العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مَـن يحـمـل العصا السحرية في العراق؟

بقلم: فاروق يوسف {

الثلاثاء ١٤ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

منذ‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬ومحمد‭ ‬شياع‭ ‬السوداني‭ ‬يحلم‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬رشحته‭ ‬الأحزاب‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬خلفا‭ ‬لعادل‭ ‬عبدالمهدي‭ ‬الذي‭ ‬أسقطت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬حكومته‭ ‬بعد‭ ‬حوادث‭ ‬دامية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المحتجين،‭ ‬وكانت‭ ‬لديهم‭ ‬سلطة‭ ‬على‭ ‬الشارع‭ ‬المتمرد،‭ ‬رفضوا‭ ‬ذلك‭ ‬الترشيح‭ ‬واعتبروه‭ ‬محاولة‭ ‬لإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬النظام‭. ‬أما‭ ‬وقد‭ ‬فشل‭ ‬المحتجون‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يستعمل‭ ‬مصطفى‭ ‬الكاظمي‭ ‬باعتباره‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬المسكنات،‭ ‬فإن‭ ‬تخلِّي‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬عن‭ ‬الاستحقاق‭ ‬الانتخابي‭ ‬سمح‭ ‬لتلك‭ ‬الأحزاب‭ ‬بأن‭ ‬تفرض‭ ‬السوداني‭ ‬رئيسا‭ ‬لحكومة‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬ولاؤها‭ ‬لإيران‭ ‬موضع‭ ‬شك،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬السوداني‭ ‬نفسه‭ ‬يقول‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬تماما‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بهوية‭ ‬العراق‭ ‬وعلاقاته‭ ‬بمحيطه‭ ‬العربي‭. ‬ولكن‭ ‬الأمور‭ ‬كلها‭ ‬لا‭ ‬تُقاس‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تلك‭ ‬المقاربة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للعراق‭ ‬صارت‭ ‬بمثابة‭ ‬إعلان‭ ‬طريقته‭ ‬لحل‭ ‬مشكلاته‭ ‬الداخلية‭.‬

فالعراقيون‭ ‬مثل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬يهتمون‭ ‬إلا‭ ‬بدورة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬بلادهم،‭ ‬وهم‭ ‬يدركون‭ ‬جيداً‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬مرآة‭ ‬لتجاذبات‭ ‬سياسية‭ ‬نجحت‭ ‬إيران‭ ‬عبر‭ ‬العشرين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الطرف‭ ‬الأقوى‭ ‬فيها‭. ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يفك‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العراقي‭ ‬علاقته‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬الإيراني،‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬قرار‭ ‬سياسي‭ ‬عراقي‭ ‬مستقل‭ ‬وحر‭. ‬وليس‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬علاقة‭ ‬العراق‭ ‬اقتصاديا‭ ‬بمحيطه‭ ‬العربي‭ ‬سوى‭ ‬تهويمات‭ ‬لا‭ ‬يُعتد‭ ‬بها،‭ ‬فهي‭ ‬غير‭ ‬ملزمة،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يعلق‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬تحالف‭ ‬الإطار‭ ‬التنسيقي‭ ‬الموالي‭ ‬لإيران‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬السوداني‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بشأن‭ ‬علاقة‭ ‬العراق‭ ‬بمحيطه‭ ‬العربي‭.‬‮ ‬

الرهان‭ ‬على‭ ‬نجاح‭ ‬السوداني‭ ‬في‭ ‬مهمته‭ ‬إنما‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬مجهولية‭ ‬تلك‭ ‬المهمة‭. ‬ليست‭ ‬هناك‭ ‬خطة‭ ‬للتنمية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولا‭ ‬برنامج‭ ‬عملي‭ ‬لانتشال‭ ‬الفقراء‭ ‬من‭ ‬فقرهم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قطاعي‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬سيظلان‭ ‬مهملين،‭ ‬أما‭ ‬الزراعة‭ ‬والصناعة‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬لهما‭ ‬ذكر‭. ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬عناصرها‭ ‬الكهرباء‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التشاؤم‭ ‬القول‭ ‬إنها‭ ‬لن‭ ‬تشهد‭ ‬إعمارا‭ ‬حقيقيا،‭ ‬ذلك‭ ‬لأنها‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬الإيراني‭. ‬لذلك‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬العراقيين‭ ‬لن‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬خدمات‭ ‬كهربائية‭ ‬دائمة‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تورد‭ ‬غازها‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يوحي‭ ‬فيه‭ ‬السوداني‭ ‬بالانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬فإنه‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬عراق‭ ‬لا‭ ‬مستقبل‭ ‬له‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬العراق‭ ‬مستقلا‭ ‬عن‭ ‬إيران‭. ‬يكرر‭ ‬القول‭ ‬دائماً‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬علاقات‭ ‬تاريخية‭ ‬ودينية‭ ‬تربط‭ ‬البلدين،‭ ‬فيما‭ ‬يقول‭ ‬التاريخ‭ ‬إن‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬كانت‭ ‬سيئة‭ ‬دائما‭.‬

رجل‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬ذاكرة‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬لحكم‭ ‬العراق‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬صار‭ ‬أوهن‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬العنكبوت‭. ‬يعرف‭ ‬السوداني‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يحكم‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬موظف‭ ‬لدى‭ ‬تحالف‭ ‬الإطار‭ ‬التنسيقي‭. ‬بعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬سيُحال‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد‭. ‬في‭ ‬خضم‭ ‬انهماكه‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬الحزبية‭ ‬لن‭ ‬تتاح‭ ‬له‭ ‬فرصة‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الشعب؟‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الاختبار‭ ‬الحقيقي‭ ‬لوطنية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قائمة‭.‬‮ ‬

تضغط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬السوداني‭ ‬لإثبات‭ ‬عدم‭ ‬تبعية‭ ‬حكومته‭ ‬لإيران،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬سعيها‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬تهريب‭ ‬دولارها‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬تستعمله‭ ‬في‭ ‬تجنب‭ ‬الانهيار‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬المليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬تذكرنا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬سبق‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬استثنت‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬عقوباتها،‭ ‬فإن‭ ‬الصرامة‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬بها‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬السوداني‭ ‬لا‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العراقي‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬مستقل‭ ‬عن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإيراني،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬العجز‭ ‬التي‭ ‬تعانيها‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ (‬أي‭ ‬حكومة‭ ‬وليست‭ ‬حكومة‭ ‬السوداني‭ ‬وحدها‭) ‬عن‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭.‬

فالمسألة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حصرها‭ ‬بالدولار‭ ‬كما‭ ‬أوحت‭ ‬به‭ ‬إجراءات‭ ‬البنك‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬العراق‭ ‬الشامل،‭ ‬لجهة‭ ‬تحوله‭ ‬إلى‭ ‬واجهة‭ ‬تتمكن‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬سرقة‭ ‬الوقت‭ ‬وتمرير‭ ‬أساليبها‭ ‬في‭ ‬الخداع‭ ‬والمناورة‭ ‬إقليميا‭ ‬ودوليا‭. ‬

ذلك‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬الانفتاح‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬العراق،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬إنما‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬مد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬للشعب‭ ‬العراقي‭ ‬لتجنيبه‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬تكلفة‭ ‬صراع‭ ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬له‭ ‬فيه‭. ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭ ‬كانت‭ ‬تصطدم‭ ‬بأساليب‭ ‬مراوغة‭ ‬أجهضتها‭ ‬وأفرغتها‭ ‬من‭ ‬محتواها‭ ‬الإنساني‭ ‬حين‭ ‬حولتها‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬آمال‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬الطرف‭ ‬غير‭ ‬المستفيد‭ ‬منها‭.‬

بناءً‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المعطيات‭ ‬الواقعية،‭ ‬فإن‭ ‬محاولة‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬دفع‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬عدم‭ ‬تبعيته‭ ‬لإيران‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تبعية‭ ‬العراق‭ ‬الكاملة‭ ‬لإيران‭. ‬فالسوداني‭ ‬الذي‭ ‬جيء‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬المهزومة‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬سلطة‭ ‬القرار‭ ‬المستقل،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬شخصياً‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬يبتعد‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬المحور‭ ‬الإيراني‭ ‬لأسباب‭ ‬عقائدية،‭ ‬كشف‭ ‬عنها‭ ‬حرصه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سماه‭ ‬بـ«العلاقات‭ ‬التاريخية‭ ‬والدينية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬البلدين‭.‬

أما‭ ‬الإيحاء‭ ‬بأن‭ ‬السوداني‭ ‬سيكون‭ ‬قادراً‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تحكم‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالتحويلات‭ ‬المالية‭ ‬العراقية‭ ‬على‭ ‬الإمساك‭ ‬بالعصا‭ ‬السحرية‭ ‬التي‭ ‬ستغير‭ ‬مصير‭ ‬العراق،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬محاولة‭ ‬لسرقة‭ ‬الوقت‭ ‬واللعب‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭.‬‮ ‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي‮ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا