬هنري‭ ‬كسينجر‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬وخلاصتها‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والمصالحة‭ ‬قد‭ ‬يبدوان‭ ‬هدفين‭ ‬متناقضين‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬منهما‭ ‬عبر‭ ‬السبل‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬مصالح‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬يتمخض‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬استوقفني‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬كسينجر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬تأثير‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬كيسنجر‭: ‬إن‭ ‬‮«‬العالم‭ ‬سيجد‭ ‬ذاته‭ ‬أمام‭ ‬حالة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬مفهوم‭ ‬ثابت‭ ‬يمكن‭ ‬القياس‭ ‬عليه‭ ‬بشأن‭ ‬الأمن‮»‬،‭ ‬ويعني‭ ‬ذلك‭ ‬ببساطة‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬قد‭ ‬تخوض‭ ‬مواجهات‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬توظف‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬التقنيات‭ ‬العسكرية‭ ‬الحديثة‭ ‬والنتيجة‭ ‬فداحة‭ ‬التدمير‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إيقاف‭ ‬تلك‭ ‬المواجهات‭ ‬بسهولة،‭ ‬يقودنا‭ ‬ذلك‭ ‬التحليل‭ ‬إلى‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬التساؤل‭ ‬الثالث،‭ ‬يؤكد‭ ‬التاريخ‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالاً‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬القطبية‭ ‬الثنائية‭ ‬قد‭ ‬أتاحت‭ ‬قدراً‭ ‬من‭ ‬المناورة‭ ‬للدول‭ ‬الصغرى‭ ‬والمتوسطة‭ ‬عندما‭ ‬انقسم‭ ‬العالم‭ ‬بشكل‭ ‬حدي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المعسكر‭ ‬الرأسمالي‭ ‬والآخر‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬صحيح‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬التبسيط‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬سوف‭ ‬يشهد‭ ‬حرباً‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭ ‬ذات‭ ‬مضامين‭ ‬أيديولوجية،‭ ‬ولكن‭ ‬حالة‭ ‬الاعتماد‭ ‬المتبادل‭ ‬وتغير‭ ‬أولويات‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬والتأثير‭ ‬الكبير‭ ‬للعوامل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬الخارجية‭ ‬للدول‭ ‬جميعها‭ ‬مقومات‭ ‬تتيح‭ ‬قدراً‭ ‬من‭ ‬المناورة‭ ‬المحسوبة‭ ‬للدول‭ ‬الصغرى‭ ‬والمتوسطة‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الحراك‭ ‬الدولي‭ ‬الراهنة،‭ ‬ليس‭ ‬للاصطفاف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬وإنما‭ ‬لإعادة‭ ‬تفعيل‭ ‬منظومة‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬التي‭ ‬تجد‭ ‬ذاتها‭ ‬في‭ ‬تنظيمات‭ ‬للأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬تعكس‭ ‬مصالح‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬تتشابه‭ ‬في‭ ‬سماتها‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬أو‭ ‬بدء‭ ‬حوارات‭ ‬إقليمية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬احتدام‭ ‬الصراعات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تنويع‭ ‬الشراكات‭ ‬الدولية‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬بالضرورة‭ ‬عسكرية‭.‬

وعود‭ ‬على‭ ‬ذي‭ ‬بدء،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬التحولات‭ ‬الدولية‭ ‬الراهنة‭ ‬تمثل‭ ‬مأزقاً‭ ‬لمضامين‭ ‬نظريات‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬فإن‭ ‬الباحثين‭ ‬ربما‭ ‬لن‭ ‬يجدوا‭ ‬ملاذاً‭ ‬سوى‭ ‬إجراء‭ ‬دراسات‭ ‬مقارنة،‭ ‬فالتاريخ‭ ‬يزخر‭ ‬بأزمات‭ ‬تتشابه‭ ‬وقائعها‭ ‬وظروف‭ ‬حدوثها‭ ‬وأطرافها‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬الراهن‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬دروساً‭ ‬مستفادة،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية،‭ ‬تبقى‭ ‬لدراسات‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬ونظريات‭ ‬الدور‭ ‬جاذبيتها‭ ‬وأهميتها،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬تأثير‭ ‬الدول‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بكونها‭ ‬دولاً‭ ‬كبرى‭ ‬أم‭ ‬صغرى،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬للتأثير،‭ ‬وأخيراً‭ ‬ثمة‭ ‬تساؤل‭ ‬مهم‭ ‬للغاية‭ ‬أتصور‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬محوراً‭ ‬للتفكير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لسنوات‭ ‬مقبلة‭ ‬ومفاده‭: ‬هل‭ ‬مازلنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬أمن‭ ‬عالمي‭ ‬وآخر‭ ‬إقليمي؟‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الإجابة‭ ‬بالنفي،‭ ‬فإن‭ ‬التساؤل‭ ‬المنطقي‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يشكل‭ ‬من؟‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬أسست‭ ‬للنظام‭ ‬العالمي‭ ‬آنذاك،‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬أوضحت‭ ‬ترتيب‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬ونفوذها،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬اختلافا‭ ‬بين‭ ‬الأزمتين‭ ‬لكن‭ ‬النتيجة‭ ‬واحدة،‭ ‬وهي‭ ‬علاقة‭ ‬التأثير‭ ‬والتأثر‭ ‬بين‭ ‬هيكل‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬والأقاليم،‭ ‬وخاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬جوهرية‭ ‬لأطراف‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭.‬

ولا‭ ‬يعني‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬تسارع‭ ‬وتيرة‭ ‬التطورات‭ ‬العالمية‭ ‬تعني‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تفسيرها‭ ‬ووضع‭ ‬خيارات‭ ‬للتعامل‭ ‬معها،‭ ‬ولكن‭ ‬الأمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المزج‭ ‬بين‭ ‬نظريات‭ ‬الواقعية‭ ‬الجديدة‭ ‬والتفكير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬تعكسه‭ ‬وثائق‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬عن‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭. ‬

 

{ مدير‭ ‬برنامج‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والدولية‭ ‬بمركز‭ ‬‮«‬دراسات‮»‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا