العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ماذا بعد قرار بوتين بتعليق اتفاقية «نيوستارت»؟

بقلم : هاني عوكل {

الثلاثاء ١٤ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

ليس‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬تُعلّق‭ ‬روسيا‭ ‬معاهدة‭ ‬الأسلحة‭ ‬الهجومية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬‮«‬ستارت‭ ‬3‮»‬‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الأجواء‭ ‬الدولية‭ ‬المشحونة‭ ‬بالتوتر،‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬المتواصلة‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وتدفق‭ ‬الدعم‭ ‬والمساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬والمادية‭ ‬الغربية‭ ‬لكييف‭.‬

يتساءل‭ ‬كثيرون‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬إلى‭ ‬تعليق‭ ‬هذه‭ ‬المعاهدة‭ ‬المهمة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬في‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي،‭ ‬ولماذا‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬عام‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا؟

في‭ ‬البداية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المعاهدة‭ ‬التي‭ ‬وُقعت‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬2010‭ ‬بين‭ ‬الرئيسين‭ ‬آنذاك‭ ‬الأمريكي‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬والروسي‭ ‬دميتري‭ ‬ميدفيديف‭ ‬ترجمت‭ ‬عديد‭ ‬الاتفاقات‭ ‬السابقة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وهدفت‭ ‬إلى‭ ‬تخفيض‭ ‬ترساناتهما‭ ‬النووية‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬المعاهدة‭ ‬تضمنت‭ ‬التزام‭ ‬البلدين‭ ‬بنشر‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬1550‭ ‬رأسا‭ ‬نووياً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬وتخفيض‭ ‬منصات‭ ‬إطلاق‭ ‬القاذفات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬إلى‭ ‬800،‭ ‬وحصر‭ ‬عدد‭ ‬الصواريخ‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬بـ700‭ ‬صاروخ،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كلتا‭ ‬الدولتين‭ ‬لم‭ ‬تلتزم‭ ‬ببنود‭ ‬المعاهدة‭.‬

لم‭ ‬يتوقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬ثمة‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬صامت‭ ‬وتجارب‭ ‬جديدة‭ ‬تستهدف‭ ‬تطوير‭ ‬الأسلحة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى،‭ ‬والأهم‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬أسلحة‭ ‬أكثر‭ ‬فتكا‭ ‬لإحداث‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬توازن‭ ‬الرعب‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭.‬

خلال‭ ‬خطابه‭ ‬أمام‭ ‬الجمعية‭ ‬الفيدرالية‭ ‬الروسية،‭ ‬أعلن‭ ‬بوتين‭ ‬تعليق‭ ‬مشاركة‭ ‬بلاده‭ ‬رسميا‭ ‬في‭ ‬معاهدة‭ ‬‮«‬نيوستارت‮»‬،‭ ‬وحمّل‭ ‬الغرب‭ ‬مسؤولية‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬بلاده‭ ‬إلى‭ ‬تعليق‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬المعاهدة‭ ‬تتصل‭ ‬بعدم‭ ‬التزام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ببنودها‭.‬

قرار‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬تعليق‮»‬‭ ‬وليس‭ ‬‮«‬انسحاب‮»‬‭ ‬من‭ ‬المعاهدة،‭ ‬ألمح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬لم‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬إجابة‭ ‬بشأن‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬أسلحة‭ ‬الردع‭ ‬النووية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬مقابل‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬مراقبة‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬الروسية‭. ‬كذلك‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والتي‭ ‬أغارت‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬جوية‭ ‬روسية‭ ‬توجد‭ ‬فيها‭ ‬طائرات‭ ‬استراتيجية‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬سببا‭ ‬أهم‭ ‬دعا‭ ‬بوتين‭ ‬إلى‭ ‬تعليق‭ ‬مشاركة‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعاهدة،‭ ‬وهو‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬واشنطن‭ ‬حتى‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬كييف،‭ ‬وكذلك‭ ‬محاولة‭ ‬روسية‭ ‬لتصعيد‭ ‬الحرب‭ ‬وأخذها‭ ‬إلى‭ ‬مربع‭ ‬الندّية‭ ‬وإفهام‭ ‬الغرب‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬مصممة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭.‬

أما‭ ‬بخصوص‭ ‬تعليق‭ ‬المشاركة،‭ ‬فمفاد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬بوتين‭ ‬رمى‭ ‬الكرة‭ ‬إلى‭ ‬الملعب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وأعطى‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬هناك‭ ‬فرصة‭ ‬إعادة‭ ‬التفكير‭ ‬مليا‭ ‬بخصوص‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نوع‭ ‬وحجم‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬والمادية‭.‬

روسيا‭ ‬وإن‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬فهي‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬مساعدة‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الأخيرة‭ ‬تحارب‭ ‬بالنيابة‭ ‬عن‭ ‬واشنطن‭ ‬لتحجيم‭ ‬الدور‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والقارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬تحديداً‭. ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬رسالة‭ ‬موسكو‭ ‬بشأن‭ ‬معاهدة‭ ‬‮«‬نيوستارت‮»‬‭ ‬ليست‭ ‬موجهة‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن‭ ‬وإنما‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬أيضا‭. ‬تسعى‭ ‬موسكو‭ ‬إلى‭ ‬تخويف‭ ‬الجيران‭ ‬الأوروبيين‭ ‬بالسلاح‭ ‬النووي،‭ ‬بهدف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬واشنطن‭ ‬لإعادة‭ ‬التفكير‭ ‬بشأن‭ ‬مسار‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬نلحظ‭ ‬تحركات‭ ‬عسكرية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬لبعض‭ ‬العواصم‭ ‬الأوروبية‭ ‬بهدف‭ ‬إعادة‭ ‬تموضع‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬وصواريخ‭ ‬باليستية‭.‬

أيضاً‭ ‬ربما‭ ‬تقوم‭ ‬روسيا‭ ‬ببعض‭ ‬التجارب‭ ‬النووية‭ ‬حتى‭ ‬تبرهن‭ ‬للغرب‭ ‬أنها‭ ‬جدية‭ ‬جداً‭ ‬بخصوص‭ ‬تحقيق‭ ‬متطلباتها‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬المربع‭ ‬الأوكراني،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬فقط‭ ‬الانتصار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وإنما‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬مفهوم‭ ‬الأمن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬لن‭ ‬تقدم‭ ‬موسكو‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬السلاح‭ ‬النووي،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيضع‭ ‬أمنها‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬ويهدد‭ ‬مصيرها‭ ‬الوجودي،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬تحاول‭ ‬فعله‭ ‬هو‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬مناطق‭ ‬عازلة‭ ‬أو‭ ‬محرمة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الخطيرة‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬الأوروبية‭ ‬الملاصقة‭ ‬لها‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬مشكلة‭ ‬روسيا‭ ‬الحقيقية‭ ‬ليست‭ ‬مع‭ ‬أوروبا‭ ‬التي‭ ‬تجدها‭ ‬ضعيفة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الرعاية‭ ‬والتبعية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولذلك‭ ‬كل‭ ‬المسألة‭ ‬والخلاف‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتنافس‭ ‬مع‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬هيمنة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الناعمة‭ ‬والحرب‭ ‬الباردة‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬التقليدية‭.‬

تعليق‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬معاهدة‭ ‬‮«‬نيوستارت‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬ولا‭ ‬يؤخر‭ ‬من‭ ‬شيء،‭ ‬طالما‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يحرم‭ ‬الدول‭ ‬المشاركة‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬التخلي‭ ‬الكامل‭ ‬عن‭ ‬السلاح‭ ‬النووي،‭ ‬إذ‭ ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬تخفيض‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬5977‭ ‬رأسا‭ ‬نوويا‭ ‬بحسب‭ ‬تقديرات‭ ‬اتحاد‭ ‬العلماء‭ ‬الأمريكيين‭ ‬إلى‭ ‬1550‭ ‬كما‭ ‬تنص‭ ‬معاهدة‭ ‬‮«‬ستارت‭ ‬3‮»‬‭.‬

كل‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬مستعدة‭ ‬لاستخدام‭ ‬كل‭ ‬الأدوات‭ ‬للتشويش‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬وكل‭ ‬عناوين‭ ‬التلويح‭ ‬والتهديد‭ ‬بالنووي‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬إدارة‭ ‬الصراع‭ ‬عسكرياً‭ ‬ونفسياً،‭ ‬وتأكيد‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬روسيا‭ ‬الأمس‭ ‬بعد‭ ‬تفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا