يعد الأمن الغذائي من التحديات ذات الأهمية لدى صناع القرار حول العالم، وبعد سنة من الحرب الروسية الأوكرانية واستمرار التقلبات الاقتصادية كموجة التضخم العالمية وتحديات التغير المناخي، أصبحت تهديدات انعدام الأمن الغذائي واضحة وكُشفت هشاشتها لدى العديد من العالم. وفي المقال السابق، ذكرت التقرير الذي نشرته مجلة «The Economist» الذي جاء فيه: (إنه على الرغم من ارتفاع مستوى الأمن الغذائي لدى الدول المتقدمة كفنلندا، إلا أن متوسط معدلات الأمن الغذائي حول العالم مازالت مستمرة في الانخفاض. ومع ذلك، فإن دول مجلس التعاون، ومن ضمنها مملكة البحرين، احتلت مراكز متقدمة في رفع مستوى الأمن الغذائي. ولكن، كيف قدم التقرير أداء مملكة البحرين في مواجهة توفير الأمن الغذائي، وما هو واقع الأمن الغذائي في مملكة البحرين اليوم؟).
في عام 2021، وجه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم في افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الخامس لمجلسي الشورى والنواب المسؤولين في المملكة بعمل خارطة طريق واستراتيجية فعالة لحماية ورفع مستوى الأمن الغذائي في البحرين، الأمر الذي سيوجه إلى حماية مكتسبات جودة الحياة لسكان المملكة وحمايتهم ضد التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية التي قد تؤثر في أسعار الغذاء. وعلى الرغم من تحقيق مملكة البحرين العديد من الإنجازات مع أصحاب المصلحة في القطاع الخاص في هذا المجال وخصوصا بين عامي 2021 و2022، إلا أن نتائج التقرير قد تساعد صناع القرار على معرفة التحديات البارزة التي تقف أمام تطوير الآليات لرفع مستوى الأمن الغذائي المحلي.
وللإجابة عن السؤال السابق، ومن أجل معرفة مدى تقدم البلدان في مواجهة تحديات الأمن الغذائي، تعتمد مؤشرات الأمن الغذائي للتقرير على أربعة أبعاد رئيسية وهي: 1) تحمل تكلفة الغذاء من قبل المستهلكين، 2) توافر الغذاء والذي يتناول جانب «المعروض» من الأغذية في السوق ويتحدد بمستوى إنتاج الغذاء ومستويات المخزون وصافي التجارة، 3) جودة وسلامة الأغذية، وأخيراً 4) مؤشر الاستدامة والتكيف، ويعتبر هذا المؤشر من المؤشرات المهمة لأنه يساعد البلدان على التكيف ضد التهديدات الاقتصادية والبيئية التي قد تؤثر في الأمن الغذائي وفي المؤشرات الثلاثة السابقة.
وتحليلاً لواقع البحرين من خلال هذه المؤشرات الأربعة، حصلت البحرين على المركز الـ38 عالميا في مؤشر الأمن الغذائي والذي يعد جيدا بالمقارنة بعديد من الدول. وحصلت على المركز الـ11 في مؤشر تحمل تكلفة الغذاء، والـ 52 في مؤشر توافر الغذاء، والـ32 في مؤشر الجودة والسلامة، ولكن في مؤشر الاستدامة والتكيف، حصلت البحرين على المركز الـ 78. ويمكن طرح السؤال الآتي: ماذا يعني حصول البحرين على هذا المركز وكيف يمكن أن يؤثر ذلك في الأمن الغذائي البحريني، وكيف يمكن معالجة ورفع مستوى هذا المؤشر؟
قد يرجح سبب حصول مملكة البحرين على هذا المركز في مؤشر الاستدامة والتكيف لانخفاض الاستثمار في البحث والتطوير في مجال الزراعة والغذاء بالإضافة إلى انخفاض معدل الابتكار الغذائي والزراعي المحلي. ولربما يكون البحث والتطوير في المجال الغذائي في بدايته في البحرين، ولكن هناك العديد من الدراسات التي أثبتت أهمية البحث والتطوير في الدفع بعملية الابتكار والصناعة للأغذية سواء كان ذلك من قبل شركات القطاع الخاص أو العام. ويمكن ملاحظة أن البلدان الحاصلة على المراكز الأولى حول العالم في مؤشر «الاستدامة والتكيف» استثمرت بشكل كبير في البرامج التعليمية والتدريبية بالإضافة إلى دعمها لصناديق دعم البحث والتطوير والابتكار والريادية في مجال إنتاج الغذاء والزراعة والأنشطة المتعلقة بالتكنولوجيا والتقنيات الزراعية الحديثة.
وقبل كل شيء، فإن عمل دراسة شاملة حول تحديات الأمن الغذائي وقطاع الزراعة والاستزراع السمكي في المملكة سيكون ذا أهمية كبيرة لصناع القرار لمعرفة أهم التحديات التي يواجهها هذا القطاع بشكل خاص وكيفية تقديم الحلول بناء على الدلائل العلمية، بالإضافة إلى الاستفادة من تجارب الدول الجزرية كسنغافورة التي أصبحت مركزاً للابتكار الغذائي.
ومع استثمار صناع القرار في البحث والتطوير الزراعي والغذائي، سيدفع ذلك المملكة عالميا إلى مراكز متقدمة، لأن الاستثمار في البحث والتطوير سيرفع مركز البحرين في المؤشرات الأربعة للأمن الغذائي، وستكون قادرة على أن تكون مثالاً للدول الجزرية التي قد تعاني من نفس تداعيات الأمن الغذائي، خصوصاً أن الدول الجزرية هي أكثر عرضة لعوامل تغيير المناخ وغيرها من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية التي قد تؤثر في مستوى الأمن الغذائي لديها.
وبالمثل، فلابد للدولة التي ترغب في رفع مستويات الأمن الغذائي لديها أن ترفع مستويات إنتاج وصناعة الأغذية بشكل محلي وتسهم في تسهيل القوانين وجذب الاستثمارات الخارجية المباشرة ودعم رواد الأعمال بالإضافة إلى دعم مكتسبات البحث والتطوير في مجالات الإنتاج وتطوير الغذاء.
{ مركز البحرين للدراسات
الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك