منذ عام 2019 ومحمد شياع السوداني يحلم بأن يكون رئيس حكومة في العراق. رشحته الأحزاب الموالية لإيران خلفا لعادل عبدالمهدي الذي أسقطت الاحتجاجات الشعبية حكومته بعد حوادث دامية. غير أن المحتجين، وكانت لديهم سلطة على الشارع المتمرد، رفضوا ذلك الترشيح واعتبروه محاولة لإعادة إنتاج النظام. أما وقد فشل المحتجون في تغيير النظام السياسي الذي نجح في أن يستعمل مصطفى الكاظمي باعتباره نوعا من المسكنات، فإن تخلِّي مقتدى الصدر عن الاستحقاق الانتخابي سمح لتلك الأحزاب بأن تفرض السوداني رئيسا لحكومة لن يكون ولاؤها لإيران موضع شك، رغم أن السوداني نفسه يقول غير ذلك تماما حين يتعلق الأمر بهوية العراق وعلاقاته بمحيطه العربي. ولكن الأمور كلها لا تُقاس في إطار تلك المقاربة، رغم أن السياسة الخارجية للعراق صارت بمثابة إعلان طريقته لحل مشكلاته الداخلية.
فالعراقيون مثل شعوب العالم لا يهتمون إلا بدورة الاقتصاد في بلادهم، وهم يدركون جيداً أنها ليست سوى مرآة لتجاذبات سياسية نجحت إيران عبر العشرين سنة الماضية في أن تكون الطرف الأقوى فيها. في اللحظة التي يفك الاقتصاد العراقي علاقته بالاقتصاد الإيراني، يمكن الحديث عن قرار سياسي عراقي مستقل وحر. وليس ما يقوله رئيس الحكومة العراقية من أفكار عن مستقبل علاقة العراق اقتصاديا بمحيطه العربي سوى تهويمات لا يُعتد بها، فهي غير ملزمة، ولذلك لم يعلق أحد في تحالف الإطار التنسيقي الموالي لإيران ضد ما صرح به السوداني في ما يتعلق بشأن علاقة العراق بمحيطه العربي.
الرهان على نجاح السوداني في مهمته إنما يستند إلى مجهولية تلك المهمة. ليست هناك خطة للتنمية في العراق ولا برنامج عملي لانتشال الفقراء من فقرهم، كما أن قطاعي التعليم والصحة سيظلان مهملين، أما الزراعة والصناعة فلم يعد لهما ذكر. البنية التحتية وفي مقدمة عناصرها الكهرباء ليس من باب التشاؤم القول إنها لن تشهد إعمارا حقيقيا، ذلك لأنها مرتبطة بالاقتصاد الإيراني. لذلك يمكن القول إن العراقيين لن يحصلوا على خدمات كهربائية دائمة ما دامت إيران في حاجة إلى أن تورد غازها إلى العراق.
وفي الوقت الذي يوحي فيه السوداني بالانفتاح على العالم العربي، فإنه يتحدث عن عراق لا مستقبل له حين لا يرى العراق مستقلا عن إيران. يكرر القول دائماً إن هناك علاقات تاريخية ودينية تربط البلدين، فيما يقول التاريخ إن العلاقات بين البلدين كانت سيئة دائما.
رجل لا يملك ذاكرة لا يصلح لحكم العراق. غير أن العراق صار أوهن من بيت العنكبوت. يعرف السوداني أنه لن يحكم العراق إلى الأبد. هو مجرد موظف لدى تحالف الإطار التنسيقي. بعد أربع سنوات سيُحال إلى التقاعد. في خضم انهماكه في الصراعات الحزبية لن تتاح له فرصة الالتفات إلى الشعب. ولكن ما هو الشعب؟ ذلك هو الاختبار الحقيقي لوطنية لم تكن قائمة.
تضغط الولايات المتحدة على السوداني لإثبات عدم تبعية حكومته لإيران، في سياق سعيها إلى الحد من عمليات تهريب دولارها إلى إيران التي تستعمله في تجنب الانهيار الاقتصادي، كما في تمويل المليشيات التابعة لها في لبنان واليمن وسوريا.
وإذا ما تذكرنا أن الولايات المتحدة سبق لها أن استثنت العراق في تعامله الاقتصادي مع إيران من تداعيات عقوباتها، فإن الصرامة التي تميز بها التعامل مع حكومة السوداني لا تهدف إلى وضع الاقتصاد العراقي على مسار مستقل عن الاقتصاد الإيراني، بقدر ما تهدف إلى الكشف عن حالة العجز التي تعانيها الحكومة العراقية (أي حكومة وليست حكومة السوداني وحدها) عن التحرر من الهيمنة الإيرانية.
فالمسألة لا يمكن حصرها بالدولار كما أوحت به إجراءات البنك الفيدرالي الأمريكي، بل هي تتجاوز ذلك إلى وضع العراق الشامل، لجهة تحوله إلى واجهة تتمكن إيران من خلالها من سرقة الوقت وتمرير أساليبها في الخداع والمناورة إقليميا ودوليا.
ذلك لأن كل محاولات الانفتاح العربية على العراق، على سبيل المثال، إنما تهدف إلى مد يد العون للشعب العراقي لتجنيبه الاستمرار في دفع تكلفة صراع لا ذنب له فيه. ولكن كل تلك المحاولات كانت تصطدم بأساليب مراوغة أجهضتها وأفرغتها من محتواها الإنساني حين حولتها إلى مجرد آمال من طرف واحد هو الطرف غير المستفيد منها.
بناءً على كل تلك المعطيات الواقعية، فإن محاولة الإدارة الأمريكية دفع رئيس الحكومة العراقية إلى تأكيد عدم تبعيته لإيران لا معنى لها في ظل تبعية العراق الكاملة لإيران. فالسوداني الذي جيء به إلى الحكم عن طريق القوى السياسية المهزومة في انتخابات عام 2021 لا يملك سلطة القرار المستقل، كما أنه شخصياً لا يؤمن بضرورة أن يبتعد العراق من المحور الإيراني لأسباب عقائدية، كشف عنها حرصه على ما سماه بـ«العلاقات التاريخية والدينية» التي تربط البلدين.
أما الإيحاء بأن السوداني سيكون قادراً عن طريق تحكم الفيدرالي الأمريكي بالتحويلات المالية العراقية على الإمساك بالعصا السحرية التي ستغير مصير العراق، فإن ذلك هو الآخر محاولة لسرقة الوقت واللعب في الفراغ.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك